في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة، يبرز جهاز الأمن الصيني، ممثلاً في وزارة أمن الدولة الصينية، كقوة استخبارية لا يُستهان بها في حرب المعلومات الحديثة.
وتجمع الوزارة وكالة الاستخبارات والأمن والشرطة السرية، ورغم سرية عملها، إلا أن دورها في نشر عمليات تجسس معقدة، مثل الهجمات السيبرانية ضد الولايات المتحدة والغرب إجمالاً، أصبح أكثر وضوحًا، تحت قيادة تشن ييشين، الذي عينه الرئيس شي جين بينج على رأس الوزارة.
تحولات استراتيجية
منذ عامين، عندما جرى تعيين تشن ييشين في منصب رئيس وزارة أمن الدولة، انطلقت الوزارة في مرحلة جديدة من التحولات الاستراتيجية، وفق تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، المنشور في 10 نوفمبر 2024.
الوزارة التي كانت في السابق معروفة بسريتها وانغلاقها، توسعت بشكل كبير في دائرة عملها، حيث شملت العمليات الاستخباراتية تجنيد المواطنين، والتعاون الشركات الخاصة، وحتى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للترويج للأهداف الأمنية، والقيام بعمليات اختراق سيبرانية واسعة النطاق وذات تأثير لافت.
اختراقات متطورة
تحت قيادة تشن، أصبحت الوزارة أكثر تطورًا، بما في ذلك توسيع عمليات التجسس الإلكترونية، التي عُرفت في الهجوم الأخير باسم “Salt Typhoon”، والذي استهدف شبكات الاتصالات الأمريكية وأدى إلى اختراق محادثات حساسة، بما في ذلك بين الحملة الانتخابية، حملة الرئيس الأمريكي المُنتخب دونالد ترامب، وكذلك حملة نائبة الرئيس بايدن، كامالا هاريس.
وتشير التقارير إلى أن عمليات تجسس الصين قد تطورت إلى تهديد ملموس للنظام الأمني الأمريكي، وأصبح يُنظر إليها على أنها جزء من “حرب معلومات” ممنهجة.
وقد كشف المحققون الأمريكيون عن تعاون مع مقاولين صينيين من القطاع الخاص لتنفيذ الهجوم السيبراني، مع إصرار بكين على نفي أي تورط .
من الأمن إلى التأثير الثقافي
شخصية تشن ييشين نفسها تكشف عن ملامح توجهات أمنية أوسع، تمتد من تحصين الأمن الرقمي إلى التأثير على الثقافة الشعبية.
تشن، الذي عمل لسنوات في مناطق صناعية مزدهرة مثل مدينة ووهان، وحقق شهرة كإداري بارز في مجال التكنولوجيا والاتصالات، برز كأحد أقرب الموالين للرئيس شي جين بينج، والذي دعم تشن بترقيته إلى مواقع قيادية في الحزب الحاكم، وقد تمكن من جعل الوزارة قوة سياسية فاعلة ضمن هيكل الأمن القومي الصيني.
حملات إعلامية وثقافية
في خطوة غير تقليدية، لم يقتصر دور تشن على جمع المعلومات الاستخباراتية فحسب، بل دفع الوزارة إلى تفعيل حملة إعلامية واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، مثل تطبيق “وي شات”، مستهدفًا المواطنين الصينيين لتجنيدهم في المعركة الأمنية ضد “التجسس الغربي”.
كما أطلق تشن منصته الرقمية في صيف 2023، حيث دعت الوزارة الشعب الصيني للمشاركة في الدفاع عن الأمن الوطني ضد ما اعتبرته محاولات أمريكية لزعزعة استقرار الصين.
أحد أبرز العناصر في هذه الحملة كان التركيز على ما وصفه تشن بـ “الحرب المعرفية”، حيث حذر من محاولات غربية لاستهداف الثقافة الصينية وتشويه صورتها عالميًا.
الأمن الإلكتروني
لم يكن تشن ييشين مجرد رجل استخبارات تقليدي، بل كان عاملاً رئيسيًّا في صعود قوي للوزارة في ظل المنافسة الكبيرة مع الولايات المتحدة والغرب.
وفي خطابه حول الأمن الوطني، أكد تشن على ضرورة “تحقيق تقدم في وسائل الهجوم والدفاع”، وهو ما يترجم إلى تقنيات عالية في مجال الأمن السيبراني، الذي أصبح يشكل ساحة المعركة الحديثة.
نجاحات لافتة
نجحت الوزارة تحت إشراف تشن في تنفيذ هجمات سيبرانية كبيرة وتمكن من توظيف شركات الصين في هذا الصدد، لكن ذلك لم يمر دون تداعيات، إذ جعل من الصين هدفًا رئيسيًا للرقابة والعقوبات الغربية.
وقد أظهرت العديد من التحقيقات الغربية تورط شركات صينية في دعم الهجمات، ما يبرز تحول الوزارة إلى قوة استخباراتية متكاملة تشمل الحكومات والشركات والقطاع الخاص في سبيل جمع المعلومات.
تطور استخباري كبير
من خلال هذه الاستراتيجية، يطمح تشن إلى فرض نفوذ الصين على المستوى العالمي، في مجال الأمن السيبراني الذي يعد أحد الأدوات الأساسية في الدفاع عن المصالح السياسية والاقتصادية.
هذا النموذج يوضح أنه لا يمكن تجاهل أن الصين، تحت قيادة شي جين بينج، قد شهدت تطورًا لافتًا في مجال الأمن الاستخباراتي، ما يضعها في مقدمة القوى العالمية المنافسة.
وفي الوقت الذي يواجه فيه العالم تحولات سريعة في طبيعة الحروب والسياسات الدولية، يبدو أن جهاز أمن الدولة الصيني قد أصبح أحد اللاعبين الرئيسيين في الساحة الأمنية العالمية، مستفيدًا من التكنولوجيا، الإعلام، والقدرة على التأثير الثقافي.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2042942