باحث تنزاني لـ«رؤية»: أمريكا خسرت نفوذها في القارة السمراء

هل سيتمكن ترامب من استعادة النفوذ الأمريكي الضائع في إفريقيا؟

بسام عباس
نيجيريون يتظاهرون ضد الوجود العسكري الأمريكي - إبريل 2024

مع تراجع النفوذ الأمريكي في قارة إفريقيا، ستضطر إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، إلى التعامل مع عدم فهمها لقارة سريعة التغير وتسارع دولها للتحالف مع قوى عالمية معادية، ومهددة أيضًا بحركات مسلحة منتشرة في أرجائها.

وكشفت وكالة “رويترز” عن أن السفارات الأمريكية في دول القارة تعاني من نقص الموظفين والموارد، كما أنها غير قادرة على تنفيذ استراتيجيات واشنطن الطموحة، لافتةً إلى أن ترامب لم يحدد خططه تجاه إفريقيا بعد ما ينذر بخطر تراجع الولايات المتحدة أمام الصين وروسيا.

انتكاسات دبلوماسية

أوضحت الوكالة، في تقرير أعدته مراسلتها في غرب ووسط إفريقيا، جيسيكا دوناتي، الاثنين 11 نوفمبر 2024، أن الولايات المتحدة تكبدت انتكاسات دبلوماسية طوال الـ4 سنوات الماضية، وخسرت قاعدة استخباراتية أمريكية مهمة في النيجر، وفشلت في التفاوض على إعادة تموضع تلك الأصول مع أي حليف إفريقي لها.

قاعدة أمريكية بالنيجر

قاعدة أمريكية بالنيجر

وذكرت أن استطلاع رأي أجرته مؤسسة جالوب، ونُشر هذا العام، كشف عن أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة في شعبيتها في إفريقيا، مستشهدة بقول المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، كاميرون هدسون، إن نقص الموارد أدى إلى خطوات خاطئة.

وأضاف هدسون أن الإدارة الأمريكية لديها نقاط ضعف كبيرة في فهمها للديناميكيات السياسية والديناميكيات العسكرية في الدول التي تنشط فيها، وهي قضية ضخمة تواجهها الدبلوماسية الأمريكية، وهي حادة بشكل خاص في إفريقيا، لافتًا إلى أن تراجع أمريكا سيكون حتميًّا في منطقة يعتبرها صناع السياسة الخارجية الأمريكية ذات أولوية منخفضة.

وعود غير مكتملة

أوضحت رويترز أن واشنطن لم تحرز تقدمًا في تعزيز الوصول إلى احتياطيات هائلة من المعادن الإفريقية التي تقول إنها ضرورية للأمن القومي، مشيرةً إلى أن مشروع السكك الحديدية الرائد الذي تدعمه الولايات المتحدة لتصدير الموارد عبر أنجولا إلى الغرب أمامه الكثير من السنوات للاكتمال.

وأضافت أن بايدن قدم وعودًا سياسية شاملة لإفريقيا لم يف بها بعد، بما في ذلك زيارته المزمعة خلال رئاسته التي تنتهي في يناير. وتعهد بدعم إضافة مقعدين دائمين لإفريقيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وانضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين، ولم يحدث أي شيء من ذلك.

وأشارت إلى أن الخبراء يتوقعون أن يتبنى ترامب نهجًا عملياتيًّا أكثر من بايدن، ساعيًا إلى تحقيق عوائد ملموسة للإنفاق الأمريكي في المنطقة، فالمنافسة مع الصين ستكون محورًا رئيسًا، إلى جانب الدعم الضخم للشركات الأمريكية، داعين واشنطن لأن تعيد النظر في سياستها تجاه القادة العسكريين في منطقة الساحل المضطربة، مع التركيز على الديمقراطية وحقوق الإنسان.

صورة مرسومة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرتديًا الثوب التقليدي لرجال اليوروبا في جنوب نيجيريا

صورة مرسومة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرتديًا الثوب التقليدي لرجال اليوروبا في جنوب نيجيريا

بايدن يهمل القارة

من جانبه، أوضح الباحث التنزاني بجامعة القاهرة، طه كيزوكي، أن الاستراتيجية الأمريكية في إفريقيا تحتاج إلى الواقعية، حيث أهملت إدارة بايدن القارة، وتركتها للقوى الأخرى تتصارع عليها، فنجد روسيا والصين وتركيا، بالإضافة إلى دول أوروبا المختلفة، وحتى الهند، تنشط بكل جهدها ليكون لديها موضع قدم في القارة التي أصبحت نهبًا للجميع.

وأضاف، في تصريحات خاصة لشبكة رؤية الإخبارية، أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه القارة مضطربة، وهو ما بدا واضحًا في بيانات الحكومة الأمريكية وتقاريرها الرسمية المتاحة للجمهور، معربًا عن أمله في أن تكون سياسة إدارة ترامب في ولايته الثانية، أكثر فعالية بما يعود بالنفع على دول القارة التي يعاني معظمها من الفقر والتهميش والإرهاب.

مشكلات توظيف

تعاني الولايات المتحدة من مشكلات توظيف حادة حتى في المناطق التي تريد التنافس فيها مع بكين وموسكو، وهي أولوية قصوى للأمن القومي، ففي 2023، قال مسؤول في الكونجرس الأمريكي إن القسم السياسي كان شاغرًا في السفارة الأمريكية في غينيا، موطن أكبر احتياطيات البوكسيت في العالم، حيث كانت الصادرات موجهة في الغالب إلى الصين.

وفي توجو، وهي دولة ساحلية في غرب إفريقيا تهددها الجماعات المتطرفة، لم تتمكن السفارة الأمريكية الصغيرة من مواكبة مطالب واشنطن بعد اختيار توجو لقيادة “قانون الهشاشة العالمية”، وهي استراتيجية أمريكية لتعزيز الاستقرار السياسي في جميع أنحاء العالم عبر خطط مدتها 10 سنوات.

ووفقًا لتقرير المفتش العام، الذي نُشر في منتصف عام 2023، فإن الفشل في تنفيذ الاستراتيجيات الأمريكية يعود إلى نقص الموظفين والخبرة، حيث خدم كل مسؤول أمريكي تقريبًا في المنصب في وظيفته لأول مرة، ورفضت السفارة التمويل الإضافي للمساعدات الأمنية، لأنها لم يكن لديها الموارد الكافية.

أولوية إفريقيا

مع اندلاع الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، ربما تتراجع أولوية إفريقيا إلى أدنى درجات سلم سياسة ترامب الخارجية. فهو لم يعين فريقًا خاصًا بإفريقيا، على النقيض من منافسته نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، التي عينت فريقًا للمنطقة في الأيام التي سبقت انتخابات 5 نوفمبر.

وخلال إدارته الأخيرة، غضب الكثيرون في المنطقة، عندما وصف ترامب الدول الإفريقية بأنها “دول قذرة”، وفرض دول حظر السفر على حلفائه المقربين، وكانت إريتريا ونيجيريا والصومال والسودان وتنزانيا من بين 13 دولة في قائمة الحظر عندما ترك منصبه.

وقال المبعوث السابق لترامب إلى منطقة البحيرات الكبرى والساحل في إفريقيا، بيتر فام، إنه لا يتوقع انخفاضًا كبيرًا في المساعدات الأمريكية لإفريقيا مع الحكومة الجديدة، لكن مع ترامب كانت هناك فرصة أكبر لقطع المساعدات إذا كان يُنظر إلى دولة ما على أنها تعمل ضد المصالح الأمريكية.

ربما يعجبك أيضا