تحديث الترسانة النووية الأمريكية.. هل الغواصات الحل؟

محمد النحاس

وسط تصاعد التوترات الدولية وزيادة الإنفاق العسكري يواجه صناع القرار في الولايات المتحدة جدلًا متزايدًا حول مستقبل الترسانة النووية الأمريكية.

يوصي تقرير حديث صادر عن مركز ستيمسون بتبني استراتيجية ردع تعتمد بشكل أساسي على الغواصات النووية بدلًا من الإنفاق الضخم على تطوير أسلحة جديدة في خطوة قد تعيد تشكيل السياسة النووية الأمريكية، بحسب تحليل لمعهد كونسي الخميس 20 مارس 2025. 

إنفاق غير مسبوق على التسلح النووي

يأتي الجدل في ظل التراجع الحاد في الاتفاقيات الدولية للحد من الأسلحة النووية فبعد حرب روسيا مع أوكرانيا التي بدأت عام 2022 تضاءلت فرص تمديد معاهدة “نيو ستارت” وهي آخر اتفاقية قائمة بين واشنطن وموسكو تحد من عدد الرؤوس النووية المنشورة بـ 1,550 رأسًا لكل جانب ومع اقتراب انتهاء صلاحية المعاهدة في 2026 تزداد المخاوف من دخول مرحلة سباق تسلح غير مقيد.

وفي الوقت نفسه يمضي البنتاغون قدمًا في خطة ضخمة لتحديث الترسانة النووية بتكلفة تقدر بـ 1.7 تريليون دولار على مدار الثلاثين عامًا المقبلة تشمل هذه الخطة تطوير قاذفات قنابل استراتيجية وصواريخ باليستية عابرة للقارات وغواصات نووية جديدة بالإضافة إلى إنتاج رؤوس نووية حديثة. 

ورغم هذا الإنفاق الهائل يضغط صقور المؤسسة العسكرية في الكونغرس من أجل توسيع الترسانة النووية بشكل أكبر بما في ذلك تطوير أسلحة نووية تكتيكية جديدة وصواريخ بعيدة المدى برؤوس متعددة بل وحتى العودة إلى إجراء تجارب نووية فوق الأرض.

6 دول في العالم فقط لديها غواصات نووية

الردع لا يعني سباق تسلح

تقرير مركز ستيمسون يحذر من أن هذا التوسع غير المسبوق قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار العالمي بدلًا من تعزيز الأمن ويؤكد التقرير أن الردع الفعّال لا يعني بالضرورة امتلاك ترسانة ضخمة بل يكفي أن يكون لدى الدولة قدرة نووية قادرة على رفع كلفة أي حرب محتملة إلى درجة تجعل أي خصم “عقلاني” يتجنب بدء صراع.

ووفقًا للتقرير فإن بعض عناصر التحديث النووي للبنتاجون لا تتماشى مع هذا المفهوم وأبرزها مشروع تطوير الصاروخ الباليستي الجديد Sentinel الذي شهد ارتفاعًا في تكاليفه بنسبة 81% خلال مراحل التطوير الأخيرة كما يشير التقرير إلى أن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBMs) لم تعد أولوية كبرى للردع مقارنة بالغواصات النووية نظرًا لكونها أقل عرضة للكشف والاستهداف.

لماذا الغواصات النووية؟

يوضح التقرير أن الغواصات النووية المسلحة بصواريخ باليستية تمثل الركيزة الأكثر موثوقية في الردع النووي نظرًا لقدرتها على التخفي والمناورة ما يجعل من الصعب استهدافها في أي ضربة استباقية.

 ويؤكد الباحثون أن التركيز على هذه القوة البحرية يمكن أن يقلل من المخاطر ويوفر مليارات الدولارات التي قد تُهدر في تطوير أنظمة أقل فاعلية.

ويدعو التقرير الإدارة الأمريكية إلى تبني ثلاثة إجراءات رئيسية الأول تبني سياسة ردع “وحيدة الغرض” تعتمد على الغواصات النووية كعنصر أساسي والثاني التخلي عن تطوير أسلحة نووية تكتيكية قصيرة المدى والتي تزيد من احتمالات اندلاع نزاع نووي محدود والثالث عدم استئناف التجارب النووية فوق الأرض لما لها من تداعيات خطيرة على الاستقرار العالمي.

نحو مقاربة عقلانية للردع النووي

يرى التقرير أن الولايات المتحدة يمكنها تنفيذ هذه الخطوات بشكل أحادي دون الحاجة إلى تنسيق فوري مع الدول الأخرى ومع ذلك فإن تبني هذه السياسات قد يفتح المجال لمفاوضات مستقبلية مع روسيا للحد من التسلح بينما تظل المفاوضات مع الصين أكثر تعقيدًا نظرًا لحجم ترسانتها النووية الأصغر نسبيًا.

غواصات Yasen M النووية الروسية.png

وإجمالاً يمكن القول أن أهمية تقرير مركز ستيمسون تكمن في أنه يطرح بديلًا منطقيًا ومدعومًا بالحقائق مقابل الأصوات الداعية إلى توسيع سباق التسلح النووي بأي ثمن وبينما لا يزال النقاش السياسي محتدمًا يأمل الخبراء أن تجد هذه المقترحات صدى لدى صناع القرار في البيت الأبيض والكونغرس لتبني استراتيجية نووية أكثر حكمة وأقل تكلفة تضمن الأمن دون المخاطرة بإشعال سباق تسلح جديد.

ربما يعجبك أيضا