تسليم الأسد.. قُربان لإعادة علاقات دمشق وموسكو

محمد النحاس

بعد أكثر من عقد على دعمها المُطلق لنظام بشار الأسد، تجد موسكو نفسها أمام واقع جديد في سوريا، حيث تسعى القيادة الجديدة في دمشق، برئاسة أحمد الشرع، لإعادة رسم العلاقات مع روسيا وفق شروط مختلفة.

ورغم وصف الكرملين للمناقشات الأخيرة بأنها “صريحة”، فإن موسكو امتنعت عن توضيح موقفها من المطالب السورية، التي تضمنت تسليم الأسد ودفع تعويضات لإعادة إعمار البلاد.

مطالب دمشق.. محاسبة الأسد وإعادة الإعمار

بحسب مصدر سوري مطّلع تحدث إلى وكالة أنباء “رويترز”، الأربعاء 29 يناير 2025، فإن الشرع طلب رسميًا من روسيا تسليم الأسد، الذي فرّ إليها بعد سقوطه في ديسمبر الماضي، معتبرًا أن ذلك سيكون خطوة ضرورية لإعادة بناء شرعية الدولة الجديدة، ومن جانبه، رفض المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، التعليق على ما إذا كانت سوريا قد طلبت رسميًا تسليم الأسد أو دفع تعويضات.

وتسعى الحكومة السورية الجديدة إلى فرض شروط أكثر صرامة على الوجود الروسي في البلاد، وتعتبر دمشق أن موسكو استفادت من الحرب أكثر مما قدمت من دعم، وتريد أن تتحمل روسيا مسؤوليتها عبر دفع تعويضات للمساعدة في إعادة إعمار سوريا، التي تعرضت بنيتها التحتية لدمار واسع خلال الصراع.

لكن حتى الآن، لم تُظهر موسكو أي استعداد للاعتراف بأخطائها أو تقديم تنازلات كبيرة، ووفقًا للمصدر ذاته، فإن الروس “يستمعون” لكنهم غير مستعدين للاعتراف بمسؤوليتهم عن الكوارث التي شهدتها سوريا خلال السنوات الماضية، مكتفين بتأكيد “التزامهم” بسيادة ووحدة الأراضي السورية.

هل تُسلّم موسكو الأسد؟

فيما يتعلق بتسليم الأسد، يمنح القانون الروسي اللاجئين السياسيين والإنسانيين حماية من الإبعاد القسري، ما لم يكونوا متورطين في جرائم جسيمة، في الوقت ذاته، يمنع الدستور تسليم المواطنين الروس إلى أي دولة أخرى، لكنه لا يطبق القاعدة ذاتها على الأجانب، إذ يمكن تسليمهم وفقًا لاتفاقيات دولية أو قرارات قضائية.

ومع ذلك، هناك استثناءات قد تؤدي إلى تسليم شخص ما، مثل كونه مطلوبًا لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب أو إبادة جماعية، أو في حال وجود اتفاقية تسليم مع الدولة التي تطلبه، أو إذا شكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الروسي، كذلك إذا ثبت ارتكابه جرائم خطيرة ضد الإنسانية قبل حصوله على اللجوء، فقد يكون ذلك مبررًا قانونيًا لتسليمه.

ورغم أن روسيا ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، ما يعني أنها غير ملزمة قانونيًا بتسليم المطلوبين إليها، فإنها قد تتخذ قرارات تسليم في حالات محددة، بناءً على مصالح سياسية أو قانونية، وبذلك، فإن تسليم شخصيات مثل بشار الأسد أو معاونيه يظل أمرًا ممكنًا من الناحية القانونية، لكنه في النهاية المطاف قرار سياسي، وفق خبراء.

الوجود الروسي العسكري.. ورقة تفاوض أم خط أحمر؟

تدرك موسكو أن وجودها العسكري في سوريا ليس مجرد امتداد لعلاقاتها الثنائية مع دمشق، بل هو جزء أساسي من استراتيجيتها في الشرق الأوسط. لذا، فإن أي تغيير في الوضع القائم قد يهدد نفوذها الإقليمي بشكل مباشر.

ومنذ عام 1971، حصل الاتحاد السوفيتي على موطئ قدم استراتيجي في سوريا عبر اتفاقية مع حافظ الأسد، تتيح له تشغيل منشآت بحرية في ميناء طرطوس، وعلى مدى العقود الماضية، تطورت هذه القاعدة لتصبح نقطة ارتكاز أساسية للأسطول الروسي في البحر المتوسط.

قواعد روسيا في سوريا

وخلال السنوات الأخيرة، عززت موسكو وجودها في طرطوس من خلال توسيع الميناء ليستوعب السفن الحربية الكبيرة، بما في ذلك الغواصات النووية، وتمثل القاعدة عنصرًا محوريًا في استراتيجيتها لمواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة، إذ تتيح لروسيا نشر قواتها البحرية خارج البحر الأسود دون الحاجة إلى المرور عبر المضائق التركية الخاضعة لسيطرة حلف الناتو.

قاعدة حميميم.. القلب النابض للعمليات الروسية

أما قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، فقد تحولت منذ عام 2015 إلى المنصة الرئيسة للعمليات العسكرية الروسية في سوريا، إذ استُخدمت لإطلاق الغارات الجوية التي ساعدت الأسد على استعادة السيطرة على معظم البلاد.

وفي السنوات الأخيرة، خضعت القاعدة لعملية تطوير مكثفة، شملت تعزيز أنظمة الدفاع الجوي ونشر طائرات مقاتلة متقدمة مثل Su-35S وMiG-31K، بالإضافة إلى تزويدها بأنظمة دفاع صاروخي متطورة مثل S-400، وكل ذلك يعكس مدى الأهمية التي توليها روسيا للقاعدة، والتي تمثل واحدة من أهم مواقعها العسكرية خارج أراضيها.

موسكو بين البراجماتية والتحديات الجديدة

تواجه روسيا معضلة معقدة في سوريا حاليًا، فمن جهة، تريد الحفاظ على نفوذها الاستراتيجي والاستمرار في استخدام البلاد كنقطة ارتكاز عسكرية وسياسية في الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى، تجد نفسها أمام قيادة سورية جديدة تسعى إلى إعادة التفاوض على شروط العلاقة الثنائية، وربما تقليص الهيمنة الروسية على القرارات السيادية لدمشق.

وحتى الآن، تبنت موسكو نهجًا حذرًا، حيث أكد بيان الخارجية الروسية “التزام روسيا بوحدة وسلامة أراضي سوريا”، دون تقديم التزامات واضحة بشأن المطالب السورية؛ ويبدو أن روسيا تراهن على الوقت، على أمل أن تتمكن من التوصل إلى تسوية تضمن استمرار وجودها العسكري دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الحكومة السورية الجديدة.

لكن في حال أصرت دمشق على موقفها، قد تلجأ موسكو إلى وسائل ضغط أخرى، مثل دعم فصائل عسكرية موالية لها داخل سوريا، أو التهديد بتقليص الدعم الاقتصادي والعسكري الذي تقدمه للحكومة السورية، كما أن الكرملين قد يسعى إلى استغلال الفوضى السياسية التي قد تنشأ داخل البلاد، للعب دور الوسيط بين الأطراف المختلفة، وبالتالي ضمان نفوذه في المرحلة المقبلة.

 

ربما يعجبك أيضا