نشرت مجلة ناشونال إنترست الأمريكية، مقالًا يتناول نهج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في التعامل مع الحرب في أوكرانيا، معتبرةً أن وعده بإنهاء الصراع كان من أبرز تعهداته الجيوسياسية.
لكن التساؤل الأساسي لا يتعلق فقط بتحقيق السلام، وإنما بكيفية تأثير هذا السلام على شعور الأمريكيين تجاه أنفسهم، وهو ما سيحدد إرث ترامب السياسي.
نجاح كبير أو إخفاق كارثي
المجلة ترى أن إدارة ترامب تسير على “حبل مشدود”، حيث يمكن أن ينتهي الأمر إما بنجاح مدوٍّ أو بإخفاق كارثي، يشبه انسحاب ريتشارد نيكسون من فيتنام أو انسحاب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن من أفغانستان، وهما تجربتان تسببتا في شعور الأمريكيين بالهزيمة رغم انتهاء القتال.
وفي المقابل، تشير المجلة إلى أن هناك نماذج أخرى، مثل انسحاب رونالد ريجان من نيكاراغوا أو انسحاب جورج بوش الأب من العراق عام 1991، حيث نجحت واشنطن في إنهاء النزاع دون أن تفقد هيبتها، وفق المقال المنشور 22 فبراير 2025.
الفرسان الثلاثة
بحسب المقال، يعتمد نجاح ترامب على فريقه الذي يصفه بـ”الفرسان الثلاثة”، والمكوّن من وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، ووزير الدفاع بيت هيجسيث.
هؤلاء المسؤولون، وفق المجلة، يمثلون نهجًا يمزج بين الشجاعة والدهاء في تنفيذ رؤية ترامب، خاصة أن اثنين منهم، روبيو ووالتز، يمتلكان خبرة طويلة في الكونغرس، بينما يتمتع هيجسيث بخلفية عسكرية واسعة.
ومنذ توليه الرئاسة في 2016، عانى ترامب من تبعات الملف الأوكراني الروسي، حيث واجه اتهامات لا أساس لها بالتواطؤ مع موسكو، ثم لاحقًا محاكمة برلمانية بسبب مزاعم تتعلق بمطالبته الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بالكشف عن معلومات بشأن علاقات نجل جو بايدن بشركة طاقة أوكرانية.
شكوك ترامب في إدارة زيلينسكي
نتيجةً لذلك، تقول ناشونال إنترست إن ترامب أصبح أكثر الرؤساء الأمريكيين تشككًا في القيادة الأوكرانية، كما أنه من القلائل الذين ينظرون إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من منظور براجماتي بحت، بعيدًا عن الأحكام الأخلاقية.
المجلة تشير إلى أن ترامب أوفد وزير خارجيته ماركو روبيو إلى السعودية للقاء نظيره الروسي، في محادثات غابت عنها أوكرانيا وأوروبا، ما أثار قلق كييف وعواصم أوروبية أخرى.
توتر بين ترامب زيلينسكي
توضح ناشونال إنترست أن زيلينسكي لم يدرك بعد أن ترامب يرى فيه جزءًا من المشكلة، إذ يعتبره مسؤولًا جزئيًا عن إحدى محاولات عزله، كما أن أسلوبه الخطابي، الذي يستند إلى سردية أخلاقية وأداء استعراضي، يتناقض مع نهج ترامب العملي.
ترامب لم يتردد في وصف زيلينسكي بـ”الديكتاتور” لرفضه إجراء انتخابات، محمّلًا أوكرانيا مسؤولية الحرب، مما يعكس قناعته بأن الصراع ليس معركة بين الخير والشر، بل مأساة لا أبطال واضحين فيها.
بناءً على ذلك، تؤكد المجلة أن السبيل الوحيد أمام زيلينسكي للحفاظ على بلاده هو التخلي عن المواقف العلنية المتصلبة، والانخراط في مفاوضات هادئة مع فريق ترامب، تبدأ بطرح السؤال: “ما الذي تريدونه؟”.
موقف أوروبا
المقال يلفت أيضًا إلى أن أوروبا تواجه واقعًا مؤلمًا في ظل هذا التوجه، حيث بدت تصريحات المستشار الألماني أولاف شولتس عن ضرورة إشراك أوكرانيا في أي قرار مصيرية وكأنها غير ذات صلة بإدارة ترامب، التي تتساءل: “من هو شولتس حتى يملي شروطه؟ وكم دبابة أرسلتها ألمانيا إلى أوكرانيا؟ ومتى توقفت عن شراء الغاز من بوتين؟”.
