لا شك أن نهاية حكم الرئيس السوري السابق بشار الأسد في سوريا قد أضعفت موقع روسيا في الشرق الأوسط، وأثرت سلبًا على مكانتها الدولية.
وبعد فترة من التقارب مع الغرب، والتي تضمنت زيارة الأسد إلى بريطانيا عام 2002، أصبح الأسد الابن حليفًا مقربًا لموسكو كما كان والده حافظ في زمن الاتحاد السوفيتي.
موسكو تتراجع
وفق ما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، الخميس 12 ديسمبر 2024، تجد روسيا نفسها في موقف صعب بعد سقوط نظام بشار الأسد، الذي كان حليفًا رئيسًا لها في منطقة الشرق الأوسط.
وفي أعقاب هذه الخسارة، اضطرت موسكو إلى التراجع عن تصريحاتها السابقة وتقديم تنازلات لمنظمات كانت تصفها بـ”الإرهابية” منذ أيام فقط، وفي الوقت نفسه، تواصل روسيا محاولاتها للحفاظ على قواعدها العسكرية الاستراتيجية في سوريا.
حقيقة مؤلمة
في عام 2015، جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحفاظ على نظام الأسد في سوريا مشروعًا شخصيًا له، حيث تدخل عسكريًا باستخدام القوة الجوية لضمان بقاء النظام في مواجهة المتمردين، لكن سقوط الأسد شكل ضربة قوية لهذا الهدف الاستراتيجي، وأظهر الحدود الصارمة للقوة العالمية الروسية، في وقت يشن فيه بوتين حربًا في أوكرانيا.
وقد وصف المحلل الروسي ميخائيل روستوفسكي، في صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس”، الموالية للكرملين، انهيار النظام السوري بأنه “حقيقة مؤلمة ومؤسفة لا يمكن إنكارها أو التقليل من شأنها”، وهذه الانتكاسة تكشف عن فشل في تحقيق أهداف موسكو في الشرق الأوسط، وتؤكد تراجع نفوذها بالمنطقة.
ردود الأفعال
العديد من المدونين العسكريين الروس شنوا هجومًا على الأسد بسبب خسارته سوريا، في حين أشار محللون روس إلى أن انشغال بوتين بالحرب في أوكرانيا كان السبب الرئيس وراء فقدان الاهتمام بسوريا، وقال الباحث روسلان سليمانوف: “بوتين كان حريصًا على إظهار أن موسكو لم تتخل عن حلفائها، لكن سقوط الأسد أرسل رسالة معاكسة، ما يعني أنه فقد اهتمامه بسوريا بعد بداية حرب أوكرانيا”.
وهذا الفشل في التنبؤ بضعف الجيش السوري يعكس سلسلة من الإخفاقات الاستخباراتية التي تعرضت لها روسيا، بما في ذلك فشلها في التنبؤ بمقاومة أوكرانيا في 2022، أو تمرد زعيم فاجنر يفجيني بريجوجين في 2023.
تحديات تواجه موسكو
بينما يظل من المبكر الحديث عن نهاية نفوذ روسيا في المنطقة، فإن أكبر اهتمامات موسكو حاليًا تكمن في مستقبل قاعدتيها العسكريتين الاستراتيجيتين في سوريا: قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية، وقد أبرمت روسيا اتفاقًا مع جماعة “هيئة تحرير الشام (HTS) لعدم مهاجمة القاعدتين أو الدبلوماسيين الروس، لكن موسكو اعترفت بأن مستقبل القاعدتين لا يزال غير واضح.
في الوقت الذي غادرت فيه السفن الروسية قاعدة طرطوس، بقيت الطائرات الروسية في قاعدة حميميم، رغم أن موسكو تشير إلى أن إجلاء قواتها وعتادها سيتطلب مئات الطلعات الجوية الثقيلة.
روسيا تتفاوض
ليس واضحًا ما إذا كانت “هيئة تحرير الشام” ستوافق على السماح للروس بالبقاء في القواعد العسكرية السورية، خاصة في ظل التاريخ الطويل من الهجمات الروسية على المدنيين في سوريا.
بعد أيام من سقوط الأسد، توقفت روسيا عن وصف “هيئة تحرير الشام” بأنها “إرهابية”، وهو تحول يعكس الضغوط التي تواجهها موسكو في التفاوض مع القوى الجديدة في سوريا، علاوة على ذلك، لم يصدر أي بيان رسمي من “هيئة تحرير الشام” بشأن وجود القوات الروسية، ما يعكس تعقيدات الوضع وتغيير المواقف السياسية في المنطقة.
خسارة النفوذ
يبدو أن روسيا كانت غافلة عن التدهور الكبير في الجيش السوري، ما جعلها تصر على الحفاظ على الوضع الراهن، هذا الخطأ الاستراتيجي في تقييم الوضع، كما يشير المحلل الروسي روسلان بوكوف، أدى إلى استمرار موسكو في دعم نظام الأسد رغم أنه لم يكن قادرًا على تحقيق النصر.
وأكد المحلل العسكري الروسي سيرجي ماركوف أنه بعد خسارة الجيش السوري في معركة دمشق، أصبحت روسيا عاجزة عن دعمه، ونقلت وكالة “بلومبرج” الأمريكية، يوم 11 ديسمبر 2024، عن 3 أشخاص مقربين من الكرملين أن روسيا أقنعت الأسد بأن معركته ضد الجماعات المسلحة التي يقودها فرع القاعدة السابق، “هيئة تحرير الشام” (HTS)، قد انتهت.
وعرضت عليه وعلى عائلته ممرًا آمنًا للخروج إذا غادر فورًا. وبذلك انتهت حكم أسرة الأسد التي استمرت أكثر من نصف قرن بعد أن خلف بشار والده حافظ الأسد الذي حكم البلاد منذ عام 1971 حتى وفاته في 2000.
لا تعليق
لم يرد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، على الفور على طلب للتعليق، كما أن بوتين لم يدلِ بتصريحات علنية حتى الآن بشأن انهيار نظام الأسد، وقال روسلان بوخوف، رئيس مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات في موسكو، وهو مركز أبحاث في مجال الدفاع والأمن: “كان هذا الخروج الآمن للحد من الأضرار”.
وأضاف أن من “المنطقي جدًا” أن تطلب روسيا من الأسد التنحي، إذ كانت ترغب في تجنب مذبحة قد تودي بحياته بنفس الطريقة التي حدثت مع القذافي أو الرئيس العراقي صدام حسين الذي أُعدم في 2006 بعد محاكمة.
وقد طالب الرئيس الروسي بمعرفة السبب الذي لم تكتشف فيه الاستخبارات الروسية التهديد المتزايد ضد حكم الأسد حتى فوات الأوان.
ومع خوف موسكو على مصير قاعدتيها العسكريتين الاستراتيجيتين في سوريا، تحاول إظهار موقف قوي بعد أن فوجئت بسرعة الأحداث التي جرت على الأرض.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2074737