تاريخ الملاجئ في الحروب.. طوق النجاة للمواطنين والزعماء

أماني ربيع

ما بين ما صُنع بطريقة ارتجالية وأخرى بحرفية شديدة تجعلها قادرة على صد الهجمات النووية احتضن بطن الأرض الكثير من الملاجئ التي كانت طوق نجاة للمواطنين والحكومات والزعماء.


خلال فترة الحرب الباردة كان على المواطنين والحكومات أيضًا الاختباء في باطن الأرض للحفاظ على حياتهم، بعدما عرف العالم الغارات الجوية.

ومع استخدام الطيران في الحرب العالمية الأولى عام 1914، وتحليق الطائرات فوق الرؤوس على نطاق واسع مهددة للأرواح، بدأت فكرة بناء الملاجئ التي تطورت بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، مع تطور الأسلحة الفتاكة ودخول القوة النووية للمرة الأولى ميدان الحرب.

متى بدأ استخدام ملاجئ الحرب؟

يشار إلى الهيكل العسكري شديد التحصين عمومًا باسم القبو أو الملجأ، واستخدمت عبر التاريخ لحماية شاغليها من كل التهديدات الحروب والكوارث الطبيعية والمواد الكيميائية والإشعاع، فضلًا عن استخدامها لحماية محتويات خطرة مثل مخابئ الذخيرة المصممة لمقاومة أي تفجير داخلي.

في الحرب العالمية الأولى، استخدمت القوات الألمانية مصطلح “القبو bunker” وليس “ملجأ shelter” لوصف المخابئ تحت الأرض، وأشار البريطانيون إلى نفس الهياكل بـ”الحفريات”، وكانت بدائية في تصميمها.

تحت القبو

بحلول الحرب العالمية الثانية، كان الألمان يبنون ملاجئ أكثر تعقيدًا وفعالية، وأصبحت معروفة على نطاق واسع، واستخدم قوات الحلفاء مصطلح “bunker” للمرة الأولى في إشارة إلى التحصينات والملاجئ الألمانية الصنع، ثم أصبح المصطلح شائعًا في كل مكان.

يُشار اليوم إلى معظم المباني العسكرية المحمية جيدًا بـ”bunker”، وعادة ما يكون القبو هيكلًا تحت الأرض، ويُعرف المخبأ فوق الأرض عمومًا باسم المبنى المحصن “blockhouse”، والمباني المحصنة الأصغر باسم “pillboxes”، وفقًا لموقع “وور هيستوري أونلاين“.

أبنية محصنة

ملجأ لقوات المقاومة في نورماندي بفرنسا

استُخدمت الأبنية المحصنة منذ قرون، وتضمنت فتحات لإطلاق النار وصد المهاجمين وجاءت بأشكال وأحجام مختلفة وفقًا لطبيعة البيئة المحيطة، بعضها لحماية مطلقي النار وبنادقهم وبالقرب منها غالبًا ما توجد مخابئ الذخيرة والتي كانت عادة تحت الأرض لتوفير أكبر قدر ممكن من الحماية للمتفجرات الموجودة بداخلها.

بعض المخابئ كان أماكن سكن للقوات ويمكن إغلاقه لإبعاد المهاجمين، فضلًا عن مخابئ أكثر تعقيدًا تمكن قاطنيها من الاكتفاء ذاتيًّا لفترة من الوقت، من خلال المولدات الكهربائية الخاصة ومخازن المواد الغذائية والذخيرة، بالإضافة إلى شبكات التهوية المعقدة القادرة على منع هجمات الغاز.

ملجأ الأيام الأخيرة لهتلر

wit germany bunker2 superJumbounnamed

في الحرب العالمية الثانية، أنشأ الألمان كمية هائلة من المخابئ عالية الجودة وموحَّدةً في تصميمها، وأسهم ذلك في تبسيط عمليات البناء وتوافر المواد الخام المطلوبة، ما سمح لألمانيا ببناء العديد منها بسرعة كبيرة.

5a2fc854f39462d3e39a3c5433afd1af Germany Hitler Exhibi Horo 3 1024x640 1

قضى الزعيم النازي أدولف هتلر الأيام الأخيرة قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية في ملجأ تحت الأرض بالقرب من مبنى المستشارية، تألف من ملجأين متصلين، انتهى من بنائه على مراحل خلال عامي 1936 و1944، وسكن هتلر في القبو السفلي مع شريكته إيفا براون، والعديد من الموظفين منذ يوم 16 يناير 1945.

مغامرة هتلر الأخيرة

غطت السجاجيد الفخمة أرضيات المخبأ، واصطفت الأعمال الفنية على الجدران، بما في ذلك لوحة هتلر المفضلة لفريدريك العظيم، التي كانت معلقة على الحائط فوق مكتبه في غرفته الخاصة، بحسب موقع “هيستوري“.

صباح 20 أبريل عام 1945 كان آخر يوم غامر فيه هتلر بالخروج، في عيد ميلاده الـ56، بعدما أصبح شخصية مختلفة تمامًا عن الفاتح المنتصر قبل 5 سنوات فقط، وصار مدمنًا على الأفيون الذي وصفه له طبيبه الشخصي الدكتور تيودور موريل، وكان يرتجف بوضوح من مرض باركنسون ويبدو أكبر من سنه.

