حرب خارج العصر.. لماذا تفشل استراتيجية الحوثي العسكرية؟

إسراء عبدالمطلب

تتصاعد التطورات في منطقة الشرق الأوسط بشكل متسارع، مع تداخل الملفات السياسية والعسكرية بين قوى إقليمية ودولية.

وفي قلب هذه التوترات، تبرز جماعة الحوثيين في اليمن كلاعب رئيس داخل محور المقاومة المدعوم من إيران، وبينما تسعى الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منذ عودته إلى البيت الأبيض، إلى تغيير قواعد اللعبة عبر حملة عسكرية غير مسبوقة ضد الحوثيين، تحاول إيران أن تنأى بنفسها عن التورط المباشر في تصرفات وكلائها.

خامنئي يتنصل من الحوثي

خامنئي يتنصل من الحوثي

تصريحات المرشد الإيراني والتنصل من الحوثيين

حسب وكالة أنباء رويترز، قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، الجمعة 21 مارس 2025، إن طهران لا تحتاج إلى وكلاء في المنطقة، وإن الحوثيين في اليمن، وهم من بين الجماعات التي تتحالف معها إيران في الشرق الأوسط “يتصرفون بشكل مستقل”.

وجاء تنصّل خامنئي من الحوثيين بعد أن هدد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الاثنين 17 مارس 2025، بأنه سيحمل إيران مسؤولية أي هجمات تنفذها جماعة الحوثي اليمنية، وذلك في الوقت الذي وسعت فيه إدارته أكبر عملية عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط منذ عودته إلى البيت الأبيض، وعلى مدى سنوات، تحالفت إيران مع جماعات في أنحاء المنطقة تصف نفسها بأنها “محور المقاومة” لإسرائيل والنفوذ الأمريكي.

الحوثيون في محور المقاومة وتراجع حماس وحزب الله

حسب مقال لمجلة فورين بوليسي، الأربعاء 19 مارس 2025، فإنه في حين تآكلت القوة القتالية والترسانة العسكرية بشكل كبير لوكلاء إيران في ما يسمى بمحور المقاومة، مثل حماس وحزب الله، منذ الهجوم على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، نجت حركة الحوثيين من مصير مماثل دون أن يلحق بها أذى يُذكر.

ومنذ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن بين إسرائيل وحماس في يناير، ظل الحوثيون على أهبة الاستعداد كمراقبين للاتفاق، محتفظين بنفوذ لاستئناف العنف في الوقت الذي يختارونه، وفي 11 مارس، أعلن الحوثيون أن الجماعة ستستأنف هجماتها في البحر الأحمر ردًا على منع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.

سقوط مشروع طائفي خارج الزمن

يرى المحلل السياسي، الدكتور محمد العرب، أن الحوثي يخوض حربًا خارج سياق العصر، معتمدًا على سردية طائفية وأدوات تقليدية عفا عليها الزمن، دون امتلاك فكر الدولة أو مقومات المؤسسات. يعيش في عزلة مجتمعية وثقافية، ويفرض سطوته بالإكراه والخوف، وهي معادلة لا يمكن أن تستمر طويلاً، وفي وقت تتطور فيه الحروب بتقنيات حديثة وذكاء اصطناعي، ما زال الحوثي يقاتل بعقليات وأدوات بدائية، مما يجعله غير قادر على مجاراة التحولات.

WhatsApp Image 2025 03 24 at 5.49.31 PM

ويرفض المجتمع اليمني بطبيعته فرض النموذج الحوثي، الذي حاول استنساخ تجربة إيران في بيئة ترفض ذلك، مما خلق تناقضات ستؤدي إلى انهياره. إضافة لذلك، يعاني الحوثي من اقتصاد هش قائم على النهب والابتزاز، ومن فقدان الشرعية الأخلاقية بسبب ممارساته الإجرامية بحق المدنيين، وهو ما يعمّق كراهيته في المجتمع، وفي المقابل تتنامى المقاومة ضده بشكل منظم ووطني، والداخل الحوثي يتآكل بفعل الصراعات الداخلية وفقدان الروح المعنوية.

ودوليًا، أصبح الحوثي يُنظر إليه كذراع إقليمي خطير، وليس طرفًا يمنيًا، مما يجعله عرضة لضغوط متزايدة. الانقسامات الداخلية بين قادته تتفاقم، وستؤدي لانفجارات وشيكة. الأهم أن الحوثي يزرع اليوم كراهية ستنقلب عليه لاحقًا، ولا يدرك أن اللحظة الحالية ليست مؤشر انتصار دائم. المستقبل ليس في صالحه، وزمنه محدود، وسيبقى مجرد مرحلة عابرة قبل عودة اليمن الحقيقي.

