استأنفت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة بعد انهيار الهدنة التي تم التوصل إليها في يناير الماضي، وهو تطور كان متوقعًا منذ البداية.
ولم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ينوي المضي قدمًا في تنفيذ الاتفاق حتى تحقيق هدفه المعلن بوقف دائم لإطلاق النار، وفي المقابل، التزمت حركة حماس بشروط الهدنة، وأبدت استعدادها لتنفيذها بالكامل، بما في ذلك إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين المتبقين، مقابل وقف شامل للأعمال القتالية، حسب تحليل لمجلة “ريسبنسبول ستيت كرافت” الأمريكية نشرته في 21 مارس 2025.
حرب من أجل البقاء السياسي
غير أن إسرائيل خرقت الاتفاق مرارًا حتى قبل استئناف الهجوم هذا الأسبوع، عبر عمليات عسكرية أسفرت عن استشهاد 155 فلسطينيًا، واستمرار احتلال مناطق تعهدت بالانسحاب منها، إضافة إلى حصار إنساني خانق أدى إلى أزمة حادة في إيصال المساعدات إلى غزة.
بحسب التحليل، يخوض نتنياهو هذه الحرب ليس فقط لأسباب أمنية، بل أيضًا للحفاظ على تحالفه مع اليمين المتطرف، الذي يعتمد عليه للبقاء في السلطة؛ وكان وزير المالية بتسلئيل سموتريتش كان من أبرز الداعين لاستئناف القتال، فيما عاد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى الحكومة بعد انسحابه منها احتجاجًا على الهدنة، مؤيدًا التصعيد العسكري.
دور الولايات المتحدة في الصراع
خلال الساعات الأولى من الغارات الإسرائيلية الجديدة، استشهد نحو 400 فلسطيني، في حين صرح نتنياهو بأن “الهجمات الحالية مجرد بداية”. غير أن استمرار الحرب لن يحقق هدف “القضاء على حماس”، بقدر ما سيكون امتدادًا لسياسات التهجير القسري للفلسطينيين.
ورغم دورها في التوصل إلى اتفاق يناير، دعمت إدارة الرئيس الأمريكي دنالد ترامب تخلي إسرائيل عنه، وأعطت الضوء الأخضر لاستئناف الهجمات، مدافعة عن إسرائيل في مجلس الأمن الدولي.
كما زودت واشنطن تل أبيب بأسلحة بقيمة 12 مليار دولار منذ بدء ولاية ترامب، بما في ذلك عمليات نقل عاجلة للسلاح متجاوزةً الكونغرس، ويرى التحليل أن هذا الدعم الأمريكي لا يجعل واشنطن شريكًا سياسيًا فقط، بل مسؤولًا أخلاقيًا عن المأساة المستمرة في غزة، في ظل تزايد الغضب الدولي تجاه المجازر بحق المدنيين.
التصعيد في الضفة وسوريا ولبنان
لم تقتصر عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة، بل امتدت إلى الضفة الغربية، حيث يشير البعض إلى “تحويلها إلى غزة أخرى” عبر عمليات التهجير والتدمير، خاصة في جنين.
كما كثفت إسرائيل هجماتها على سوريا، مستهدفة مواقع إيرانية وأخرى لا علاقة لها بطهران، ووسعت احتلالها لأراضٍ خارج الجولان المحتل، وفي لبنان، فرغم التوصل إلى هدنة في نوفمبر، استمرت إسرائيل في انتهاكها يوميًا، ما أدى إلى سقوط المزيد من الضحايا المدنيين.
حروب لا نهاية لها
تتبنى إسرائيل استراتيجية تقوم على البحث عن “أمن مطلق” على حساب الأمن الإقليمي، حيث تبرر هجماتها باحتمالات تهديد مستقبلي، بينما تخلف هذه الضربات معاناة فورية وواسعة النطاق، لكن هذه المقاربة لم تحقق لإسرائيل أبدًا الأمن الذي تسعى إليه، بل أدت إلى مزيد من العنف والعداء، ما يجعلها في نهاية المطاف عالقة في دوامة الحرب الدائمة.
أما الولايات المتحدة؛ فبدعمها غير المشروط، تجعل نفسها شريكًا في أكبر عمليات التدمير والقتل في الشرق الأوسط، ما يعرضها لمزيد من المخاطر الأمنية، فضلًا عن احتمالية التورط في صراعات لا تخدم مصالحها، كما يحدث حاليًا في اليمن، حيث استهدفت قواتها الحوثيين بسبب دعمهم لغزة.
الأخطر من ذلك، أن التصعيد الإسرائيلي المستمر قد يدفع نحو مواجهة أوسع مع إيران، وهو سيناريو يبدو أن نتنياهو يسعى إليه بقوة، مستغلًا الدعم الأمريكي لاستهداف المصالح الإيرانية؛ لكن في نهاية المطاف، يظل الرهان على القوة وحدها، في منطقة مشحونة بالتوترات، طريقًا نحو المزيد من الدمار، وليس نحو الأمن.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2171230