ملاجئ مترو أنفاق لندن

i0000q44 قواعد السلامة في ملاجئ محطات الأنفاق

في الحربين العالميتين، وفرت شبكة مترو أنفاق لندن المأوى من أهوال الغارات الجوية التي تعرض لها المدنيون للمرة الأولى خلال الحرب العالمية الأولى، عندما استهدفتهم الطائرات الألمانية. ودفعت حداثة التهديد وما تسبب به من دمار واسع، الآلاف إلى البحث عن ملاذ في محطات المترو.

وقعت أول غارة جوية على لندن في 31 مايو 1915 ، ما دفع إلى استخدام محطات مترو الأنفاق كملاجئ، وبين يونيو 1917 ومايو 1918، واستخدمت ألمانيا الطائرات القاذفة التي هاجمت لندن 17 مرة، وتسببت في قتل 667 شخصًا وجرح 1936 آخرين.

كيف كانت الحياة في ملاجئ الأنفاق؟

service pnp ds 11600 11652v 1 إسعافات أولية في محطة نوتنج هيل عام 1943

بحلول الحرب العالمية الثانية، كان الاستخدام المكثف للطائرات القاذفة للقنابل والصورايخ ضد لندن والمدن الكبرى متوقعًا على نطاق واسع، وأحجمت السلطات عن استخدام مترو الأنفاق، لكن دفعت ضراوة غارة جوية يوم 7 سبتمبر 1940، والتي خلفت 430 قتيلًا و1600 جريح، نحو 150 ألف شخص إلى محطات الأنفاق.

بعد ذلك كلفت الحكومة هيئة النقل في لندن ببناء سلسلة من الملاجئ العميقة وأصبح الإيواء في المحطات أكثر تنظيمًا، مع تحسين المرافق وحجز التذاكر لضمان العدالة وتجنب الاكتظاظ، بالإضافة إلى خدمة قطارات توفر الطعام للملاجئ، بحسب موقع “متحف لندن ترانسبورت“.

ملجأ أندرسون

http 2f2faamzmshcdncom2fwp content2fuploads2f20152f072fandersonshelters 4

ملجأ أندرسون الفولاذي المقطعي، الذي سُمي على اسم مهندس الحماية من الغارات الجوية قبل الحرب وأول وزير للداخلية لبريطانيا في زمن الحرب السير جون أندرسون، كلف 7 جنيهات إسترلينية، ووفرته السلطات مجانًا للأشخاص الذين يقل دخلهم عن 5 جنيهات إسترلينية في الأسبوع في مناطق الخطر، بحسب موقع ذا هيستوري برس.

وسلمت الحكومة أصحاب المنازل المأوى المقوس المصنوع من الصلب والمقاوم للقنابل، بقياس 6 في 4 أقدام (2 × 1.4 م)، والذي يدفن في حفرة يصل عمقها إلى 4 أقدام (1.2 متر)، ويُغطى بالتربة، ويستوعب من 4 إلى 6 أشخاص، ولكنها كانت ضيقة وتمتلئ بالماء عند المطر، وتناسب أكثر سكان الضواحي لأنها تحتاج إلى حديقة خلفية لا يملكها غالب سكان المدن.

Anderson Shelter

بدأ تسليم الملجأ للمواطنين في فبراير 1939 وبحلول منتصف عام 1940 توافر نحو 2.5 مليون ملجأ، ولاحقًا صممت نسخة أكبر تستوعب نحو 12 شخصًا، واستخدم خلال فترة التقنين التي طُلب فيها من الأسر زراعة الخضراوات في حدائق منازلهم، كحديقة صغيرة لزراعة الكوسة والفطر.

ملجأ موريسون

ملجأ موريسون

ظهر ملجأ موريسون للاستخدام الداخلي في عام 1941، وهو مصمم كقفص من الصلب يتسع لشخصين بالغين وطفل، أطلق عليه رسميًّا اسم “مأوى المائدة” وسرعان ما أطلق عليه اسم وزير الدفاع الداخلي، هربرت موريسون، وأتيح مجانًا لأي شخص يتقاضى أقل من 350 جنيهًا إسترلينيًّا سنويًّا.

مع توافر الملاجئ الخاصة، اختار البعض استخدام الملاجئ العامة أو الاحتماء في الخزانة أسفل السلم أو أسفل الطاولة رغم أن الأقبية في المنزل أكثر أمانًا، خوفًا من الدفن تحت الأنقاض إذا تعرض المنزل للقصف، وفقا لذا هيستوري برس.

ملاجئ لـ 8000 شخص

0 GettyImages 3304389

وجدت بعض الملاجئ العامة التي يُمكنها استيعاب 8 آلاف شخص، وكان من أكثرها سرية “كينجز واي تيليفون إكسشانج” الذي استخدمه للمرة الأولى مدير العمليات الخاصة في الحرب العالمية الثانية، لدعم مقاتلي المقاومة ضد قوات النازي.

وبعد الحرب وسّعت الحكومة ملجأ “كينجز” ووضع خط تليفون وكابل هاتف عبر المحيط الأطلسي لعب دورًا في توفير خط ساخن للطوارئ بين البيت الأبيض والكريملين بعد أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، بحسب مدونة روبز لندن.

 1 GettyImages 83319241

ربما يعجبك أيضا