«تفجيرات البيجر».. لماذا يخشى الغرب تداعياتها؟

شروق صبري
تفجيرات البيجر.. لماذا يخشى الغرب تداعياتها

في خطوة غير مسبوقة، على صعيد العمليات الاستخباراتية، نفذت إسرائيل في 17 سبتمبر 2024 عملية تفجير واسعة النطاق استهدفت أجهزة النداء الآلي التابعة لحزب الله، والتي عرفت باسم “تفجيرات البيجر“.

التكتيك الجديد، الذي اعتمد على استخدام تقنيات دقيقة ومتفجرات مخبأة داخل الأجهزة، تسبب في سقوط عشرات القتلى وآلاف المصابين فضلا عن أن العملية أثارت تساؤلات عميقة حول مدى أخلاقيتها، وعمقت الجدل حول حدود الصراعات السرية في العصر الرقمي.

تفاصيل العملية

استهدفت العملية آلاف أجهزة النداء الآلي عبر تفجيرها عن بعد باستخدام صواعق مخفية داخل البطاريات. وصُممت هذه الصواعق لتكون غير قابلة للكشف بواسطة تقنيات المسح التقليدية. ووفقًا لتقارير لبنانية، خلف الهجوم 37 قتيلاً، بينهم أطفال، وأكثر من 3000 مصاب.

ووفق ما نشرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، اليوم السبت 28 ديسمبر 2024، استهدف التفجير إحداث شلل في البنية التنظيمية لحزب الله، إلا أن تأثيراته امتدت إلى المدنيين، ما أثار انتقادات واسعة النطاق، خصوصًا مع ورود تقارير عن سقوط ضحايا غير مستهدفين.

ردود الفعل الدولية

أشاد بعض الخبراء الأمنيين بالعملية باعتبارها إنجازًا استخباراتيًا غير مسبوق، حيث وصفتها تقارير بأنها “ذروة الابتكار في مجال الحرب السيبرانية”.

في المقابل، انتقد مسؤولون دوليون، مثل المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ليون بانيتا، الخطوة، واصفا إياها بأنها “إرهابًا مُقنّعًا”، وقال مسؤول أوروبي: “ربما كان الهدف مشروعًا، لكن الوسيلة غير أخلاقية”.

ترسانة حزب الله الصاروخية

ترسانة حزب الله الصاروخية

الأبعاد الأخلاقية والقانونية

أعربت جهات أمنية عن قلقها من إمكانية استخدام أساليب مشابهة من أطراف غير حكومية مثل الجماعات الإرهابية، مما قد يشكل تهديدًا خطيرًا على الأمن العالمي، أكد محللون أن نجاح أي عملية عسكرية أو استخباراتية يجب أن يرتبط بتقليل الخسائر المدنية.

في هذا السياق، وصف خبير قانوني العملية بأنها “غير متناسبة”، مشيرًا إلى تجاوزها الحدود المقبولة دوليًا. ويرى بعض المسؤولين أن العمليات من هذا النوع قد تكون مبررة في سياق مواجهة تهديدات وجودية، لكنها تثير إشكاليات أخلاقية إذا أدت إلى استهداف مدنيين.

سوابق إسرائيلية في التكتيكات الخاصة

العملية ليست الأولى من نوعها، فقد نفذت إسرائيل في العقود الماضية عمليات مماثلة مثل تفجير هواتف مفخخة وأجهزة إلكترونية استُخدمت لاستهداف شخصيات بارزة.

وبينما كانت العمليات السابقة محدودة في تأثيرها، يمثل تفجير أجهزة النداء الآلي نقلة نوعية من حيث الحجم والضرر، ما يجعلها واحدة من أكثر العمليات تأثيرًا في تاريخ الصراعات السرية.

استراتيجية إسرائيل

تعتمد إسرائيل بشكل متزايد على العمليات الاستباقية والاستخباراتية لضمان أمنها. وقد نفذت آلاف العمليات خلال العقدين الماضيين، مما يعكس نهجًا صارمًا يتجاوز المعايير الغربية التقليدية. وبينما أبدى بعض الحلفاء الغربيين إعجابهم بجرأة العملية، عبّر آخرون عن قلقهم من تجاهل إسرائيل للأضرار البشرية المترتبة على هجماتها.

فيما أوضح مسؤولون أن العملية كشفت ضعفًا جوهريًا في سلاسل الإمداد العالمية، حيث يمكن استغلال التكنولوجيا الحديثة لتنفيذ هجمات مدمرة. فقد برزت العملية كمثال على تحول التكنولوجيا إلى سلاح هجومي، مما يفرض على الدول التفكير بجدية في سبل حماية بنيتها التحتية.

تطور في أساليب التخريب

تُعد العمليات التخريبية عبر سلاسل الإمداد جزءًا من تاريخ طويل للاستخبارات، بدءًا من الحروب القديمة التي استخدم فيها الجواسيس السم للتأثير على إمدادات المياه، وصولاً إلى العمليات الحديثة مثل تلك التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) خلال الحرب الباردة.

و أشار المؤرخ كالدر وولتون إلى أن الحروب الباردة كانت قد شهدت تدخلات ضخمة في سلاسل الإمداد، مثل إدخال رقائق معيبة في سلاسل إمداد السوفييت. لكن، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن تُستخدم التقنيات الحديثة لتكرار هذه العمليات على نطاق أوسع؟

هل هذا النوع من العمليات مبرر؟

يبقى السؤال الأهم فيما إذا كانت هذه الأنواع من العمليات قد تصبح معيارًا عالميًا في وقت لاحق، أم أنها ستبقى محصورة في نطاق الدول التي تواجه تهديدات وجودية مثل إسرائيل.

وفي النهاية، قد يُعتمد على الظروف الميدانية لتحديد ما إذا كانت هذه العمليات مبررة أو حتى مقبولة.

ربما يعجبك أيضا