تآكل الحاضنة الشعبية.. حماس وحزب الله أمام اختبار صعب

محمد النحاس
حزب الله وحماس

الاستهداف العشوائي ليس وليد الصدفة، بل هو نهج متعمد، حيث ترمي إسرائيل لتقويض الحاضنة الشعبية لحزب الله وحماس، وإزجاء الغضب ضدهما، وإلقاء اللوم عليهما فيما آلت إليه الأمور.


لا شك أن حركة حماس وحزب الله قد تعرضا لخسائر كبيرة عسكريًّا، وكذلك على صعيد المكانة السياسية جرّاء العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة.

لكن، رغم ذلك، هناك خسارة أشد وطأة، ألا وهي الخسارة الاجتماعية، أي تآكل الحاضنة الشعبية للحركة الفلسطينية والحزب اللبناني في ظل التبعات الكارثية للحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل، فما هي الأطر التي تحكم هذا المشهد؟ وما مستقبل حماس وحزب الله على الصعيد الشعبي؟

الاستراتيجية الإسرائيلية

بلا ريب، كان الخاسر الأكبر في الحرب الحالية، سواءً في جبهة لبنان أو غزة،  هم المدنيين، والذين سقط منهم الآلاف بين شهيد وجريح، علاوةً على ما طالهم من التهجير والتشريد وتدمير المنازل والاعتقال التعسفي من جانب قوات الاحتلال.

هذا الاستهداف العشوائي ليس وليد الصدفة، بل هو نهج متعمد، إذ ترمي إسرائيل لتقويض الحاضنة الشعبية لحزب الله وحماس وإزجاء الغضب ضدهما، وإلقاء اللوم عليهما فيما وصلت إليه الأمور. وفي واقع الأمر، كانت الاستراتيجية الإسرائيلية فعّالة، ففي ظل ضراوة العدوان يرى الكثيرون أن حماس وحزب الله مسؤولين عن الوضع الحالي.

وفي تصريحات خاصة لشبكة رؤية الإخبارية، قال باحث الدكتوراة، في الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية بمصر، أحمد عادل عبد العال، إن الوضع بالنسبة لحركتي حماس وحزب الله سيكون سيئًا في حواضنهما الشعبية بعد وقف إطلاق النار.

تنظيمات أكثر عنفًا

لكن عبد العال، استدرك بأن ذلك قد يؤدي إلى ظهور تنظيمات أخرى من رحم هذه الحركات تكون أكثر عنفًا وتطرفًا، لا سيما في ظل الوضع الإنساني المأساوي الحالي الناجم عن الصراع.

وإجمالاً يرى الباحث أحمد عادل عبد العال أن الحواضن الشعبية للتنظيمات غير الحكومية لن تتراجع بشكل عام، بل على العكس، مرجعًا ذلك إلى أن هذه الحواضن تتكون أساسًا نتيجة عاملين رئيسيين هما هشاشة الدولة، ووجود حالة من الاضطهاد لطرف مجتمعي أو نفوذ دولة خارجية، مشيرًا إلى أن قابلية هذه الحواضن ستستمر على وتيرتها الحالية وربما تزداد خلال العقد القادم، خاصة في ظل ضعف بعض دول المنطقة، وتأثير قوى إقليمية عليها.

تراجُع شعبية حماس

كانت شعبية حماس مرتفعة بعد هجوم 7 أكتوبر (طوفان الأقصى)، إلا أنها أخذت تتراجع مع احتدام الهجوم  على غزة وفشل كل الجهود الدبلوماسية والتي ترمي إلى وقف العدوان.

وفي مايو الماضي، أجرى مركز العالم العربي للبحوث والتنمية (أوراد) الفلسطيني استطلاعًا للرأي والذي خلص إلى أن 24% فقط من سكان غزة، أي الربع، لديهم مشاعر إيجايبة تجاه دور حماس، في انخفاض بنحو 36 نقطة عن استطلاع أجراه ذات المركز في نوفمبر (أي بعد طوفان الأقصى بشهر).

