جلوبال ريسك انسايتس | تهديدات متعددة.. ما هي حالة الوضع الأمني في غرب أفريقيا؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

في السنوات الأخيرة, كانت غرب أفريقيا تُعدّ واحة للاستقرار النسبي في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، غير أن هذه المنطقة تواجه حشدًا من التهديدات التي يمكن من خلالها أن يبدأ عصر جديد من انعدام الأمن. لقد أقلق الارتفاع في الإرهاب الإسلاموي والعنف بين الطوائف حكومات المنطقة ودفعها إلى حافة الانهيار، كما تهدد القضايا المستمرة المتعلقة بالإتجار في المخدرات وقوات الأمن الفاسدة  بقلب ما يشبه الاستقرار السياسي.

شهد غرب أفريقيا ارتفاعًا في التهديدات الأمنية في السنوات الأخيرة، فقد واجه أمن غرب أفريقيا تحديات في الأشهر الماضية, حيث واجهت دول بوركينا فاسو ومالي ونيجيريا ارتفاعًا في العنف الإسلاموي وبين الطوائف، وينتشر العنف إلى غرب أفريقيا الساحلية, وهي منطقة كانت لسنوات بمنأى عن التهديدات الأمنية المعقدة التي هيمنت على منطقة الساحل هذا العقد.

وبالإضافة إلى الإرهاب الإسلاموي والعنف بين الطوائف, صارعت المنطقة لفترة طويلة مع الإتجار في المخدرات وقوات الأمن المتعسفة.. تلك القضايا متشابكة بصورة متزايدة, ما ينتج عنه مصفوفة تهديدات معقدة والتي دفعت الحكومات في المنطقة إلى حافة الهاوية، وسوف يحتاج الحل لأن يكون شاملًا في نطاقه، ويتحتم على القادة في المنطقة, وكذلك أيضًا الشركاء الدوليين, أن يُلقوا نظرة شاملة على التهديدات الأمنية في المنطقة، حينها فقط سيستطيعون تطوير حلول فعالة وتهيئة مناخ سلمي مستدام.

الإرهاب الإسلاموي
كانت مالي ملاذًا للخلايا الإرهابية في غرب أفريقيا لسنوات؛ حيث برزت جماعات مثل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على الساحة عقب ثورة الطوارق في 2012. وفي حين أن الثورة تم إحباطها في النهاية بمساعدة قوات فرنسية, بيد أن الحكومة عجزت عن بسط سيطرتها خارج العاصمة والمناطق المحيطة بها. ومنذ الثورة وانعدام الأمن الناتج عنها, استخدمت عدة جماعات, ومن ضمنها جماعة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية, مالي كقاعدة لشن الهجمات على دول الجوار. 

أصبحت بوركينا فاسو هدفًا مفضلًا لهذه الجماعات، فيما باتت الهجمات المميتة سمة معتادة في الدولة منذ 2015, عقب خلع الحاكم المخضرم بليز كومباوري، ووسّعت الجماعات الإسلاموية مثل أنصار الإسلام عملياتها في البلاد, وسيطرت بفاعلية على مناطقها الشمالية والشرقية.

كانت الحكومة المتمركزة في واجادوجو قد أهملت هذه المناطق لفترة طويلة، وتستهدف الهجمات الطوائف المسيحية, التي عاشت لسنوات في تناغم سلمي مع جيرانها المسلمين، كما أجبرت النجاحات المتصاعدة للجماعات الإسلاموية رئيس الوزراء وحكومته على التخلي عن السلطة في وقت سابق من هذا العام، فقد بات الوضع في بوركينا فاسو قاتمًا لدرجة أن جيرانها توجو وغانا وبنين وكوت ديفوار في حالة تأهب قصوى وربما تسلل إليها إرهابيون بالفعل. 

العنف بين الطوائف
أشعلت الهجمات المتواصلة للجماعات الإسلاموية التوترات بين الطوائف في مالي وبوركينا فاسو، فيما خلّفت الهجمات الانتقامية المتصاعدة بين قبيلتي الدوجون والفولاني في وسط مالي مئات القتلى منذ بداية هذا العام. ووصل العنف بين هاتين القبيلتين إلى مستوى محموم في مالي لدرجة أن رئيس الوزراء وحكومته استقالوا, مستشهدين بفشلهم في نزع السلاح عن القبائل. وساعدت الجماعات الإسلاموية في إشعال توترات كانت تغلي ببطء منذ فترة طويلة حول نزاعات على الأرض بين الدوجون المستوطنين والفولاني الرحالة، فيما اتهم أعضاء قبيلة الدوجون قبيلة الفولاني, ذات الأغلبية المسلمة, بإيواء إسلامويين. هذا العنف وانعدام الأمن خدموا في زيادة نفوذ الإسلامويين عن طريق زرع الشك بين القبيلتين، أما الإسلامويون فيأملون في تصوير أنفسهم على أنهم الحماة الحقيقيون للفولاني، وتتكشف حركيات مماثلة في وسط بوركينا فاسو, في ظل حدوث اشتباكات بين الفولاني وجماعات عرقية أخرى, مثل الموسى. 

