أصبحت الصين والهند من بين القوى الصاعدة المتنافسة على النفوذ عالميًّا، ومع تراجع الهيمنة الغربية، تعمل كلا الدولتين على تعزيز أجندات متميزة ولكنها مؤثرة عالميًا، وتستفيدا من نقاط قوة فريدة تشكل التحالفات والمؤسسات العالمية.
وتتجه كلا من بكين ونيو دلهي نحو إفريقيا في محاولة كل منهما لبسط نفوذه السياسي والاقتصادي والتكنولوجي في القارة السمراء، فأي البلدين لديه القدرة الأفضل على دعم تطلعات إفريقيا التنموية؟
تنافس حول إفريقيا
بالنسبة للدول الإفريقية، حيث التنمية وسيادة صنع القرار هي المفتاح، فإن الاختيار بين الصين والهند كزعيمين للجنوب العالمي مؤثر، فكل منهما يقدم مزايا وتحديات لها آثار على مستقبل إفريقيا، ورغم أن منهما لم يعلن رسميًا عن سعيه إلى هذه الزعامة، فإن أفعالهما وتصريحاتهما تشير إلى النية.
ولكن دور الهند في الدفع نحو التعاون بين دول الجنوب في المنتديات الدولية، والدعوة إلى تمثيل أكثر عدالة في الحوكمة العالمية، يتماشى مع رؤيتها القيادية، بينما تسلط الدبلوماسية الحازمة للصين، واستثماراتها المتزايدة في مشاريع البنية التحتية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، الضوء على مطالبة بالزعامة متجذرة في النفوذ الاقتصادي.
وأوضح معهد الدراسات الأمنية الإفريقي أن المنافسة تتغذى من سرديات في مجتمع السياسة الخارجية ومراكز الفكر في كل دولة، والتي ترى في الانحياز الديمقراطي للهند والنجاح التنموي للصين نموذجين متنافسين للجنوب العالمي، ويؤكد كلا البلدين على تضامنهما مع الدول النامية، ويضعان نهجيهما كحلول لاحتياجات الدول النامية.
البنية الأساسية ونقل التكنولوجيا
قال المعهد، في تقرير نشره، اليوم الخميس 7 نوفمبر 2024، إن نهج التنمية في الهند يتركز على رأس المال البشري ونقل التكنولوجيا، لافتًا إلى أن تجارب الهند مع سكانها المتنوعين تمكنها من الاستجابة بفعالية لاحتياجات إفريقيا المتنوعة، ما قد يوفر نماذج قابلة للتطوير للدول الإفريقية التي تواجه تحديات مماثلة.
وعزز هذا السياق مكانة الهند في الجنوب العالمي، حيث تنظر الدول الأفريقية بشكل متزايد إلى الهند باعتبارها تمثل مصالحها الجماعية. إن قدرة الهند على موازنة العلاقات مع القوى الغربية وغير الغربية تجذب الدول الأفريقية التي تبحر في جيوسياسية معقدة مماثلة.
ولفت إلى أن الموارد المالية المحدودة للهند مقارنة بالصين تشكل تحديات في توسيع نفوذها عبر إفريقيا، فالقضايا المحلية، مثل تخفيف حدة الفقر وتطوير البنية الأساسية، تحد من قدرة الهند على إعطاء الأولوية لإفريقيا بشكل ثابت، كما يثير عدم وجود قمة منتدى الهند وإفريقيا منذ عام 2015 تساؤلات حول التزام الهند على المدى الطويل.
قوة الصين الاقتصادية
تعزز القوة الاقتصادية للصين من كونها زعيمة عالمية في الجنوب، وخاصة من خلال مشاريع البنية الأساسية التي تلبي الاحتياجات العاجلة، فالعجز الهائل في البنية الأساسية في إفريقيا، في النقل والطاقة والاتصالات، يجعلها شريكًا حريصًا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، والتي أحدثت تأثيرًا واضحًا في جميع أنحاء القارة.
وتضيف إنجازات الصين في الحد من الفقر، التي ينظر إليها العديد من الدول الإفريقية كنموذج للتحول الاقتصادي، إلى جاذبيتها، فموقف الصين بشأن عدم التدخل يتماشى مع تفضيل القادة الأفارقة للسيادة، وغالبًا ما تجد الدول الإفريقية الحذرة من الشروط الغربية أن نهج الصين منعش.
وذكر تقرير المعهد أن إنشاء الصين لمؤسسات عالمية بديلة، مثل مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي، يقدم للدول الإفريقية خيارات تتجاوز الأطر التي يقودها الغرب، فالبراعة التكنولوجية التي تتمتع بها الصين، تقدم إمكانات تحويلية للاقتصادات الإفريقية، وتوفر مشاركة البلاد في مجال الاتصالات البنية الأساسية الرقمية بأسعار معقولة اللازمة للتنمية الاقتصادية.
أولويات القارة وقيمها
قال المعهد في تقريره إن الاختيار بين الصين والهند، بالنسبة لإفريقيا، يعتمد كزعيمين للجنوب العالمي على أولويات القارة وقيمها، فأوراق اعتماد الهند هي الديمقراطية، ونموذج التنمية، والشراكات القائمة على الثقة جذابة، وكذلك دورها المتنامي كصانع جسور بين الشمال والجنوب، وخاصة بين الدول الإفريقية التي تسعى إلى السيادة في شراكاتها.
وعلى عكس ذلك، تأتي القوة المالية للصين، والتنمية السريعة للبنية الأساسية، ونهج عدم التدخل لتجعلها شريكًا حيويًا، وخاصة للدول التي تواجه احتياجات التنمية الفورية، ورغم ذلك تحد المخاوف بشأن استدامة الديون والنهج الاستبدادي للصين من جاذبيتها كزعيم طويل الأمد.
نهج متوازن
قد يكون التقارب الأخير بين رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، والرئيس الصيني، شي جين بينج، على هامش قمة البريكس علامة إيجابية، رغم تشكك المحللين إزاء للتوترات الجوهرية، ومن الممكن أن تسمح علاقة أكثر تعاونًا لمجموعة البريكس بدعم إفريقيا باستمرار، ومعالجة البنية الأساسية وتنمية رأس المال البشري مع تعزيز الجنوب العالمي الأكثر تماسكًا.
ومن خلال التعامل مع كل من الصين والهند، تستطيع إفريقيا بناء نهج متوازن ومتنوع للتنمية يقلل من الاعتماد على شريك واحد، ويسمح هذا الارتباط المزدوج للدول الأفريقية بالاستفادة من موارد الصين لتلبية الاحتياجات العاجلة للبنية الأساسية مع الاستفادة من مبادرات الهند التي تركز على الناس وتعزز المهارات والاستقلال.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2038275