في عصر تتسارع فيه الابتكارات، تتجه الإمارات وفرنسا نحو شراكة استراتيجية تعيد رسم ملامح المستقبل الرقمي؛ عبر استثمارات ضخمة، يجمع التعاون بين التكنولوجيا المتقدمة والاستدامة، ليعزز السيادة الرقمية للبلدين.
هذا التحالف يعكس رؤية طموحة لتنويع الاقتصاد والابتعاد عن الاعتماد على الموارد التقليدية، من خلال مراكز بيانات عملاقة، تمضي الدولتان نحو ريادة الذكاء الاصطناعي عالميًا، حقبة ما بعد النفط بدأت بالفعل، يقودها الابتكار والشراكات الدولية.
مشروع ضخم
أعلنت الرئاسة الفرنسية، الخميس 6 فبراير 2025، عن مشروع ضخم ستنفذه الإمارات العربية المتحدة في فرنسا، يتمثل في بناء مركز بيانات عملاق.
جاء هذا الإعلان خلال اليوم الأول من القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في باريس، حيث تسعى فرنسا إلى تصدر المشهد الأوروبي في هذا المجال، وسيكون مركز البيانات الجديد، الذي تصل طاقته الحاسوبية إلى واحد جيجاوات، جزءًا من “حرم” متخصص في الذكاء الاصطناعي، وهو الأكبر من نوعه في أوروبا.
اتفاق استثماري
تبلغ قيمة الاستثمارات المخصصة لهذا المشروع ما بين 30 و50 مليار يورو، وذلك ضمن اتفاقية شراكة وقعها الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وسيشرف على تطوير المشروع “ائتلاف من المؤسسات الفرنسية والإماراتية الرائدة”، ومن أبرز المشاركين فيه صندوق الاستثمار “MGX” المدعوم من الإمارات، ولم يتم حتى الآن تحديد الموقع النهائي لهذا المركز.
وفقًا لبيان مشترك بين فرنسا والإمارات، سيتم الإعلان عن الدفعة الأولى من الاستثمارات خلال قمة “اختر فرنسا 2025″، وهو الحدث السنوي الذي أطلقه ماكرون للترويج لجاذبية الاستثمار في فرنسا، والمقرر عقده في شهر مايو المقبل.
قمة عالمية
في سياق متصل، كشفت وزيرة الذكاء الاصطناعي الفرنسية، كلارا شاباز، عن جاهزية 35 موقعًا لاستقبال مراكز بيانات جديدة في جميع أنحاء فرنسا، وستشغل هذه المراكز مساحة تبلغ 1200 هكتار، ومن المقرر الإعلان عن مواقعها بشكل رسمي مطلع الأسبوع القادم.
تنعقد القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، التي تشارك الهند في رئاستها، حتى 11 فبراير، وبدأت فعالياتها في مدرسة البوليتكنيك للهندسة، حيث خصص اليومان الأولان لعقد جلسات نقاشية، بينما ستتناول الاجتماعات في عطلة نهاية الأسبوع دور الذكاء الاصطناعي في قطاع الثقافة.
تقليل الاعتماد على النفط
في هذا السياق، قال الباحث والخبير في الشؤون الدولية، صلاح النشواتي، في تصريحات خاصة لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، إن أبوظبي تسعى، وفقًا لاستراتيجيتها الاقتصادية، إلى تقليل الاعتماد على النفط وإنهاء حقبته كمورد أساسي للدولة، من خلال الاستثمار المكثف في التكنولوجيا والتطوير الصناعي والخدمات المالية، بالإضافة إلى دعم الطاقة النظيفة وتعزيز قطاع السياحة.
وأوضح أن انعكاسات هذه الاستراتيجية ظهرت جليًا في العديد من القرارات الأخيرة، لا سيما فيما يتعلق بإنشاء مراكز بيانات ضخمة، مثل مركز بيانات عجمان للذكاء الاصطناعي التابع لشركة خزنة، الذي يتمتع بسعة 100 ميجاوات.
والأمر اللافت حسب النشواتي، هو الدمج المتزايد بين تطوير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي من جهة، ومبادرة الإمارات لتحقيق الحياد الكربوني 2050 من جهة أخرى، مع تعزيز استخدام الطاقة المتجددة والنظيفة على مستوى العالم.
أسباب الشراكة الإماراتية الفرنسية
يرى النشواتي أن اختيار أبو ظبي للمشاركة في قمة “اختر فرنسا” وإبرام اتفاق استثماري فرنسي-إماراتي مشترك لإنشاء مركز بيانات عملاق للذكاء الاصطناعي بسعة 1 جيجاوات (أي 10 أضعاف مركز عجمان) يعود إلى ثلاث عوامل رئيسية:
1- القدرة الطاقية لفرنسا
تعتمد فرنسا على شبكة كهربائية مدعومة بأكثر من 600 مفاعل نووي، مما يوفر طاقة نظيفة ومستقرة تتماشى مع توجهات الإمارات نحو الاستدامة. هذا يعزز أيضًا الحصة السوقية الإماراتية في قطاع مراكز البيانات، ما يسهم في ترسيخ مكانتها كلاعب رئيسي في هذا المجال.
2- السيادة الرقمية والاستقلال التكنولوجي
يتماشى هذا الاستثمار مع التوجه الاستراتيجي الفرنسي-الإماراتي نحو تعزيز مفهوم السيادة في التكنولوجيا.
يهدف هذا المفهوم إلى منح كل من أوروبا ودول الخليج سيطرة أكبر على بياناتها ونماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
3- التطابق
التطابق شبه التام بين الرؤى الاستراتيجية لكل منهما حول مستقبل الشرق الأوسط وطبيعة العلاقات بين دوله والاتحاد الأوروبي وكيفية حل صراعاته بالشكل الآمن والفعال.
تحالف استراتيجي
من خلال هذه الخطوة، وفق النشواتي، تسعى الدولتان إلى تحويل البيانات، التي لطالما كانت متاحة للجميع، إلى بيانات سيادية، مما يعزز قدرتها التنافسية في مواجهة الولايات المتحدة والصين.
يرى النشواتي أن هذا التحالف الاستراتيجي بين الإمارات وفرنسا يعكس رؤية أبو ظبي بعيدة المدى، التي تقوم على تنويع الاقتصاد، وتعزيز السيادة الرقمية، والاستثمار في مستقبل التكنولوجيا النظيفة، مما يؤكد أن حقبة ما بعد النفط قد بدأت بالفعل.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2128670