تجارة المخدرات
في حين أن الإرهاب الإسلاموي والعنف بين الطوائف هيمنوا على العناوين الرئيسية في الأشهر الأخيرة, تواصل غرب أفريقيا الصراع مع تجارة المخدرات غير المشروعة؛ حيث كانت المنطقة لفترة طويلة مركزًا رئيسيًا لتهريب المخدرات من أمريكا الجنوبية وآسيا إلى أوروبا.

غينيا بيساو, التي اعتبرتها الأمم المتحدة دولة مخدرات, تأثرت بتجارة المخدرات، وتمت مصادرة كوكايين في غينيا بيساو والرأس الأخضر هذا العام فقط أكثر من الكمية الإجمالية التي تمت مصادرتها في القارة في الفترة بين 2013 و2016. وتُعد غانا, وهي واحدة من الديمقراطيات الأكثر استقرارًا في القارة, وجهة مفضلة للمنتجين الجنوب أمريكيين. 

وبالإضافة إلى تأثيرها المزعزع للاستقرار, باتت تجارة المخدرات في غرب أفريقيا مربحة جدًا؛ لدرجة أن الجماعات الإرهابية الإقليمية أصبحت تشارك فيها. وعلى الرغم من أنهم ليسوا منتجين, إلا أن جماعات مثل بوكو حرام والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تستعين عصابات المخدرات بها للمساعدة في مراحل مختلفة من عملية الإتجار، ويأتي التعويض في صورة أموال أو سلاح. 

قوات الأمن المتعسفة
وفي حين أن انعدام الأمن في المنطقة تُسببه جهات فاعلة من غير الدول مثل الخلايا الإرهابية, والميليشيات العرقية, والعصابات الإجرامية, أضعفت الحكومات في المنطقة شرعيتها وأمنها الإقليمي بفضل قوات الأمن المتعسفة. في بوركينا فاسو, ارتكبت قوات مكافحة الإرهاب, في حملتها لإعادة فرض السيطرة على المناطق الشمالية للبلاد, انتهاكات لحقوق الإنسان، ويمكن قول الشيء نفسه عن نيجيريا, حيث يُزعم أن الجيش ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حملته ضد بوكو حرام، كما كانت هناك انتهاكات موّثقة ارتكبتها الشرطة في بنين وتوجو خلال اشتباكات مع متظاهرين موالين للديمقراطية. وردًا على انتخابات معيبة جرت في شهر أبريل, قتلت الشرطة عدة متظاهرين في بنين، وأعقبت حالات القتل هذه موجة من الاعتقالات التعسفية التي استهدفت مسئولي المعارضة ومؤيديهم. 

وفي وقت مبكر من هذا الشهر, مرر المجلس الوطني الغيني قانونًا يسمح لقوات الأمن بإطلاق النار على أي شخص يُعدّ تهديدًا وشيكًا دون عقاب، ويقلق مناصرو حقوق الإنسان من أن القانون الجديد سيُستخدم لقمع المحتجين مستقبلًا على سعي الرئيس لتعديل الدستور والاستمرار لمدة ثالثة. 

نظرة مستقبلية
الإرهاب الإسلاموي, والعنف بين الطوائف, وتجارة المخدرات, فضلًا عن قوات الأمن المتعسفة.. هي بعض المشكلات التي تواجهها حكومات غرب أفريقيا. الإتجار بالبشر والعبودية, لا سيما في موريتانيا, بالإضافة إلى الفساد المستوطن, والعنف الانتخابي, والخطف, يمثلون تهديدات حادة للاستقرار في المنطقة. والكثير من هذه التهديدات تتلاشى بالمقارنة مع الخطر الدائم الذي تشكله أزمة المناخ المستمرة التي ساهمت في انعدام الأمن الغذائي في المنطقة. وفي دول كثيرة, الفساد مربح لرجال السياسة والمسئولين الآخرين, ما يعيق الجهود الرامية إلى الإصلاح. ويمكن قول الشيء نفسه عن تجارة المخدرات, حيث تتخطى الأرباح من السوق غير الشرعية التجارة القانونية بكثير.

وحتى الآن, كانت المحاولة الأكثر طموحًا لاستعادة الأمن في المنطقة هي القوة المشتركة لدول الساحل الخمس، ومجموعة دول الساحل الخمس هي تحالف عسكري بين بوركينا فاسو, والتشاد, ومالي, وموريتانيا, والنيجر. إنها مكلَّفة بالتعامل مع الشبكات الإرهابية والإجرامية التي تجوب المنطقة. ومؤخرًا, تولت قضية تضييق الخناق على العنف بين الطوائف، لكن مع الأسف, واجهت مجموعة دول الساحل الخمس عجزًا مزمنًا في التمويل وتعطيلات أخرى, ما أضعف جهود استئصال هذه التهديدات الخطيرة، ومن دون الإرادة السياسية والمؤسسات الديمقراطية الفاعلة, من المرجح أن يواصل الوضع الأمني في غرب أفريقيا التدهور في المستقبل القريب.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا