بعد مسلسل “البحث عن علا”.. هل انتشر مجتمع “الكومباوند” في الدراما العربية؟

رنا الجميعي
مسلسل البحث عن علا

أثار مسلسل "البحث عن علا" جدلًا واسعًا حول الدراما العربية والخليجية، فاعتبر البعض أنها تعرض ما وصفوه بـ"دراما الكومباوندات"، ورأى آخرون أنها أصبحت أكثر جرأة وواقعية.


شبكة نتفليكس أطلقت مسلسل “البحث عن علا”، الذي يعد الجُزء الثاني من مسلسل “عايزة أتجوز”، الذي عُرض عام 2010، المُقتبس عن كتاب “عايزة أتجوز” للكاتبة غادة عبدالعال، وحظي المسلسل بجماهيرية كبيرة، وقوبل الجُزء الثاني بانتقادات تخص الرفاهية المصاحبة لنمط حياة شخصيات المسلسل وعلى رأسهم علا، وتعرضت الدراما خاصة المصرية لانتقادات مشابهة،  والتُهمة أنها دراما الـ”كومباوند”.

مظاهر التغيير منطقية وواقعية

الاختلاف واضح بين الجزء الأول والثاني، ويرى الناقد الفني مازن فوزي أن الجزأين “اختلفا في شكل الأزياء، ومستوى المعيشة، والطبقة الاجتماعية”، وأن مظاهر التغيير منطقية وواقعية، مشير ًا إلى أن الاختلاف “طبيعي يكون فيه ارتقاء اجتماعي”، لأن أي شخص مُنتمٍ لطبقة ما سيطمح للانتماء إلى طبقة أعلى خلال الـ12 عامًا، وهي الفترة الزمنية التي اختلفت فيها شخصية علا عبدالصبور.

الناقد الفني طارق الشناوي تبنى الرؤية ذاتها، موضحًا أن المجتمع المصري خلال السنوات الماضية تعرض لكثير من التغيرات من بينها ظهور المجمعات السكنية المغلقة “الكومباوندات”، وأنه من المنطقي رصد الدراما للمجتمعات المبنية على ثقافة “الكومباوند”.

مجتمع “الكومباوند” ليس خياليًّا

الشناوي قال لـ”شبكة رؤية” الإخبارية: “المجمعات السكنية المغلقة لم تعد خيالية أو بعيدة عن المواطن المصري، فالكثير من الناس يعيشون فيها، وتوجد مستويات من الكومباوندات مختلفة وليست جميعها مرفهة”، موضحًا أن أحد أسباب الاعتماد القوي على تلك الطبقة تحديدًا بسبب استسهال صناع الأعمال وخضوعهم لنمط شكلي معين لا يستطيعون التخلص منه، إضافة  إلى وجود حالة انعزال بين السيناريست وواقع المجتمع من حوله.

وأشار الناقد الفني مازن فوزي إلى توجه كثير من المسلسلات المصرية إلى تصوير مجتمعات “الكومباوند” دون غيرها، ما أدى إلى عدم وجود تنوع في الدراما المصرية، مكملًا: “يمكن الموجة دي بدأت مع مسلسل حكاية حياة في 2013”.

نجيب محفوظ ويوسف إدريس على “المقهى”

الكاتب الصحفي أحمد الليثي، أوضح لـ”رؤية”، أن الكتاب السابقين مثل “نجيب محفوظ ويوسف إدريس ووحيد حامد.. وغيرهم” لم يكونوا بمعزل عن الناس، وأن محفوظ كان يجلس على مقهى وسط الناس، وآخرون مثل يوسف إدريس ووحيد حامد من رواد نادي القصة، مكملًا “لو حد سأل عن الكاتب الفلاني هتلاقيه مثلًا في روز اليوسف، وبالتالي المُبدعون في السابق كانوا مُلتحمين بالمواطنين، ومن هُنا خرجت أعمال حقيقية في السينما والفن”.

وحيد حامد

وأشار الليثي إلى أن “سينما عاطف الطيب خالدة إلى الآن”، لعرضها قضايا حقيقية تمسّ الناس، مثل قضية الانفتاح التي حكيت من خلال “سواق الأوتوبيس”، الذي عبّر من خلاله عن وجود حالة انحطاط أخلاقي في المجتمع، منوهًا بأن تردي الأعمال الفنية حاليًا بسبب انعزال المبدع عن المواطن، فضلًا عن واقع شبكات التواصل الاجتماعي “المزيف”.

الكتابة عن المجتمع تحتاج إلى وعي

نفي الليثي وجوب انتماء المُبدع لطبقة اجتماعية معينة حتى يستطيع التعبير عنها، مستشهدًا بأن الكاتب الراحل وحيد حامد كان يعيش في فندق الماريوت، رغم أعماله التي تهتم بالفقراء وقضايا المجتمع، لافتًا إلى أنه لا يشترط احتكاك المُبدع بقضايا مجتمعه، سواء كان كاتب سيناريو أو ممثلًا أو مخرجًا للتعبير عنها، وأن المُبدع الحقيقي لديه خلفية ثقافية ثابتة تُمكّنه من تقديم أعمال حقيقية.

