بفعل كورونا.. الاقتصاد الياباني في ورطة

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

مطلع العام الجاري أظهرت اليابان علامات على التعافي من تداعيات جائحة كورونا اقتصاديا، حيث ارتفع الاستهلاك المحلي وانتعشت حركة الصادرات، إلا أن الأمر لم يدم طويلا، فبحسب أحدث بيانات صادرة عن الحكومة اليابانية انكمش ثالث أكبر اقتصاد في العالم خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة تتجاوز الـ5%، وذلك بفعل عودة معدل الإصابة بفيروس كورونا للتصاعد سواء داخل اليابان أو شركائها التجاريين، ما ضغط على مؤشرات الاقتصاد.

ركود اقتصادي يعمق أزمة الديون

وبحسب بيانات مكتب مجلس الوزراء الياباني الصادرة منتصف الشهر الجاري، خلال الفترة من يناير إلى مارس الماضي انخفض الناتج المحلي الإجمالي بـ1.3%، ما يزيد قليلا عن تقديرات الاقتصاديين لانكماش بـ1.2%، فيما تراجع الاستهلاك الخاص -الذي يشكل أكثر من نصف حجم اقتصاد الدولة- بواقع 1.4%.

كانت اليابان من أكثر الدول التي تضررت بشدة من الجائحة، ففي الربع الأخير من 2020 وبينما تمكنت اقتصادات أخرى من تسجيل مؤشرات ولو بسيطة على التعافي، سجل الاقتصاد الياباني انكماشا بنسبة 8.2% -وهو أكبر انكماش منذ العام 1955- وإجمالا انكمش الاقتصاد بـ4.8% خلال العام الماضي، ليسجل أول انكماش سنوي منذ ذروة الأزمة المالية العالمية.

عندما ضرب الوباء العالم في فبراير 2020، بدأت الأمور تتجه للأسواء في اليابان، ومع إعلان حالة الطوارئ في اليابان بعدها بشهرين فقط، طلبت الحكومة من المواطنين البقاء في المنازل، وأمام رياح الجائحة وللحفاظ على زخم الاقتصاد كان من الضروري أن تتدخل الحكومة، فقدمت إعانات كبيرة للعمال والشركات وقطاع الخدمات، وحتى اللحظة أنفقت اليابان ما يعادل 10٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على خطط التحفيز المالي منذ بداية الوباء، حيث قدمت الحكومة ثلاث حزم تحفيز تبلغ قيمتها الإجمالية 286 تريليون ين “2.6 تريليون دولار أمريكي”.

 لتمويل هذه الخطط لم يكن أمام الحكومة في طوكيو مفر من زيادة سقف الدين العام، وبحسب بيان صدر في 30 مايو الجاري عن وزارة المالية، ارتفع الدين العام بمقدار 101.92 تريليون ين “940 مليار دولار” في السنة المالية 2020 التي انتهت في مارس الماضي إلى مستوى قياسي بلغ 1216.46 تريليون ين، وذلك في أكبر زيادة سنوية على الإطلاق، رفعت حصة الفرد من الدين العام إلى 9.70 مليون ين بناء على عدد السكان 125.41 مليون.

وحاليا يبلغ حجم ديون اليابان ضعف حجم الناتج المحلي الإجمالي، وتتألف هذه الديون من 1074.16 تريليون ين على شكل سندات و52 تريليون ين قروض من مؤسسات مالية و90.30 تريليون ين سندات تمويل أو سندات قصيرة الأجل تصل إلى عام واحد.

أزمة الديون تعود إلى ما قبل الجائحة ولكن

 منذ أبريل 2020، اضطرت الحكومة اليابانية إلى الانخراط في تدابير مالية عدة استجابة لتداعيات الجائحة، فتوسعت في الميزانيات الإضافية، لتبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 73 تريليون ين للسنة المالية 2020، كما توسعت في إصدار سندات الدين الحكومية حتى مارس الماضي بقيمة إجمالية بلغت 112.55 تريليون ين، وهذه العوامل أدت إلى ارتفاع سقف الدين العام، أضف إلى ذلك انكماش الناتج المحلي بأكثر من 29% وانهيار حركة الصادرات وتعليق الأعمال.. إلى هنا لا فرق بين اليابان وغيرها.

