بعد وقف المساعدات الأمريكية.. عقبات جديدة تواجه الصومال

بسام عباس
USAID

تواجه الصومال عقبات جديدة بعد وقف مساعدات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بملايين الدولارات، في خطوة أثارت المخاوف في جميع أنحاء العالم، حيث اتخذت الولايات المتحدة قرارًا بتعليق جميع المساعدات الإنسانية التي تقدمها عبر الوكالة، بما في ذلك حزمة مساعدات بقيمة 125.5 مليون دولار للصومال.

وأدى هذا التحول في السياسة الأمريكية، الذي يتماشى مع أجندة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “أمريكا أولًا”، إلى وضع الدولة الواقعة في شرق إفريقيا في وضع محفوف بالمخاطر، حيث تكافح مع قضايا طويلة الأمد مثل تغيّر المناخ والمجاعة والصراع.

مأزق إنساني

أوضحت صحيفة “هيران” الصومالية، في تقرير نشرته الخميس 6 مارس 2025، أن تعليق عمليات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وخاصة وقف حزمة المساعدات البالغ قيمتها 125.5 مليون دولار من أكتوبر 2024 إلى يناير 2025، يمثل ضربة قاصمة لجهود الحكومة الصومالية لمعالجة الأزمة الإنسانية المروعة في البلاد.

وأضافت أن الوكالة الأمريكية للتنمية حجر الزاوية في تنمية الصومال على مدى عقود من الزمان، والذي يدعم القطاعات الرئيسة مثل الصحة والتعليم والبنية الأساسية، بالإضافة إلى تقديم الإغاثة الطارئة خلال فترات الجفاف والمجاعة، من دون هذا التمويل الحاسم، تجد الحكومة الصومالية وشركائها في المجال الإنساني في مأزق لإيجاد مصادر تمويل بديلة لسد الفجوة.

وأشارت إلى أن هذه المساعدات كانت جزءًا من التزام أوسع نطاقًا من جانب الولايات المتحدة بدعم الفئات السكانية الضعيفة في الصومال، بما في ذلك النازحين داخليًا والأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والمتضررين من الصراع المستمر، لافتةً إلى أن غياب هذه الموارد يعيق قدرة الصومال على تلبية الاحتياجات العاجلة، ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار، ما يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني.

سياق التعليق

ينبع قرار تعليق تمويل (USAID) من مزاعم بالفساد وسوء الإدارة داخل الوكالة، حيث وصفت إدارة الرئيس ترامب الوكالة الأمريكية بأنها مؤسسة متأثرة بـ”المتطرفين اليساريين”، ما أثار انتقادات حادة من الجهات الفاعلة المحلية والدولية، وتعكس هذه الخطوة اتجاهًا أوسع في السياسة الخارجية لإدارة ترامب، والتي تسعى إلى مواءمة المساعدات الخارجية الأمريكية بشكل أوثق مع مصالح الأمن القومي.

وأغلقت إدارة ترامب مقر الوكالة في واشنطن، ما أدى إلى تسريح نحو 10 آلاف موظف، وأثر جزء كبير من عمليات التسريح هذه على الأدوار القائمة على المستوى الدولي، ما أدى إلى تعطيل العمليات في المنطقة الأكثر اعتمادًا على المساعدات الأمريكية، وعُيِّنَ وزير الخارجية، ماركو روبيو، مشرفًا مؤقتًا على الوكالة خلال فترة التعليق.

نقاط ضعف

عانت الصومال من إحدى أصعب الأزمات الإنسانية في العالم، فالبلاد تعاني من مزيج من الجفاف الشديد والصراع المستمر مع حركة الشباب والفقر المنتشر، وتفاقم الوضع بسبب تغير المناخ، مع موجات الجفاف المتكررة والشدة التي دمرت المحاصيل والثروة الحيوانية، وهذه الكوارث الطبيعية دفعت ملايين الصوماليين إلى حافة المجاعة.

ويهدد تعليق تمويل وكالة (USAID) بإلغاء سنوات من التقدم في تخفيف هذه المعاناة، فيما أعربت الحكومة الصومالية عن قلقها البالغ بشأن العواقب المحتملة لوقف المساعدات، ودقت منظمات الإغاثة المحلية ناقوس الخطر، فالكثير منها يخشى أن يؤدي تعليق التمويل إلى المزيد من عدم الاستقرار، وبدون هذه الموارد، ستواجه العديد من المجتمعات الضعيفة صعوبات أكبر.

ردود فعل المجتمع الدولي

دعت الجماعات الإنسانية والحكومات الأجنبية الولايات المتحدة إلى التراجع عن قرارها، محذرة من أن تعليق المساعدات لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع المتدهور بالفعل في الصومال، ويخشى الكثيرون أن يشكل القرار سابقة خطيرة لسياسة المساعدات الخارجية الأمريكية في المستقبل، وخاصة في المناطق التي تعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي للتنمية والإغاثة من الكوارث.

ووصف كين جاكسون، أحد كبار المسؤولين في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، هذا القرار بأنه “توقف كامل”، ما يشير إلى أن العمليات في الصومال وغيرها من الدول ستتأثر بشدة، فيما وضع نحو 60 من مسؤولي الوكالة في إجازة إدارية بعد تحديهم لقرار الإدارة، ما يسلط الضوء على المقاومة الداخلية للقرار والتداعيات الأوسع نطاقًا داخل الوكالة.

دعوة للتغيير

مع مواجهة الصومال لهذه التحديات الجديدة، تتزايد الدعوات إلى التراجع عن تعليق الوكالة الأمريكية، وتؤكد المنظمات الإنسانية أنه في غياب تدفق ثابت من المساعدات الخارجية، ستعاني الصومال في مواجهة التحديات العديدة التي تواجهها، ويتعيّن على المانحين الدوليين أن يكثفوا جهودهم لمنع المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.

وفي حين تعطي سياسة “أمريكا أولًا” التي تنتهجها إدارة ترامب الأولوية للأمن القومي على المساعدات الخارجية، يزعم المنتقدون أن هذا النهج يفشل في إدراك الفوائد الطويلة الأجل المترتبة على الاستقرار العالمي، فالاستثمار في المساعدات الإنسانية لا يساعد فقط في منع انتشار الصراعات والأمراض، بل يعزز أيضًا الاستقرار في المناطق الهشة.

وبينما تبحث الحكومة الصومالية وشركاؤها في المجال الإنساني عن مصادر تمويل بديلة، يظل مصير ملايين الصوماليين المعرضين للخطر على المحك، ويظل هذا الوضع بمثابة تذكير صارخ بالطبيعة الهشة لأنظمة المساعدات العالمية والعواقب البعيدة المدى للتحولات السياسية التي تعطي الأولوية للأجندات السياسية على الاحتياجات الإنسانية.

ربما يعجبك أيضا