برلين تخذل واشنطن.. لماذا توسع الشركات الألمانية استثماراتها في الصين؟

آية سيد
لماذا توسع الشركات الألمانية استثماراتها في الصين؟

يدرك المديرون التنفيذيون في جميع أنحاء ألمانيا أن هذه الاستثمارات تتعارض مع جهود الولايات المتحدة لعزل الصين اقتصاديًّا.


أفاد تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن ألمانيا توسع استثماراتها في الصين، في حين تحاول واشنطن خنق العلاقات الاقتصادية مع بكين.

وركز التقرير، الذي نشر أمس الأربعاء 12 إبريل 2023، على شركتي “فولكس فاجن” لتصنيع السيارات، و”بي أيه إس إف” للكيماويات، اللتين تُعدان محركين قويين للاقتصاد الألماني.

توسيع الاستثمارات                            

أعلنت “فولكس فاجن”، التي تمتلك أكثر من 40 مصنعًا في الصين، عن جهد جديد لتكييف موديلات سياراتها حسب رغبات العملاء الصينيين، وأنها سوف تستثمر المليارات في شراكات ومواقع إنتاج محلية، وفق نيويورك تايمز.

وفي الوقت ذاته، تمضي “بي إيه إس إف”، التي تمتلك 30 منشأة إنتاج في الصين، في خطط لإنفاق 10.9 مليار دولار على مجمع إنتاج كيماويات جديد، الذي سينافس في الحجم مجمعها الرئيس الضخم في لودفيجشافن بمساحة 10 كيلومترات مربع تقريبًا.

لماذا توسع الشركات الألمانية استثماراتها في الصين؟

فولكس فاجن تمتلك أكثر من 40 مصنعًا في الصين

عائد لا غنى عنه

حسب نيويورك تايمز، يدرك المديرون التنفيذيون في جميع أنحاء ألمانيا أن هذه الاستثمارات تتعارض مع جهود الولايات المتحدة لعزل الصين اقتصاديًّا، ولكنهم يردون بأن العائدات من الصين ضرورية حتى تزدهر شركاتهم وتنمو في أوروبا.

وفي هذا السياق، قال المدير التنفيذي لشركة “بي إيه إس إف”، مارتن برودرمولر، إن الأرباح من الصين سمحت للشركة “بتعويض خسائرها الناجمة عن ارتفاع تكاليف الطاقة والقواعد البيئية الصارمة في أوروبا”.

ويتفق المديرون في “فولكس فاجن” على أنهم يواجهون نفس المعضلة، لأن تكاليف الطاقة والعمالة المرتفعة جعلت الشركة معتمدة بشدة على المبيعات من الصين للمساعدة في تمويل العمليات في أوروبا، وفق الصحيفة الأمريكية.

إعادة ضبط العلاقات

تخضع العلاقات التجارية للتدقيق الآن في برلين، حسب نيويورك تايمز. وبناءً على طلب للمستشار الألماني، أولاف شولتز، تدرس الوزارات الألمانية مقترحًا سياسيًّا، يهدف إلى إعادة ضبط العلاقات مع الصين، أكبر شريك تجاري لألمانيا.

وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن الهدف هو تحقيق التوازن بين تنويع علاقات ألمانيا في آسيا، لتجنب الاعتماد على الواردات الصينية، والاعتراف بأهمية الاضطلاع بأعمال تجارية مع الصين.

اقرأ أيضًا| لماذا تستمر العلاقات الصينية الألمانية رغم الانتقادات؟

اعتماد زائد

تعتمد ألمانيا على الصين في توفير المنتجات التكنولوجية الأساسية، مثل الهواتف المحمولة، والمواد الخام، مثل الليثيوم والعناصر الأرضية النادرة، وهي مواد ضرورية لخطط برلين للتحول إلى الطاقة النظيفة، وفق نيويورك تايمز.

ولفتت مديرة مبادرة الجيوسياسة والاقتصاد بمعهد كيل الألماني، كاترين كامين، إلى أهمية وضع هذا الاعتماد في الاعتبار عندما تفكر ألمانيا استراتيجيًّا في تعاملاتها المستقبلية مع الصين. وقالت: “لن تستطيع ألمانيا تخفيف علاقاتها مع الصين في المدى القريب”.

اقرأ أيضًا| هل تكرر ألمانيا أخطاءها في روسيا مع الصين؟

الشراكة التجارية

كانت بكين أكبر شريك تجاري لبرلين لـ7 أعوام على التوالي، بمبيعات تجارة خارجية بلغت 328 مليار دولار العام الماضي. ولكن العجز التجاري لألمانيا مع الصين نما بنحو غير متكافئ، وتفاقم بسبب تعطل سلاسل الإمداد في أثناء جائحة كورونا. والعام الماضي، توسعت الواردات من الصين بمقدار الثلث، ونمت الصادرات 3% فقط.

وحسب نيويورك تايمز، هيمنت صناعة السيارات على العلاقات الألمانية الصينية لفترة طويلة، فيبيع مصنعو السيارات الألمان، ومنهم بي إم دبليو ومرسيدس بنز، نحو ثلث إنتاجهم من السيارات في الصين، ما يتجاوز مبيعاتهم في كل غرب أوروبا.

لماذا توسع الشركات الألمانية استثماراتها في الصين؟

يبيع مصنعو السيارات الألمان حوالي ثلث إنتاجهم من السيارات في الصين

ولكن البيانات الحديثة تُظهر أن الألمان يفقدون قبضتهم على السوق الصينية، خاصة في ظل ارتفاع شعبية السيارات الكهربائية محلية الصنع. وكذلك بدأت السيارات الكهربائية الصينية، مثل “بي واي دي” و”نيو”، دخول السوق الألمانية، ما يمثل تهديدًا على مُصنّعي السيارات الألمان في بلدهم.

تكلفة الانفصال

كشفت دراسة لمعهد كيل أن الانفصال عن الصين سيكون مكلفًا لأوروبا ككل، ولألمانيا بوجه خاص، نظرًا لقوة العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وأظهرت حسابات المعهد، المبنية على الناتج المحلي الإجمالي من 2019، أن ألمانيا قد تخسر دخلًا يساوي أكثر من 144 مليار دولار، وقد يصبح أكثر إذا ردت الصين.

وحسب نيويورك تايمز، سترغب برلين في تجنب جولة أخرى من الانتفاضة التي شهدتها بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وحرب الطاقة الناتجة عنها، التي كلفت ألمانيا إمداداتها الميسورة من الغاز الطبيعي.

وهذا سيعني مواصلة الموازنة بين المصالح الاقتصادية والمخاوف الأمنية، وفق ما قاله المستشار الاقتصادي لشولتز، يورج كوكيس، لجمع من رواد التجارة الألمان والأمريكيين. وقال كوكيس: “نحن نريد اتباع نهج إيجابي تجاه الصين، وليس نهجًا معاديًا للصين”.

اقرأ أيضًا| مع إعادة تشكيل النظام العالمي.. ما طبيعة العلاقات الأوروربية الصينية؟

ربما يعجبك أيضا