بين أرمينيا وأذربيجان.. حرب يديرها أردوغان بالوكالة

كتب – حسام عيد

دخل القتال، الذي اندلع بين القوات الأذربيجانية والأرمينية بسبب إقليم ناغورني قره باغ، يومه الرابع في أكبر مواجهة في الصراع المستمر منذ عقود منذ توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار عام 1994.

وبدأت المعارك بين الطرفين منذ الأحد الماضي، وأوقعت نحو 100 قتيل على الأقل، بعضهم من المدنيين.

وقد دخلت تركيا على مسار النزاع عبر خطاب استفزازي لرئيسها رجب طيب أردوغان، وإفصاحه صراحة عن مساندة الجانب الأذري، وسرعان ما تحول إلى دعم لوجستي، بالأسلحة والعتاد، وكذلك نقل المرتزقة من سوريا وليبيا إلى أذربيجان، بحسب تقارير عالمية.

إقليم ناغورني قري باغ

ناغورني قره باغ منطقة إقليم يقع داخل أذربيجان، غير أنها تتمتع بحكم ذاتي تديره العرقية الأرمينية وتدعمها أرمينيا، وقد انفصلت عن أذربيجان في حرب في التسعينيات، لكن لا تعترف أي دولة بأنها جمهورية مستقلة، حتى أرمينيا نفسها.

ويعود تاريخ النزاع إلى العام 1805، حينما كانت هذه المنطقة جزءا لا يتجزأ من روسيا، وتعني كلمة “ناغورني” بالروسية مرتفعات، أما كلمة “قره باغ” فتعني الحديقة السوداء.

وخلال السنوات التي كان الإقليم خاضعًا فيها لسلطة الاتحاد السوفيتي القديم، حدثت تغييرات في التركيبة السكانية لكن ظلت الأغلبية للأرمن.

وتحول إلى محور الصراعات بين أرمينيا وأذربيجان منذ أن حُل الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وظل الإقليم يمثل مشكلة حيث استقل ذاتيا دون اعتراف دولي.

وفي بدايات العام 1992، أعلن الانفصاليون في الإقليم الاستقلال عن أذربيجان وتم إجراء استفتاء بالفعل انتهى بإعلان الاستقلال إلا أنه لم يلق الاعتراف الدولي، ما أدى لتدخل عسكري من أذربيجان لإخضاع الإقليم لسلطتها وولايتها، وقابلته أرمينيا بالتدخل لمساندة السكان الأرمن.

وفى مايو 1994، قبلت جميع الأطراف الاتفاق على هدنة عرفت باسم هدنة منسك بعد مفاوضات في عاصمة بيلاروسيا بمشاركة أمريكا وفرنسا وروسيا.

وظل إقليم ناغورني قره باغ، حتى اليوم، منطقة انفصالية تتمتع بالحكم الذاتي تعيش فيها أغلبية أرمينية ترفض سلطة أذربيجان.

نزاعات متجددة ودامية

– شهدت المنطقة بسبب إقليم قره باغ نزاعات وتوترات وحروبا بين أذربيجان وأرمينيا، وعلى الرغم من توقيع البلدين إعلانًا يدعو إلى تسوية سلمية للنزاع في نوفمبر 2008، إلا أن المعارك تواصلت حيث شهد عاما 2014 و2016 اشتباكات وصدامات عسكرية.

وفي يوم الأحد 27 سبتمبر 2020، اندلع الصدام العسكري والدامي الجاري بين البلدين، مع تهديدات متواصلة من جانب أذربيجان باستهداف محطة أرمينيا للطاقة الذرية، ويوصف ذلك الصدام بأعنف جولات الصراع منذ أكثر من ربع قرن.

وتصاعدت حدة الاشتباكات في إقليم ناغورني قره باغ بين الجيشين الأرميني والأذري، مع شن هجمات متبادلة للسيطرة على مدن فوزولي، وجبرائيل، وترتر.

وقد أفادت تقارير بمقتل العشرات وإصابة المئات منذ اندلاع الاشتباكات بين قوات أذربيجان وأرمينيا في أسوأ قتال بالمنطقة منذ التسعينيات.

فيما دعت روسيا جميع شركائها خصوصا تركيا، إلى بذل قصارى جهدها لإقناع الأطراف المتحاربة في ناغورني قره باغ بوقف إطلاق النار والعودة إلى تسوية سلمية بالوسائل السياسية والدبلوماسية.

وطالب مجلس الأمن الدولي، في جلسة طارئة عقدت يوم 29 سبتمبر، بوقف فوري للمعارك المحتدمة والمتواصلة في إقليم ناغورني قره باغ.

أردوغان وتدخل النفوذ المطامع

ما زاد من حدة النزاع الحدودي بين أذربيجان وأرمينيا، هو دخول تركيا، على مسار الخلاف المحتدم والدامي في الوقت الراهن، فبمجرد اندلاع المواجهات العسكرية بين أرمينيا وأذربيجان، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن تركيا ليست ضيفاً على البحر المتوسط ولها أطول ساحل فيه.

