تحقيق استقصائي يتهم أوروبا بالمسؤولية عن غرق القارب أدريانا

إسراء عبدالمطلب

بينما فقدت سفينة المهاجرين "أدريانا" اتزانها في عرض المتوسط ظل المسؤولون الأوروبيون يُشاهدونها ويسمعونها من الجو والبحر.


كشف تحقيق استقصائي لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن تفاصيل جديدة بخصوص حادثة غرق القارب أدريانا، التي أودت بحياة أكثر من 600 مهاجر.

وغرق القارب الشهر الماضي قبالة سواحل اليونان، وكان يقلّ ما بين 400 و750 مهاجرًا، معظمهم من سوريا ومصر وباكستان، ونجا منهم 104 فقط، ألقت السلطات اليونانية القبض على 9 منهم، بتهمة “التهريب والتسبب في غرق سفينة”.

صحيفة أمريكية: كان يمكن لليونان تفادي وفاة مئات المهاجرين في قارب "أدريانا" | شبكة بلدي الاعلامية

كارثة إنسانية على مرأى ومسمع السلطات اليونانية

قالت نيويورك تايمز إنه بينما فقدت سفينة المهاجرين “أدريانا” قدرتها على التحكم والاتزان في عرض المتوسط، ظل المسؤولون الأوروبيون على مدى 13 ساعة، يُشاهدونها ويسمعونها من الجو والبحر، باستخدام أجهزة الرادار والتليفون واللاسلكي، قبل أن تنجرف قبالة الساحل اليوناني، في كارثة إنسانية “وقعت على مهل”.

وأضافت الصحيفة أنه “كان يمكن تفادي حجم الوفيات في قارب المهاجرين أدريانا”، قائلة إن “المسؤولين الأوروبيين لم يتعاملوا مع الحادثة بوصفها عملية إنقاذ، بل ذهب فريق عمليات خاصة من خفر السواحل للتعامل مع القارب”.

وانقلب قارب الصيد “أدريانا” وغرق على بعد 47 ميلًا إلى الجنوب الغربي من بيلوس في شبه جزيرة بيلوبونيز (جنوبي اليونان)، في المياه الدولية التي تقع ضمن اختصاص سلطة البحث والإنقاذ في اليونان.

اقرأ أيضًا: بعد إضرابه عن الطعام.. نجل القذافي يدخل مستشفى في لبنان

تسجيلات فيديو

أضافت الصحيفة أن قبطان خفر السواحل اليوناني أعطى السلطات قرصًا مضغوطًا يحتوي على تسجيلات فيديو للقارب. وقال المتحدث باسم وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي، إن قيادة الوكالة كانت على علم بوضع القارب، وإنها أرسلت طلب مساعدة إلى إيطاليا قبل ساعات من غرقه.

وتُشير صور الأقمار الاصطناعية والوثائق القضائية وأكثر من 20 مقابلة أجرتها الصحيفة الأمريكية مع ناجين ومسؤولين، وسلسلة من الإشارات اللاسلكية التي جرى إرسالها في الساعات الأخيرة، إلى أنه كان بالإمكان تخفيف عدد الضحايا.

عملية لإنفاذ القانون

أضاف التحقيق أنه رغم أن العشرات من المسؤولين وأطقم خفر السواحل كانوا يُراقبون السفينة، تعاملت الحكومة اليونانية مع الموقف باعتباره “عملية لإنفاذ القانون”، وليس باعتباره “عملية إنقاذ”.

وبدلًا من إرسال سفينة مستشفى تابعة لسلاح البحرية تحمل على متنها اختصاصيي إنقاذ، أرسلت فريقًا ضم 4 رجال ملثمين يحملون أسلحة من وحدة العمليات الخاصة التابعة لخفر السواحل.

وتذرعت السلطات في اليونان مرارًا بأن السفينة “أدريانا” كانت في طريقها إلى إيطاليا، وأن المهاجرين رفضوا إنقاذهم، لكن صور الأقمار الاصطناعية وبيانات التتبع التي حصلت عليها الصحيفة أظهرت “بما لا يدع مجالًا للشك” أن السفينة “انجرفت بقوة في دوامة بحرية في الـ6 ساعات ونصف ساعة الأخيرة قبل غرقها”.