لكن الأرقام تشير إلى أن أزمة الديون متفاقمة في اليابان قبل الجائحة، ففي العام 2019 كانت اليابان على رأس الدول الأكثر مديونية في العالم، حيث كان حجم الدين يشكل نحو 237.6% من الناتج المحلي، ونتيجة لتزايد أعداد المسنين وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية والمعاشات تعمقت أزمة الديون.

وعملت اليابان منذ سنوات على زيادة حجم الديون ليس فقط من خلال الأدوات المعروفة والآمنة، بل توسعت في طباعة الين بدون غطاء، لكن نظرا لامتلاكها اقتصاد قوي ومتطور ينافس أكبر اقتصادات العالم على الصدارة، فما زالت بعيدة عن سيناريو الإفلاس والأهم أنها تتمتع بثقة الأسواق الخارجية.

الوباء يهدد التعافي

منذ يومين، خفضت الحكومة اليابانية تقييمها للاقتصاد للمرة الأولى منذ ثلاثة أشهر، بعد أن اضطرت إلى تمديد حالة الطوارئ للمرة الثالثة منذ بداية الوباء، بفعل زيادة جديدة في وتيرة الإصابات بكورونا، وقالت في تقريرها عن شهر مايو: رصدنا المزيد من نقاط الضعف في بعض قطاعات الاقتصاد وتدهورا في ظروف العمل والإنفاق الاستهلاكي.  

ونتيجة لزيادة عدد حالات كورونا الحرجة في اليابان واستمرار تسجيل إصابات يومية تتجاوز الـ1800 حالة، يتوقع بعض الخبراء أن تقدم الحكومة على تمديد “الطوارئ” حتى نهاية يونيو ومن ثم تبدأ في إعادة فتح البلاد تدريجا استعدادا لاستضافة الأولمبياد خلال الفترة ما بين 23 يوليو إلى 8 أغسطس لكن هذا التمديد قد يزيد من خطر الدخول في دائرة الكساد الاقتصادي ويهدد نتائج الربع الثاني بالانكماش.

تتوقع “بلومبرج” في حال نجحت اليابان في تنظيم الألعاب الأولمبية في موعدها وعدم اللجوء إلى التأجيل كما حدث العام الماضي، فستسجل نموا بـ3%، أما في حالة الإلغاء فقد يشهد اقتصادها انخفاضا بنحو 1.7%.

على بعد شهرين من الأولمبياد تكافح اليابان لتسريع وتيرة التطعيم ضد كورونا، وإن كانت نجحت في الحد من انتشار الفيروس وتسجيل معدلات وفاة عند 12926 حالة أي ما يعادل 0.89 حالة وفاة لكل مليون شخص، مقارنة مع ذروة المملكة المتحدة البالغة 18.5 لكل مليون، و 10.3 لكل مليون في الولايات المتحدة، إلا أنها تظهر بطئا في توزيع اللقاحات حيث تم تلقيح 6.4٪ فقط من سكانها بالجرعة الأولى على الأقل، الأمر الذي يحتاج تدخل حكومي عاجل، وهنا تجدر الإشارة إلى أن اليابان لم تعتمد سوى لقاح فايزر فقط وهذا بالطبع يؤثر على وتيرة الحملة الوطنية للتطعيم.

يمكن القول إن بطء وتيرة توزيع لقاحات كورونا واستمرار حالة الطوارئ وقيود الإغلاق، إضافة إلى عدم اليقين بشأن الألعاب الأولمبية جميعها عوامل تحد من قدرة الاقتصادي الياباني على التعافي وتدفعه نحو دائرة الركود، والأهم أن عدم اليقين بشأن تطورات كورونا أيضا يجعل كل التوقعات في مهب رياح التغير في أية لحظة، يقول أكاني ياماغوتشي الخبير الاقتصادي في معهد دايوا للأبحاث –في تصريح لـ”نيويورك تايمز”- إن التهديد المباشر الأكبر لنمو الاقتصاد الياباني قد يكون انفجارًا في حالات الإصابة بكورونا في البلدان الأخرى، وليس شرطا داخل اليابان، فالانتعاش يعتمد على الاقتصادات الخارجية بصورة أكبر، وفي حال قررت أوروبا والولايات المتحدة -على سبيل المثال- مضاعفة قيود الإغلاق، فهذا لا شك ستكون له أصداء سلبية في اليابان.

ربما يعجبك أيضا