بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها تشكيل سلاسل توريد آمنة بين الدول الصديقة من أجل تقليل الاعتماد على أسواق الدول "الاستبدادية"، ما خلق استراتيجية جديدة تهدد الاقتصاد العالمي وصفها خبراء العولمة "اللايت". فماذا يقصد بـ"العولمة اللايت"؟
بعد توقع مجموعة شحن الحاويات الدنماركية “إيه بي موللر/ ميرسك”، تراجع مشكلات سلاسل التوريد العالمية في النصف الثاني من 2022، أتت الحرب الروسية الأوكرانية لتزيد من مشكلاتها.
وفي ظل الانقسام العالمي حول الموقف من روسيا بسبب حربها ضد أوكرانيا، تطرح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها تشكيل سلاسل توريد آمنة بين الدول الصديقة، حسب تقريرٍ لصحيفة وول ستريت جورنال. فما القصة؟
سلاسل التوريد وأثر الفراشة
يشير التقرير إلى أنَّه بعد انتشار فيروس كوفيد-19 وتأثيره على الاقتصاد العالمي، تأثرت سلاسل التوريد حول العالم، وأنه إذا لم تصل المدخلات في الوقت المناسب سيتعرقل عمل الاقتصاد. وتفاقمت هذه الحالة في أوروبا بعد الحرب الروسية الأوكرانية، لاعتمادها على واردات الغاز من روسيا وتهديد الأخيرة تخفيضها أو قطعها.
تمثِّل التوازنات الجيوسياسية أساسًا في الاقتصاد العالمي، فالدول تحرص على استمرار عجلتها الاقتصادية التي تبتلع مدخلات من مصادر خارجية، وتتأثر وتيرة الاقتصاد بوتيرة وصول المدخلات. وتمثِّل السلاسل ورقة ضغط مهمة أحيانًا يمكن استخدامها في الصراعات الدولية، كما تبيّن الحرب الروسية والتجارية الأمريكية.
العولمة في الاقتصاد
بحسب تقرير أممي، احتلت السلاسل مكانة مهمة في العلاقات الدولية الاقتصادية بسبب العولمة، فبفضلها بات الاقتصاد العالمي مترابط بطريقة وثيقة، ويعتمد فيه كل بلد على آخرين لتأمين احتياجاته وتصدير منتجاته وترخيص كلفة الإنتاج على شركاته، وتسهيل حركة التجارة بين الحدود.
على صعيد الاقتصاد الدولي، يلخص ميلتون فريدمان مفهوم الإنتاج العالمي، فالإنتاج سلعة واحدة يلزمك الحصول على المواد الخام والمواد الأولية من أماكن أخرى، وقد يمر إنتاج السلعة بين عدة اقتصادات، مثل صناعة السيارات مثلًا، فينتج المحرك في مكان والإطارات في مكان آخر وتجمع السيارة كاملة في مكان آخر.
مخطط أمريكي
بغية تأمين مدخلاتها الاقتصادية، تسعى واشنطن وحلفاؤها إلى خلق نوع جديد من التجارة العالمية يقيّد التجارة بدائرة محددة من الدول الصديقة، وفقًا للتقرير. يمثِّل هذا التغير خروجًا عن أعراف العولمة، فالعولمة لا تقيّد التجارة والتداول الحر للسلع، ويحركها الشراء من الأرخص بصرف النظر عن صداقته.
وفق التقرير، يشجع مسؤولون غربيون ويمولون قنوات إنتاج وتجارة جديدة عبر الدول الصديقة، وتبنى الاستراتيجية على تقليل الاعتماد على أسواق الدول “الاستبدادية”. وتتراوح الاستراتيجية الجديدة بين العولمة والانعزال، فمن جهة لا يزال الاقتصاد الدولي نشطًا، لكن من جهة أخرى يجري استبعاد دول بعينها.
تحذيرات من التداعيات
بحسب التقرير، حذّر كبير الاقتصاديين في صندوق النقد، بيير أوليفييه جورنشا، من التداعيات الخطيرة على الاقتصاد العالمي التي قد تتولد من هذه الاستراتيجيات، ورأى عدد آخر من الخبراء أنَّ هذه الخطوة ستضرُّ الدول الغنية والفقيرة التي تمتعت اقتصاداتها بثمار منظومة التجارة العالمية الحرة في العقود الأخيرة.
في حين يشير المتشككون في التجارة الحرة إلى أنَّ التجارة مع الدول الصديقة ليست إلا غطاءً لمزيد من تعهيد الإنتاج إلى الخارج، عوضًا عن التعزيز من الإنتاج المحلي الذي سيؤمن سلاسل التوريد بطريقة أفضل ويخلق وظائف للأمريكيين، ويصف آخرون الاستراتيجية بالعولمة “اللايت”.
فكرة دحضتها التجربة
تضيف الممثلة التجارية للولايات المتحدة، كاثرين تاي، في تصريح لوول ستريت جورنال: “يُقال إن البلدان التي تتاجر مع بعضها لا تخوض حروبًا ضد بعضها. في الشهرين الماضيين، ثبت لنا أنَّ هذا ليس صحيحًا بالضرورة”، مشيرةً إلى الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة والحرب الروسية مع الغرب.
وتتابع: “تنويع مصادر الإمداد للسلع الأساسية يجنِّب الدول، دولتها بالتحديد، حالة الهلع والقلق والإحساس بالعجز واليأس أمام الأزمات. لذا بغية تجنب كل هذا يسعى الغرب إلى تخفيض الاعتماد على الصين وتعويضها بدول أخرى، عبر الاستثمار فيها ودعمها لتعزيز الصناعات الضرورية لاقتصاداته”.
إلى أين وصلت؟
في الوقت الحالي، يشير التقرير إلى تعاون أستراليا والولايات المتحدة لبناء تجهيزات تتعلق بالتنقيب عن المعادن النادرة ومعالجتها على أراضيهما. وفي الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي تسعى الولايات المتحدة وأوروبا إلى تنسيق خططهما لإنفاق عشرات المليارات لمساعدة شركة إنتل على بناء مصانع لأشباه الموصلات.
يوضح التقرير أنَّ بعض المصانع تنتقل من الصين إلى دول أمريكا الوسطى، مثل شركة أباريل وإنتراديكو، وقد سهّل من هذا الانتقال قرب المصانع من السوق الأمريكية والتعريفات الجمركية الأمريكية المنخفضة واتفاقية التجارة الحرة، وإنفاق إدارة بايدن لمليارات الدولارات في اقتصادات المنطقة للحد من الهجرة إلى الولايات المتحدة.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=1154093