صورة 2 2

ووصفت الناقدة الفنية ماجدة موريس الأمر بالـ”منطقي”، موضحة أن مستوى حياة الرفاهية الشديد طبيعي ألا يمسّ الملايين من الناس، بعد وصول عدد سكان مصر إلى 102 مليون، مستهجنةً الدراما التي تغلب عليها مستويات الرفاهية، متابعةً: “حتى الإعلانات في رمضان مثلًا بتكون عن الكومباوندات، وده اللي حصل السنة اللي فاتت في نفس الوقت اللي الناس فيه في الواقع بتموت من الكورونا”.

هل نتفليكس وراء تغيير الشكل الدرامي مؤخرًا؟

موريس أضافت أن المشكلة عند صناع الدراما “وبالتالي ميزعلوش لو الناس ما تأثرتش بالأعمال دي، لأنها مش شبههم”، وهي مسئولية مشتركة بين المنتج والمخرج المسئولين عن تحديد الطبقة التي يستهدفها العمل، معتقدة أن شبكة نتفليكس ليست السبب وراء تحديد الشكل الاجتماعي لمسلسل “البحث عن علا”، وأن نتفليكس توافق على العمل المكتوب أو ترفضه ولا تجدد أي شيء قبل كتابته.

عناصر الإشكالية تصبّ أيضًا عند أستاذة علم الاجتماع سامية خضر، والتي بينت لـ”رؤية” أن دراما “الكومباوندات” تُظهر فئة محددة بمشكلاتها التي لا تُشبه الغالبية العظمى من المجتمع المصري، وأنها تخشى على الهوية المصرية من التمزق، مشيرة إلى أن هذه النوعية من الدراما أحدثت تداخلًا وخروجًا عن المألوف من القيم والآداب المصرية، وأن تركيز صناع الدراما على مجتمع الكومباوند سببه العولمة لتركيزهم على ما يشبه المجتمعات الأجنبية.

أين ذهبت جميلة بوحريد؟

أستاذة علم الاجتماع، ترى أن دراما مجتمعات “الكومباوند” تفرض قضايا معينة، منها “الخيانة بين الأزواج، والعنف، والجريمة”، وأنه لا يوجد تنوع في الدراما المقدمة، مردفةً: “مبقيناش نشوف مسلسلات الحارة المصرية ولا الجيران بتتكلم مع بعضها، وأيضًا دراما القضايا الوطنية التي تُهذب الشخصية المصرية، مثل فيلم جميلة بوحريد، الذي يذكرني أن مدرستي في المرحلة الإعدادية شجعتني على الذهاب  إلى السينما لمشاهدة الفيلم الذي يحكي دفاع الفتاة الجزائرية عن وطنها ليترسخ بداخلي معنى أرضي هي عرضي”.

فيلم جميلة بوحريد

وشددت على أن سيطرة مجتمع الكومباوند على الدراما المصرية له تأثير سيئ على المشاهدين، وتجعلهم يشعرون أن “البلد مش بتاعتهم”، منتقدة اختفاء المخرجين الكبار من الساحة الفنية مثل إنعام محمد علي التي قدمت أعمالًا درامية، مثل “أم كلثوم” و”ضمير أبلة حكمت”، ومحمد فاضل الذي قدّم مسلسلات مثل “أبوالعلا البشري”، بسبب تغير شروط العمل الإبداعية في السنوات الأخيرة، وأنه “لا يوجد فهم حقيقي حاليًا لشروط الإبداع، والممثل النجم أصبح أهم من القصة، والكاتب مبقاش ياخد سنة عشان يكتب عمل حقيقي”.

الدراما العربية “متنوعة”

الأمر يختلف بالنسبة للدراما العربية غير المصرية، فترى الناقدة الفنية ماجدة موريس أن عدد سكان دول الخليج لا يزيد عن 4 ملايين، وأن الحالة الاجتماعية للغالبية العظمى تنتمي لطبقة الأغنياء، و”بالتالي الدراما عندهم معبرة عنهم أكتر من عندنا”، منوهة بأن السينما الخاصة بالعراق والشام  مُعبّرة عن الأوضاع الصعبة التي يتعرضون لها، وعن حالة الانقسام والمخاطر التي يواجهونها.

وأضاف الشناوي أن الدراما في المغرب العربي والخليج مُتقدّمة لمناقشتهم قضايا جريئة لم يكن متاحًا مناقشتها في السابق، منها “حرية الفتيات”، التي عبر عنها الفيلم السعودي “بلوغ”، وقبله فيلم “وجدة”، وفي الدراما الأردنية في مسلسل فتيات  مدرسة الروابي، لافتًا إلى أن الأعمال السعودية أصبحت تظهر الشخصية المنحرفة حاليًا عكس السابق.

ربما يعجبك أيضا