التوازن غير المتكافئ

وفقًا لـ”فورين بوليسي”، يبدو أن الولايات المتحدة قررت أن تستهدف هذا التوازن غير المتكافئ بسلسلة من الغارات الجوية المكثفة التي قد تمتد إلى الأسابيع المقبلة، ويمثل التحول في السياسة الأمريكية في ظل إدارة ترامب، من الضربات الموجهة إلى حملة أوسع نطاقًا وأكثر شراسة، تصعيدًا استثنائياً.

ويعكس هذا التغيير موقفًا متشددًا ضد الحوثيين، يتجاوز مجرد احتواء خطرهم إلى تعطيل لقدراتهم، ويشير قرار استهداف القيادة السياسية إلى جانب الأصول العسكرية إلى رغبة في تفكيك الهيكل التنظيمي للحوثيين، وليس فقط إضعاف التهديد العسكري الذي يشكلونه.
أهداف استراتيجية.

ما الذي يمكن أن تُحققه الضربات الأمريكية؟

في أوائل مارس، أعادت وزارة الخارجية الأمريكية تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، وفرضت عقوبات على وكلاء ماليين رئيسيين، بمن فيهم المتحدث باسم الحوثيين وكبير المفاوضين، محمد عبدالسلام.

وكان عبدالسلام، الذي يُسيطر على تكتل نفطي، وكان يحتكر سابقًا واردات النفط إلى شمال اليمن، وفقًا لمصادر يمنية، قد انخرط في فترة محادثات متواصلة بدأت في نهاية أبريل 2022 مع السعوديين داخل عُمان. وتشير تقارير مفتوحة المصدر إلى أن المحادثات بدأت في أكتوبر.

الاضطرابات الحوثية في البحر الأحمر

من خلال تنفيذ الضربات، تدعم الولايات المتحدة مصالح حلفائها الإقليميين الذين يواجهون مشاكل ناجمة عن استمرار سياسات الحوثيين المسلحة وتحريضهم على الحرب في اليمن عبر حدودها، وكانت مصر الأكثر تضررًا من الاضطرابات الحوثية في البحر الأحمر، حيث خسرت ما يصل إلى 7 مليارات دولار من عائداتها عبر قناة السويس مع تجنب السفن هجمات الحوثيين في عام 2024.

وخلال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في غزة، التزم الحوثيون بوعدهم بعدم مهاجمة السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي أو غيرها من السفن التجارية في البحر الأحمر، لكن انهيار اتفاق وقف إطلاق النار يُعيد حشد الحوثيين لاستهداف إسرائيل مباشرةً، وهو ما فعلوه في الماضي من خلال الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، على الرغم من اعتراض جميعها تقريبًا.

زعزعة الاستقرار الإقليمي

تسعى الضربات الأمريكية، التي تهدف إلى شلّ قدرات كبار قادة الجماعة وتدمير بنيتها التحتية العسكرية، إلى منع الحوثيين من اتخاذ إجراءات انتقامية، كما سمح تركيز الحوثيين على الهجمات البحرية لهم بتهديد خصومهم السياسيين في المجلس القيادي الرئاسي اليمني.

ويُشكل احتمال سيطرة الحوثيين على اليمن خطرًا على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، إذ سيمنح إيران إمكانية الوصول إلى المنطقة الساحلية المرغوبة في البلاد، وميناء الحديدة الاستراتيجي، وحدودها مع المملكة العربية السعودية، مما قد يؤدي إلى استخدام اليمن كمنصة انطلاق لزعزعة الاستقرار الإقليمي.

هل الحوثيون هم حزب الله القادم؟

العامل المُعقّد هو أن الحوثيين أكثر بكثير من مجرد مجموعة من البلطجية أو جيش من قطاع الطرق. بل إنهم، كحركة حكم متمردة، يسيطرون على اقتصاد حرب يُتيح لهم الاستفادة من التهريب غير المشروع للسلع التي تتراوح من الوقود إلى السجائر، بينما يحصلون على عائدات الضرائب ورسوم الطوابع الضريبية ككيان أشبه بالدولة بحكم الأمر الواقع في صنعاء وشمال اليمن، حيث يدّعون السلطة السياسية.

وقد تُضعف حملة عسكرية أمريكية مُستمرة قبضة الحوثيين على موانئ اليمن وشبكات التهريب التي تُتيح لهم الاتجار بالسلع غير المشروعة، وشراء المكونات ذات الاستخدام المزدوج، وضمان استمرارهم.

إعادة تعبئة

في السنوات الأخيرة، عُرف عن مسؤولين رفيعي المستوى في حزب الله والحرس الثوري الإسلامي الإيراني دعمهم للحوثيين بالتدريب الفني وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وفي أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا في ديسمبر، رصد بحث أمريكي اتجاهًا تصاعديًا في انتقال قادة ومقاتلي حزب الله السابقين المتمركزين في لبنان وسوريا، بالإضافة إلى الميليشيات الشيعية من العراق، إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.

