تفتقر أوكرانيا إلى خطة واضحة لتمويل ميزانيتها بعد عام 2025 حتى لو انتهت الحرب في الصيف المقبل، ستظل نفقات الجيش مرتفعة لفترة، ما يجعل الدول الأوروبية مطالبة بتغطية العجز.
ومع ذلك، لا يبدو أن النخب السياسية في أوروبا استوعبت بالكامل التكلفة السياسية لهذه الالتزامات، بغض النظر عن مدة استمرار الحرب، وفق ما نقل تحليل نشرته تحليل لمجلة ريسبنسبول ستيت كرافت الأمريكية في 26 مارس 2025.
هدنة تلوح في الأفق
في ظل المفاوضات المكثفة التي ترعاها الولايات المتحدة في السعودية، والتي تشمل وفودًا أوكرانية وروسية منفصلة، تتزايد الآمال بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستتمكن أخيرًا من وضع حد للصراع.
لكن حتى لو انتهت الحرب فورًا، فمن غير الواقعي الافتراض أن أوكرانيا ستتمكن من خفض إنفاقها العسكري إلى مستويات ما قبل الحرب.
التكاليف العسكرية وفجوة مالية هائلة
تضاعف حجم الجيش الأوكراني ثلاث مرات منذ بداية الحرب، ليصل إلى قرابة 900 ألف جندي وجندية، دون احتساب الخسائر الدائمة من القتلى والمصابين.
تقديرات عدد الضحايا متباينة، لكنها تتحدث عن مئات الآلاف، مع تعويضات تُدفع للجرحى وأسر القتلى.
وتصاعدت نفقات الدفاع الأوكرانية عشرة أضعاف مقارنة بميزانية 2021، التي كانت تركز في الأساس على الرعاية الاجتماعية. هذا التوسع الهائل في الإنفاق العسكري أدى إلى فجوة مالية لا يمكن سدها من خلال الضرائب أو التبرعات الغربية على المدى الطويل دون تداعيات سياسية خطيرة.
عجز الموازنة
منذ عام 2022، بلغ متوسط العجز في الميزانية الأوكرانية أكثر من 22% من الناتج المحلي الإجمالي، ووفقًا لأسعار الصرف الحالية، سيصل العجز المالي في عام 2025 إلى نحو 41.5 مليار دولار، حتى بافتراض انخفاض طفيف في الإنفاق الدفاعي هذا العام، وإذا استمرت الحرب حتى نهاية 2025، فستضطر أوكرانيا إلى مراجعة ميزانيتها مرة أخرى، تمامًا كما فعلت في 2024.
تكاد الإيرادات المحلية من الضرائب والجمارك حاليًا، تغطي فقط نفقات الدفاع، التي استحوذت على 64% من إجمالي الإنفاق الحكومي في 2024؛ فعلى مدار الحرب، زادت الإيرادات الضريبية بأكثر من 100%، بينما ارتفعت ضرائب الدخل الشخصي بأكثر من 200%، في بلد يعيش فيه 50% من السكان على مستوى الكفاف، وفقًا لمركز ويلسون.
الاعتماد المتزايد على القروض الغربية
مع تعذر وصول أوكرانيا إلى أسواق التمويل العالمية (بسبب ظروف الحرب)، اعتمدت البلاد على المساعدات والقروض الغربية لسد العجز، وفي بداية الحرب، جاءت المساعدات الغربية في صورة منح مالية مباشرة لدعم الميزانية والاحتياجات العسكرية.
وقدمت الولايات المتحدة أكثر من 50 مليار دولار كمساعدات مالية مباشرة، بينما خصص الاتحاد الأوروبي 51.5 مليار دولار لدعم الميزانية بين عامي 2022 و2024، لكن منذ أوائل 2024، تحول الدعم تدريجيًا من المساعدات المجانية إلى القروض، مع تزايد شعور الحكومات الغربية بالعبء الاقتصادي والسياسي للدعم غير المحدود.
نتيجة لذلك، لجأت أوكرانيا بشكل متزايد إلى الاقتراض، ما رفع نسبة الدين العام إلى أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تضاعفت تكلفة خدمة الدين ثلاث مرات، لتصبح ثاني أكبر بند في الميزانية بعد الإنفاق العسكري.
التحديات المالية بعد 2025
بفضل قرض استثنائي بقيمة 20 مليار دولار من مجموعة السبع، تمكنت أوكرانيا من تأمين ميزانيتها لعام 2025، لكن بعد ذلك، يظل الغموض يحيط بمصادر التمويل. حتى لو انتهت الحرب غدًا، فإن كييف قد تجد نفسها في أزمة مالية خطيرة بحلول 2026 إذا افترض المانحون الغربيون خطأً أن البلاد ستعود فورًا إلى مستويات الإنفاق قبل الحرب.
لتجنب الانهيار المالي في 2026، تحتاج أوكرانيا إلى خفض إنفاقها العسكري بنسبة 80%، أي بنحو 41 مليار دولار، وفقًا لتحليل المجلة الأمريكية.
لكن القيادة الأوكرانية قد ترى ضرورة الحفاظ على جيش كبير لمواجهة التهديدات الروسية المستقبلية، ورغم تراجع الحاجة إلى الإنفاق على الذخائر والأسلحة مع انتهاء القتال، فإن الحفاظ على جيش قوي، حتى بعد تخفيض حجمه، سيظل يكلف ميزانية البلاد أعباءً ضخمة.
أوروبا تحت الضغط
لا يتوقع صندوق النقد الدولي أن تتمكن أوكرانيا من العودة إلى أسواق الإقراض الدولية قبل 2027، مما يعني أنها ستظل بحاجة إلى تمويل خارجي، لكن مع سعي إدارة ترامب إلى تقليص التزاماتها المالية تجاه كييف والتركيز بدلًا من ذلك على الاستثمارات، بما في ذلك قطاع المعادن، ستواجه أوروبا ضغطًا متزايدًا لسد الفجوة التمويلية.
وفي ظل تزايد المعارضة الداخلية في الدول الأوروبية، تبدو قدرة أوروبا على تحمل العبء المالي محل شك، وخلال الأيام الماضية، واجه الاتحاد الأوروبي صعوبة في الاتفاق على حزمة أسلحة إضافية بقيمة 5 مليارات دولار لأوكرانيا.
لذلك، فإن تخصيص 20 مليار دولار لدعم ميزانية أوكرانيا في 2026، حتى بعد وقف إطلاق النار، قد يثير جدلًا سياسيًا واسعًا، خصوصًا بين القوى القومية التي تعتقد أن الحرب كان يجب أن تنتهي في 2022.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2176665