خطوة جديدة يتخذها القيصر الروسي في حربه المشتعلة منذ ثلاث سنوات داخل الأراضي الأوكرانية، حيث أصدرت موسكو مرسومًا جديدًا يحد من دفع رواتب الجنود المصابين على أساس جروحهم، فالجنود الذين يعانون من جروح أقل خطورة انخفض راتبهم من 30 ألف دولار إلى 10 آلاف دولار، ووجدت تقديرات أجنبية سابقة أن روسيا اضطرت إلى إنفاق 6% من ميزانيتها على تعويضات الضحايا.
وبموجب المبادئ التوجيهية الجديدة للكرملين، لن يحصل الجنود على مبلغ 30 ألف دولار كاملًا إلا إذا عانوا من إصابات “القسم الأول”، أو تلك التي تعرض حياتهم أو صحتهم للخطر أو قد تسبب أضرارًا كبيرة لأعضائهم الحيوية، وفق موقع بيزينس إنسايدر، 14 نوفمبر 2024.
تعويضات الجرحى والقتلى
يأتي القرار الجديد بعد نحو أسبوع من إعلان وسائل الإعلام الروسية أن السلطات كانت تناقش مراجعة تعويضات الإصابة، وصرحت نائبة وزير الدفاع الروسي آنا تسيفيليفا، للصحفيين في 5 نوفمبر أن الأطباء والمستشفيات قالوا إن المدفوعات لم تأخذ في الاعتبار خطورة إصابات الجنود.
وفي الوقت نفسه، تزايد الضحايا من التقدم الروسي الطاحن في شرق أوكرانيا، ومن المرجح أن يكون ذلك قد أدى إلى تضخم تكلفة المدفوعات للجرحى وأسر القتلى، وقدرت المملكة المتحدة أن نحو 1500 جندي روسي قتلوا أو جرحوا في المتوسط في كل يوم من أيام شهر أكتوبر.
وفي يوليو، قدر باحثان يقيمان في الغرب أن روسيا سيتعين عليها أن تنفق نحو 23 مليار دولار، تعويضات للقتلى والجرحى. ويمثل ذلك حوالي 6% من إجمالي ميزانية البلاد لعام 2024، ولا تزال روسيا متمسكة بالقانون الذي وقعه بوتين في مارس 2022، والذي يمنح الذين يموتون في الحرب نحو 75 ألف دولار، بالإضافة إلى 50 ألف دولار، لعائلاتهم.
انتعاش في المناطق النائية
وفقًا لتقرير صحيفة وول “ستريت جورنال” الأمريكية، الأربعاء 13 نوفمبر 2024، كشفت إحصاءات رسمية أن نسبة الفقر في روسيا وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ بدء جمع البيانات في عام 1995، وتحديدًا في المناطق النائية مثل توفا وبورياتيا وألتاي، حيث أدت هذه المدفوعات دورًا رئيسًا في تعزيز الاقتصاد المحلي.
هذا التدفق المالي رفع من معدلات الادخار بشكل ملحوظ، فقد سجلت منطقة توفا النائية زيادة في الودائع المصرفية بنسبة 151% منذ يناير 2022، وارتفعت معدلات البناء السكني بشكل غير مسبوق، ما يعطي انطباعًا بأن الأموال بدأت تتدفق وكأنها تحويلات مالية من الخارج، كما شهدت منطقة ألتاي ارتفاعًا في إيرادات المطاعم والحانات بنسبة 56%، ما يشير إلى تزايد الإنفاق المحلي المدعوم بمدفوعات الحرب.
أفقر مناطق روسيا
وفي بورياتيا، التي تعد إحدى أفقر مناطق روسيا، ارتفعت نسبة الودائع البنكية بنسبة 81% منذ بداية الحرب، كما زادت مشاريع البناء السكني بنسبة 32%، وهو نمو يفوق المتوسط الوطني البالغ 2%، ويُعد هذا التطور جزءًا من التحول الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة، إذ زاد عدد الرجال الذين ذهبوا للقتال في أوكرانيا من هذه المنطقة، وتزايد عدد القتلى ما شكل تضحيات أثرت في نظرة المجتمع المحلي إلى الحرب ومآلاتها.