ووفقًا لتقييمات أمنية، يُعدّ النشاط العابر للحدود عبر محور لبنان-سوريا-العراق باتجاه اليمن جزءً من اتجاه لإعادة التعبئة وإعادة تنظيم الصفوف، مع تراجع نفوذ حزب الله وحماس. للحوثيين وجودٌ في العراق، من خلال مكتب في بغداد ومكاتب أصغر في كركوك وجنوب العراق، ورغم صعوبة تأكيد ذلك، فقد أبلغت مصادر سرية داخل العراق أن مقاتلي الحوثي يستخدمون معسكر تدريب في بلدة الخالص، ديالى، في منطقة تسيطر عليها كتائب حزب الله.

شراكة انتهازية مع حركة الشباب

تشير مقابلات إلى أن بعض الأفراد العسكريين من قوات الحشد الشعبي (الهيكل شبه العسكري الشيعي المدعوم من إيران) قد نُشروا خلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة الماضية في اليمن لتدريب المقاتلين المحليين على تقنيات القتال، ونشر الطائرات المسيرة، وشن هجمات بالعبوات الناسفة.

ويُحسّن هذا التداخل بين مجموعات المحور القدرات العسكرية للحوثيين وتكتيكاتهم العملياتية، ويُمكّنهم من مواصلة تشكيل تهديدٍ حقيقي ضد ممرات الشحن البحري، لقد تحول ميزان القوى على طول المحور الإيراني لصالح الحوثيين في اليمن، الذين برزوا كأكثر الجماعات المسلحة غير الحكومية تسليحًا وتمويلًا، متحالفةً مع إيران في المشهد الأمني ​​الجديد، عقب تراجع قدرات حزب الله الدفاعية والهجومية.

وبعيدًا عن النفوذ الإيراني المباشر، انخرط الحوثيون أيضًا في شراكة انتهازية مع حركة الشباب، الفرع الصومالي لتنظيم القاعدة، وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، إن وقوع الضربات الأمريكية الآن، وبهذه الشدة، دليلٌ على هذا التضافر بين الجهات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة.

التراجع.. التعافي.. أم الحسم؟

بينما تراجع حزب الله لإعادة بناء قدراته العسكرية، أبدى الحوثيون عزمهم على التصعيد، موجهين إنذارات نهائية لإسرائيل، ومندفعين لتعزيز قبضتهم على السلطة في الداخل. يرى الحوثيون أنفسهم يلعبون الدور الذي لعبه حزب الله سابقًا.

وفي الوقت نفسه، زاد الحوثيون من وجودهم في العراق، حيث انضم أعضاؤهم إلى الميليشيات الشيعية العراقية. كما نقل الحوثيون بعض عملياتهم من اليمن إلى العراق، وأنشأوا، بالإضافة إلى الارتباط بشركات وهمية قائمة، للاستفادة من النظام المالي العراقي الذي يعمل بناءً على مصالح إيران.

الساحل الغربي

سيطرة الحوثيين على طول الساحل الغربي لليمن هي ما يجعل الهجمات أكثر حسمًا وتدميرًا، ويتفق معظم المراقبين على أن شن عملية برية من قبل القوات الأمريكية أمر مستبعد للغاية، مما يعني وجود قيود واضحة على مدى ما يمكن للولايات المتحدة تحقيقه بالوسائل العسكرية وحدها.

إن سيطرة الحوثيين على جزء كبير من اليمن والتضاريس الجبلية تجعلهم قادرين على استيعاب حملة جوية. ومع ذلك، إذا استمرت هذه الهجمات بنفس الوتيرة لفترة طويلة، فسيحفز ذلك خصوم الحوثيين على البدء في استغلال خسائرهم وعدم قدرتهم على تحريك قواتهم بحرية بين خطوط المواجهة المختلفة.

القوة المفرطة

الصراع في اليمن في حالة جمود، لكن الحوثيين لم يوقعوا أي اتفاق مع خصومهم المحليين، كما ظهرت مظالم محلية خلال العامين الماضيين، والتي تمكن الحوثيون من قمعها باستخدام القوة المفرطة، كما أن الضغط الاقتصادي الذي يواجهه الحوثيون سيجعل من الصعب عليهم حشد المقاتلين وتمويل جولة جديدة من الصراع.

ويدرك الحوثيون أنهم في وضع غير مواتٍ حاليًا، لكنهم يعولون على فقدان الولايات المتحدة اهتمامها على مدار حملة عسكرية مطولة. بعبارة أخرى، فإن محدودية أمريكا هي ما سيعتمد عليه الحوثيون لتجنب انهيار مماثل لنظام الأسد وحزب الله.

ربما يعجبك أيضا