منذ تولي الرئيس عبدالمجيد تبون فترة رئاسته الثانية، شهدت الجزائر نهجًا دبلوماسيًا نشطًا يرتكز على مبادئ عدم التدخل واحترام سيادة الدول، مما عزز من مكانتها كوسيط موثوق في حل الأزمات الإقليمية.
ومطلع الأسبوع الجاري، أجرى الرئيس الجزائري جولة عربية شملت مصر وعمان من أجل مناقشة القضايا الإقليمية، وبحسب الخبراء تُعد تلك التحركات بداية جزائرية لممارسة دور إقليمي أوسع.
دبلوماسية إقليمية وعربية
تجلى الدور الجزائري من خلال مشاركتها الفاعلة في حل النزاعات في دول الجوار، مثل ليبيا ومالي، بالإضافة إلى جهودها الدائمة لدعم القضايا العربية والإفريقية، وتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي مع دول المنطقة، ويعكس هذا الدور الريادي رؤية القيادة الجزائرية لبناء علاقات قائمة على الحوار والتفاهم، والإسهام في بناء مستقبل مستقر ومزدهر لشعوب المنطقة.
في السياق يقول أستاذ العلوم السياسية الجزائري، الدكتور محمد سي بشير، إن بلاده تلعب دورًا نشطًا وحيويًا في محيطها المغاربي والعربي، وكذلك في عمقها الإفريقي، ويعزو هذا الدور إلى مكانة الجزائر ضمن الدول الرئيسية في المنظمات الدولية والإقليمية، إضافة إلى دبلوماسيتها الفعالة التي تركز على الوساطة بين الأطراف المتنازعة في الأزمات التي ترى الجزائر نفسها معنية بها ومهتمة بحلها.
ويُضيف أستاذ العلوم السياسية، خلال تصريحاته الخاصة لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، أن التدخلات الجزائرية شملت العديد من الملفات الساخنة، مثل دعم القضية الفلسطينية، والقضايا اللبنانية، إضافة إلى مناصرتها القوية للقضايا العادلة مثل قضية الصحراء الغربية، واستفادت الجزائر من عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن لتعزيز موقفها، حيث سلطت الضوء على معاناة غزة والاعتداءات الوحشية التي يشنها الكيان الصهيوني، كما أدانت الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، داعية إلى اتخاذ قرارات فعّالة لوقف العدوان.
تعزيز العلاقات الإقليمية
يُشير سي بشير، إلى أن الدور الجزائري برز بشكل واضح في محيطه الإقليمي، معتمدًا على التعاون مع القوى الفاعلة في المنطقة، ويأتي في هذا السياق زيارة المسؤولين الجزائريين إلى مصر وسلطنة عمان، وهي زيارات تؤكد سعي الجزائر لتعزيز هذا الدور، وتنسيق الجهود مع الدول المؤثرة لتحقيق فاعلية أكبر في التحرك والتدخل والوساطة.
ويختتم أستاذ العلوم السياسية، قائلًا: “الجزائر تمتلك أدوات عديدة تمكنها من لعب دور فعال في السياسة الإقليمية والدولية، أبرزها خبرتها الدبلوماسية العريقة، بالإضافة إلى ذلك، تستخدم الجزائر بعض أدوات الضغط، مثل دورها المحوري في منتدى الدول المصدرة للغاز ومنظمة أوبك، حيث تعمل جنبًا إلى جنب مع دول فاعلة مثل الإمارات والسعودية وقطر وروسيا”.
التقارب والتهدئة
من جانب آخر، يقول المحلل السياسي المتخصص في الشأن الدولي، الدكتور أحمد العناني، إن الجزائر تُعتبر دولة محورية في شمال إفريقيا، حيث تؤثر وتتأثر بشكل كبير بأوضاع المنطقة، سواء من النواحي الاقتصادية أو السياسية، ورغم أنها ليست دولة مجاورة لغزة، إلا أنها تلعب دورًا فاعلًا في إقليمها، حيث تقع بالقرب من تشاد وليبيا، مما يجعلها متأثرة بالصراعات الإقليمية، خصوصًا في منطقة الساحل والصحراء، إلى جانب بقية دول شمال إفريقيا.
وأوضح العناني، خلال تصريحاته الخاصة لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، أن الجزائر تبنت سياسة تهدئة وحل الأزمات سلميًا، لا سيما منذ بداية فترة حكم الرئيس الجزائري الحالي، والتي استمرت حتى الدورة السابقة، وتأتي هذه السياسة متوافقة إلى حد كبير مع القيادة السياسية المصرية، وهو ما ظهر جليًا في المؤتمر الصحفي الذي تناول كيفية وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ودور الحوار والمنصات الدبلوماسية في حل الأزمات.
النظرة الجزائرية للقضية اللبنانية
يؤكد العناني أن للجزائر موقفًا مهمًا تجاه لبنان، نظرًا لوجودهما على البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى الروابط القوية التي تجمع الجزائر بفرنسا، وهي دولة فاعلة في الشأن اللبناني.
ولفت المحلل السياسي المتخصص في الشأن الدولي، إلى أن الجزائر تواصل السعي لحل القضايا الإقليمية، ليس فقط فيما يتعلق بغزة ولبنان، ولكن أيضًا في القضايا الإفريقية؛ ورغم التوتر مع المغرب بشأن قضية الصحراء الغربية، تبذل الجزائر جهودًا لحل النزاعات في المنطقة. وتعد الجزائر من الدول الرائدة في مكافحة الإرهاب، حيث عانت في التسعينيات من موجة إرهاب مماثلة لما شهدته مصر، وبفضل جيشها القوي وقيادتها السياسية، تواصل مكافحة الإرهاب في مناطق الساحل والصحراء.
توسيع العلاقات الإقليمية والدولية
ويُضيف الدكتور العناني أن الجزائر تعمل على تعزيز علاقاتها الإقليمية، خاصة مع دول مثل مصر، وتسعى جاهدة لحل الأزمات والمشكلات. كما انفتحت بشكل أكبر على القارة الأوروبية ودول آسيا، حيث تعزز علاقاتها مع الصين وروسيا. وأوضح أن الجزائر ترى في التحالف الصيني-الروسي شراكة مهمة، خاصة في ظل الهيمنة الأمريكية في القرارات السياسية المتعلقة بغزة ولبنان، وضغوطاتها الاقتصادية، لهذا السبب، قامت الجزائر بزيارة الصين وروسيا واستقبلت عددًا من زعماء دول الشرق، مما يؤكد سعيها لبناء اقتصاد قوي والتعاون مع القوى الإقليمية والدولية.
واختتم الدكتور العناني أن الجزائر تلعب دورًا مهمًا في إنهاء الصراعات في المنطقة، وتسعى لبناء اقتصاد قوي ومتعاون مع القوى الدولية، خاصة في الشرق، مثل الصين وروسيا، بالإضافة إلى تعزيز علاقتها مع مصر والدول الفاعلة في المنطقة.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2027063