ورغم هذا التأثير الإيجابي على المناطق النائية، فإن آثار اقتصادية سلبية أخرى خيَّمت على الاقتصاد الروسي ككل، إذ ساهمت مدفوعات التعويضات العسكرية، التي بلغت حوالي 8% من إجمالي الإنفاق الحكومي، في توسيع عجز الموازنة وزيادة معدلات التضخم، ما اضطر البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية بلغت نحو 21%.
اقتصاد الحرب السلبي
أصبح الاقتصاد الروسي يعاني بالفعل من التضخم ونقص السلع، رغم تصريحات فلاديمير بوتين بأن اقتصاد الحرب متوازن بشكل جيد لتوفير كل من الأسلحة والسلع، وأصبحت السلطات الروسية تراقب الوضع في ظل جهودها لمحاولة ضمان عدم تأثير الحرب في أوكرانيا على حياة المواطنين اليومية.
ووفق ما أوردته وكالة بلومبرج، ارتفعت أسعار السلع في روسيا بشكل كبير، فارتفعت البطاطس 50% والثوم 30%، وحتى أسعار السيارات قفزت بأكثر من 40%، وذكر البنك المركزي الروسي في تقرير عن أسعار المستهلكين، أن أسعار منتجات الألبان استمرت في الارتفاع بشكل أسرع في سبتمبر، واستمرت ضغوط التكلفة المتزايدة في الانتقال إلى أسعار هذه الفئة من السلع.
وحذر من أن تواصل الأسعار ارتفاعها، مع توقع تراوح معدل التضخم بين 8% و8.5% هذا العام، أي ضعف مستهدفه البالغ 4%، ورفع البنك الفائدة إلى 21% في أكتوبر، مسجلة أعلى مستوياتها منذ عام 2003، وأشار إلى إمكانية تشديد السياسة النقدية في المستقبل مع مواجهة صانعي السياسات للتضخم المستمر.
ومع الإنفاق الدفاعي الباهظ، وتراجع العائدات من صادرات السلع الروسية، وصعوبات تحويل الروبل، والضغوط الأمريكية، فمن المتوقع أن تنفق روسيا 140 مليار دولار على صناعتها الدفاعية هذا العام، وما يصل إلى 145 مليار دولار في العام المقبل أو 6.3% من ناتجها المحلي الإجمالي، ما يعني المزيد من الضغط على الاقتصاد والمستهلكين، ويثير مخاوف من عودة روسيا لمعدلات التضخم المرتفعة في 2022.
الاقتصاد الروسي في أرقام
تحتل روسيا المركز الحادي عشر عالميًا في قائمة الناتج المحلي الإجمالي برقم 2.3 تريليون دولار أمريكي، ما يعني أن حصة الفرد من الناتج هي أكثر بقليل من 15 ألف دولار سنويًا.
ووفق توقعات صندوق النقد الدولي، في يونيو الماضي، فالاقتصاد الروسي بخير، بل ويشهد نموًا بنسبة 3.2% هذا العام. وهذه النسبة تفوق مثيلاتها في الاقتصادات المتقدمة في العالم، ومنها الولايات المتحدة (2.7%)، وبريطانيا (0.5%)، وألمانيا (0.2%)، وفرنسا (0.7%). وبالتالي، لم تفلح العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو في إحداث التأثير المطلوب.
وانخفض الدين الخارجي الروسي من 729 مليار دولار في نهاية عام 2013 إلى 303 مليارات دولار فقط في نهاية مارس 2024، وبلغ الدين العام 299 مليار دولار أي 14% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، فيما ارتفع التضخم ليبلغ 9.1%، ما اضطر المصرف المركزي لإبقاء معدّل الفائدة عند 19% سعيًا للجمه.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2049078