خفر السواحل اليوناني 

كان ناجون من كارثة غرق القارب أدلوا بشهاداتهم لوكالة أنباء رويترز، واتهموا صراحة خفر السواحل اليوناني بالتسبب في انقلاب قاربهم، بعد محاولة فاشلة لسحب القارب المكدس بحمولة زائدة، ما أدى إلى انقلابه في الساعات الأولى من يوم 14 يونيو الماضي.

ووفق رويترز، ورد الحديث عن محاولة كارثية من خفر السواحل لسحب القارب في 6 من أصل 9 إفادات لناجين، قدموها لمسؤولين في القضاء اليوناني يحققون في أسباب المأساة.

انقلاب القارب

قال أحد الناجين السوريين إنه ومهاجرين آخرين على متن القارب “أدريانا” الذي تعطل في طريقه إلى إيطاليا، صرخوا قائلين “توقفوا!” بعد أن ربط قارب خفر السواحل اليوناني حبلًا بقارب المهاجرين وبدأ قطره مع زيادة السرعة، مضيفًا أن “قارب المهاجرين أخذ يميل يمينًا ويسارًا ثم انقلب”.

وتتعارض أقوال الشهود الـ6 مع التصريحات العلنية لخفر السواحل والحكومة في اليونان، اللذين نفيا أي محاولة لسحب القارب، وقالا إنه انقلب عندما كان خفر السواحل يبعدون عنه بنحو 70 مترًا.

لحظات مرعبة

نقلت رويترز عن ناجيين آخرين تأكيدهما على واقعة قطر القارب، وقالت إنهما طلبا عدم نشر اسميهما خوفًا من انتقام السلطات اليونانية. ووصف أحدهما اللحظات المرعبة عندما انقلب القارب، وقال إن هذا حدث عندما بدأ خفر السواحل سحب القارب.

وأضاف: “سحبونا بسرعة وانقلب القارب، تأرجح يمينًا ويسارًا وانقلب، وبدأ الناس يسقط بعضهم فوق بعض، وكانوا يصرخون ويُغرق بعضهم بعضًا، ووقع ذلك في الليل وكانت توجد أمواج. كان الأمر مرعبًا”.

وبعد يوم واحد، عدل خفر السواحل تصريحاته، وقال إن قاربه ربط حبلًا بقارب المهاجرين لمساعدته على الاقتراب كي يتواصلوا معه، ونفى أنه حاول في وقت لاحق قطر القارب، قائلًا إنه أبقى على مسافة بينهما.

اقرأ أيضًا:محامي رئيس مخابرات القذافي يستبعد تسليمه للمحكمة الجنائية

مواجهة طويلة المدى

وصف تحقيق نيويورك تايمز غرق “أدريانا” بأنه “مواجهة طويلة المدى في عرض المتوسط”، حيث يدفع “المهربون غلاظ القلوب في شمال إفريقيا بالأفراد على متن سفن متهالكة، ويأمل الركاب أن يخيب ظنهم في هذه السفن، وأن يصلوا بها إلى بر الأمان”.

إلا أن خفر السواحل الأوروبي غالبًا ما يؤخر عمليات الإنقاذ “خوفًا من أن تفاقم المساعدة جرأة المهربين على إرسال مزيد من الأفراد على سفن أكثر رداءة”. وبينما تتحول السياسات الأوروبية صوب اليمين، تُمثّل كل سفينة جديدة تصل إلى الحدود “نقطة اشتعال سياسية محتملة”، حسب التحقيق.

وأشارت الصحيفة إلى أن وزارة الشؤون البحرية اليونانية قالت إنها لن ترد على “الأسئلة التفصيلية”، محتجة بأن غرق السفينة “لا يزال قيد التحقيق الجنائي”.

ربما يعجبك أيضا