بيانات متضاربة

لا يمكن الجزم بأن هذه الأرقام تشير بشكل قاطع إلى احتمالية انحسار دور الحركة في المشهد الفلسطيني ككل، ففي الضفة الغربية كانت الأرقام مختلفة تمامًا، إذ لا يزال 75% ممن شملهم الاستطلاع ينظرون إيجابيًّا لدور حماس.

علاوةً على ذلك، فإن هذه الاستطلاعات ليست قاطعة، فقد خلص استطلاع آخر، لمركز خليل الشقاقي الفلسطيني للبحوث السياسية في يونيو، إلى أن 46% من سكان غزة لا زالوا يفضلون حكم حماس عند انتهاء الحرب، ومع ذلك يرى العديد من الخبراء أنّ شعبية الحركة تراجعت على كل حال.

ورغم الانحسار في شعبيتها، لا تزال حماس ترى نفسها جزءًا لا يتجزأ من مستقبل غزة والقضية الفلسطينية، وتؤكد قدرتها على البقاء سياسيًّا وعسكريًّا وشعبيًّا، ومع ذلك، من الصعب للغاية الجزم بمستقبل حماس فالحرب لا زالت الجرية، وسيفسر المستقبل عما سيؤول إليه الأمر.

ماذا عن حزب الله؟

من جهة حزب الله، تعمد إسرائيل إلى استهداف القرى والبنى التحتية المدنية في لبنان، بما في ذلك المناطق التي اعتبرت سابقًا آمنة نسبيًا مثل الشوف وكسروان، وحتى بلدات بعيدة عن الحدود مع إسرائيل.

وكما هو الحال في غزة، فإن هذا القصف لا يهدف فقط لضرب مواقع الحزب، بل إلى إضعاف الحاضنة الشعبية له، خاصة في مناطق المهجّرين التي تستقبل أعدادًا كبيرة من السكان النازحين.

هذه الاعتداءات المتكررة أدت إلى سخط متزايد بين السكان الذين يعانون من النزوح والخسائر، مما يعزز الشعور بالإحباط والتساؤل بشأن جدوى المقاومة وعن ما إذا كان الحزب مضطرًا إلى إقحام لبنان، المأزوم سياسيًّا واقتصاديًّا في هذا الصراع.

ضربات مدوية

كما أن الضربات المدوية التي تلقاها حزب الله في سبتمبر الماضي، تركت الحاضنة والشعبية والاجتماعية للحزب في حالة من الصدمة والخوف واهتزت ثقتها في إمكانات الحزب، بدايةً من استهداف أجهزة البيجر، والاتصال اللاسلكي “ووكي تووكي”، ومرورًا باغتيال القيادة الوسطى، والعليا لحزب الله، بما في ذلك، الأمين العام حسن نصر الله.

ومرةً أخرى، فإن مستقبل حزب الله سياسيًّا وعسكريًّا بواقع الصراع مع إسرائيل، فالحزب الذي بدا فاقدًا للتوازن تمامًا في سبتمبر بعد الضربات التي تلقاها بدأ يعيد شتاته مرة أخرى، ويشن هجمات منظمة ودورية ضد إسرائيل، كما أوضحت العملية التي استهدفت قاعدة لواء جولاني، أن منظومة القيادة والسيطرة تم تفعيلها مرةً أخرى.

التحديات ليست عسكرية فقط

التحديات التي تقف أمام حزب الله لا تقتصر على الجانب العسكري، فهناك ضغوط متزايدة لتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701، والذي يدعو لنزع سلاح كافة الميليشيات اللبنانية، بما فيها حزب الله، واستعادة الحكومة اللبنانية سيطرتها الكاملة على أراضي لبنان.

علاوةً على ذلك، هناك رفض دولي وإقليمي متزايد لمبدأ وجود تنظيمات مسلحة خارج سيطرة الدولة الوطنية، حيث تتبنى هذه المجموعات استراتيجيات خارجية لا تقوم على أساس المصلحة الوطنية في المقام الأول، وهو أمر يمكن أن يؤجج الصراعات.

ربما يعجبك أيضا