المجلة ترى أن الأوروبيين يواجهون تحديًا حقيقيًا، إذ ينظر فريق ترامب إليهم باعتبارهم لاعبين ثانويين في هذا الملف، ويورد المقال كذلك أن رجال الأعمال المقربين من ترامب يرون أن مساهمات أوروبا المالية لدعم أوكرانيا لم تتجاوز 15 مليار دولار في أي ربع سنوي منذ عام 2022، بينما تجاوزت المساهمة الأمريكية 24 مليار دولار في الربع الأخير من 2024 وحده.
وتوضح المجلة أن القادة الأوروبيين يبدو أنهم يراهنون على سيناريو شبيه بحروب البلقان في التسعينيات، حين تكفلت واشنطن بالجانب العسكري والمالي، بينما احتفظ الأوروبيون بمكان متساوٍ على طاولة المفاوضات، وهو أمر يصر ترامب على عدم تكراره، ما يضع الاتحاد الأوروبي في موقف غير مريح.
المعادن الأوكرانية.. ورقة تفاوض
على صعيد آخر، تشير ناشونال إنترست أن وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، لوّح بإمكانية رفع العقوبات عن روسيا أو زيادتها، وفقًا لمدى استعداد موسكو للتفاوض.
وخلال زيارة إلى كييف، طالب بيسنت أوكرانيا بمنح الولايات المتحدة حقوقًا في ثرواتها المعدنية، تعويضًا عن المساعدات العسكرية السابقة، مشيرًا إلى أن كييف وافقت على ذلك.
لكن زيلينسكي نفى ذلك لاحقًا، مؤكدًا أن المساعدات الأمريكية التي تلقتها بلاده في عهد بايدن بلغت 69.2 مليار دولار، وهو رقم أقل بكثير مما تطالب به إدارة ترامب الآن. كما شدد على أن أي اتفاق يجب أن يتضمن ضمانات أمنية أمريكية لمستقبل أوكرانيا.
رؤية ترامب
تخلص المجلة إلى أن ترامب، المنطلق من عقيدة “أمريكا أولًا”، يرى أن دعم أوكرانيا لا يجب أن يكون مجانيًا، معتبرةً أن المفاجئ ليس موقفه، بل دهشة البعض منه؛ فوزير الخارجية ماركو روبيو دعا علنًا إلى نهج أكثر تعددية قطبية، تتراجع فيه الولايات المتحدة إلى دور ثانوي في أوروبا.
وصرّح مستشار الأمن القومي مايك والتز بأن على أوروبا تحمل المسؤولية الكاملة عن النزاع مستقبلاً، في حين أوضح وزير الدفاع بيت هيجسيث لحلفاء الناتو أن عبء تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا يجب أن يقع بشكل رئيسي على عاتق القارة العجوز.
وترى ناشونال إنترست أن رؤية ترامب القائمة على دفع أوروبا إلى تحمل مسؤولية الأمن الإقليمي قد تؤدي إلى تطوير منظومة دفاعية أوروبية مستقلة، بعيدًا عن المظلة الأمريكية؛ أما نتائج مفاوضاته مع بوتين، فتبقى غير محسومة، لكنها بالتأكيد تمثل نقطة تحول تاريخية في العلاقات الأمريكية الروسية ومستقبل الأمن الأوروبي.
سيناريوهات نهاية الحرب
في نهاية المقال، تطرح المجلة سيناريوهين محتملين: إما أن ينجح ترامب وفريقه في إبرام اتفاق سلام يحفظ ماء وجه أمريكا ويدفع أوروبا نحو الاستقلال العسكري، وهو ما سيكون انتصارًا كبيرًا.
أما السيناريو الآخر أن ينكث الروس بالاتفاق ويقتحموا كييف، ما سيؤدي إلى لحظة إذلال أمريكية شبيهة بمشهد الإجلاء من السفارة في سايجون، ما سيترك إرثًا سياسيًا كارثيًا لترامب.
وفي الحالتين، تؤكد المجلة أن ما يميز ترامب عن غيره هو استعداده للمجازفة الكبيرة في سبيل تحقيق انتصارات ضخمة.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2143929