وتحاول تركيا اليوم استثمار النزاع المسلح بين أرمينيا وأذربيجان لتنفيذ مخطط وحلم قديم لها بالتواجد الفعال في الإقليم المتنازع عليه.

ويعود تدخل تركيا ودعمها لأذربيجان لسببين؛ الأول هو نكاية في أرمينيا التي ما زالت تؤرق تركيا بقضية الإبادة الشهيرة للأرمن، والثاني أن تركيا تراودها من جديد أحلام العودة للإمبراطورية العثمانية، وتريد السيطرة على الإقليم ليكون امتدادا لها نحو الصين ويصبح لها تواجد في أكثر مناطق العالم من حيث الأهمية الاستراتيجية لكونها مناطق نقل الغاز والنفط العالمية.

موقف أردوغان وتصريحاته تشير إلى أنه يدير حربًا بالوكالة لصالح أذربيجان ضد أرمينيا من جهة، ولصالح مد نفوذه والهروب بمطامعه إلى الأمام في المنطقة من جهة أخرى، وهذا ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إبداء بالغ قلقه إزاء المواقف التي طرحتها تركيا على خلفية تجدد القتال في منطقة ناغورني قره باغ المتنازع عليها بين أرمينيا وأذربيجان.

وحذر ماكرون، من أن “الخطاب الحربي” الذي تعتمده أنقرة يشجع أذربيجان على مواصلة القتال، بهدف استعادة السيطرة على ناغورني قره باغ، ناعتا التصريحات التركية بأنها “متهورة وخطيرة”.

دعم لوجستي تركي ونقل مرتزقة

وتعمل تركيا على إمداد أذربيجان بالسلاح والمرتزقة السوريين، إضافة لإرسال خبراء عسكريين أتراكًا يشاركون في القتال مع أذربيجان، كما أن أنقرة تدعم أذربيجان بطائرات مسيرة ومقاتلات حربية من طراز إف-16، حسبما أفادت وزارة الخارجية الأرمينية.

وقد كشف تقرير لوكالة أنباء “رويترز، أنّ تركيا نقلت بين 700 لـ1000 مقاتل سوري إلى أذربيجان مقابل 1500 دولار، مشيرا إلى أنّ تركيا أرسلت مقاتلين سوريين من أحرار الشام وجيش النخبة إلى ناغورني قره باغ.

من جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد المرتزقة الواصلين لإقليم ناغورني قره باغ وصل إلى 850، لافتًا إلى وقوع 3 قتلى يوم الأربعاء 30 سبتمبر 2020.

وأكد المرصد أن عملية نقل المرتزقة إلى أذربيجان تنظم من قبل شركات أمنية تركية.

ومن جانبه، اتهم رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان تركيا بتقديم دعم عسكري لأذربيجان، داعيًا في الوقت ذاته، المجتمع الدولي إلى التنديد بما وصفه بعدوان تركيا وأذربيجان، مشيرًا إلى أن ذلك يهدد وجود الشعب الأرميني.

فيما قال وزير الخارجية الأرميني زهراب مناتساكانيان، إن تركيا ترسل “مرتزقة وإرهابيين” إلى أذربيجان من أجل القتال ضد قوات إقليم ناغورني قره باغ، ضمن المعارك المشتعلة في الإقليم منذ الأحد 27 سبتمبر 2020.

وأكد الرئيس الأرميني أرمين سركيسيان أن أنقرة تدعم باكو في هجومها على إقليم ناغورني قره باغ بطائراتها المقاتلة من طراز إف 16، من خلال أفرادها ومستشاريها ومرتزقتها.

بينما رصد “موقع فلايت رادار” الإيطالي المتخصص في متابعة حركة الطيران، هبوط طائرة ركاب مدنية ليبية في مطار العاصمة الأذربيجانية باكو قادمة من ليبيا، في رحلة غير مسبوقة وغير مجدولة.

ويتعلق الأمر بطائرة من طراز بوينج 737 تابعة لشركة “طيران البراق” الخاصّة، قامت 29 سبتمبر 2020، برحلة مباشرة من مطار معيتيقة الدولي بالعاصمة طرابلس إلى العاصمة الأذربيجانية باكو، ويعتقد أنها نقلت مرتزقة سوريين، من الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا قبل أشهر، للقتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق.

وفي وقت سابق، قال مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الوطني الليبي اللواء خالد المحجوب -بحسب “العربية.نت”- إن آلاف المرتزقة السوريين الذين دفعت بهم تركيا إلى ليبيا لدعم صفوف قوات حكومة الوفاق، بدأوا في الخروج ومغادرة البلاد بعد انتهاء دورهم ونهاية عقودهم.

وأوضح أنه تم رصد مغادرة 4 طائرات محملة بالمرتزقة السوريين خلال الساعات الماضية، مرجحا أن يكونوا في طريقهم إلى أذربيجان، حليفة تركيا، للزجّ بهم كمقاتلين ودعمها في الصراع الحدودي مع أرمينيا.
 

ربما يعجبك أيضا