ذا استراتيجيست| كيف سيطرت الصين على معادن الكونغو المهمة؟

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

إن النظام الذي تعتمده الصين لتمويل شركاتها الحكومية ربما يرسّخ انعدام الكفاءة بشكل جسيم في اقتصادها، لكن هذا النظام منح الصين هيمنة لا منافس لها في المعادن المهمة الضرورية لتكنولوجيات متطورة. 

أظهرت تحقيقات منفصلة نشرتها مؤخرًا صحيفتا نيويورك تايمز وبلومبيرغ، كيف سيطرت شركات التعدين الصينية، مدعومة ببنوك حكومية، على أهم مخزونات الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية. في عام 2016، اشترت شركة “موليبدينوم” الصينية حصص شركة “فريبورت-ماكموران” الأمريكية للتعدين، مُستخدمةً وسائل مماثلة للغاية لتلك التي استخدمتها إدارة نيكسون للسيطرة على موارد الكونغو الديمقراطية في ستينيات القرن الماضي.

وبالرغم من تعهّدهما بإنهاء الاعتماد الأمريكي على الصين في إمدادات المعادن الحيوية، إلا أن إدارتي أوباما وترامب تنحيتا جانبًا، وسمحتا لشركة “فريبورت” بتسليم أكبر منجم للكوبالت في العالم إلى شركة “موليبدينوم” الصينية، بعد بيع الشركة الأمريكية لعملياتها الخاصة بالنيكل والكوبالت في الكونغو الديمقراطية. حصل الصينيون على مساعدة في عملية الشراء من جانب “هانتر” ابن الرئيس جو بايدن.

إن الكوبالت هو معدن صلب بدرجة انصهار عالية وخواص مغناطيسية. وتشمل استخداماته التوربينات النفاثة ومحركات الصواريخ والمغانط الدائمة، لكن أهم استخداماته هي في الكاثودات لبطاريات الليثيوم.

يحكي مقال نيويورك تايمز قصة صعود الصين وسقوط الولايات المتحدة بوصفها القوة الخارجية المهيمنة في إفريقيا. يُبرز هذا الصعود عبثية الآمال بأن احتياطيات أستراليا الوفيرة من المعادن المهمة ربما تخفف نوعًا ما من اعتماد الولايات المتحدة على الإمدادات الصينية. فهمت إدارة نيكسون أهمية وضع قدمها في موارد الكونغو المعدنية الوفيرة، خشية وقوعها تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي. استضاف الرئيس ريتشارد نيكسون “موبوتو سيسي سيكو” رئيس دولة الكونغو (المعروفة حينها باسم زائير) في عشاء في البيت الأبيض. وقد أُبرمت صفقة يتم بموجبها تسليم حق امتياز على احتياطيات النيكل والكوبالت الغنية إلى تاجر ماس من نيويورك، وذلك أثناء رحلة على قارب في وقت متأخر من الليل على مياه نهر بوتوماك. 

وافق نيكسون على منح “موبوتو” ثلاثة طائرات من طراز C-130 Hercules، حُمّلت إحداها بزجاجات كوكاكولا ثمنها 60 ألف دولار بعد إلحاح من “موبوتو”. استخدم الرئيس “موبوتو” طائرة أخرى كطائرة خاصة له، إذ جرى تنجيد مقاعد الطيار بجلد النمر. 

تعثرت تلك الصفقة، ويعود ذلك بشكل جزئي إلى إغلاق متمردين مناهضين للحكومة للسكة الحديدية التي تربط المنجم بالساحل، وبعدها ظل المنجم مهجورًا لعشرين عامًا. لكن أُعيد افتتاحه في أواخر التسعينيات تحت سيطرة شركة “فريبورت”، والتي قد يكون اسمها مألوفًا للقرّاء الأستراليين، بوصفها المالك المشترك مع شركة “ريو تينتو” لمنجم “غراس بيرغ” العملاق للذهب والنحاس في بابوا الغربية.

في خضم حرب أهلية متواصلة في الكونغو الديمقراطية، استغرق الأمر حتى العام 2007 قبل تشغيل المشروع. ونتيجة لوعيها لمبدأ “الرخصة الاجتماعية” المعاصر، ضخت “فريبورت” استثمارات كبيرة في البنية التحتية الاجتماعية، مُشيّدة مدارس وأسواق مغطاة، وحافرةً آبار مياه، ومؤسّسةً مشروعًا لمكافحة الملاريا، فضلًا عن إنشائها حدائق نباتية للحفاظ على نباتات معرضة للخطر بسبب منجمها.

لكن في عام 2012، ضخت شركة “فريبورت” استثمارات بقيمة 20 مليار دولار في صناعة النفط، ما تسبب في مشاكل مالية لها عندما انهارت أسعار النفط في عام 2015. عرضت الشركة أصولها في الكونغو للبيع، وكانت شركة “موليبدينوم” الصينية سعيدة بدفع 2.65 مليار دولار للحصول على تلك الأصول عام 2016. 

نبّه مسؤول تنفيذي قانوني في شركة “فريبورت” مستشار الأمن القومي في إدارة أوباما، الجنرال “جيمس جونز”، بشأن عملية البيع الوشيكة، لكن تم إخباره أن “لا أحد سيكون مهتمًا بهذا الأمر”. لقد تم تسهيل تلك الصفقة من جانب شركة أسهم خاصة كان “هانتر بايدن” يعمل مديرًا لها. 

عندما أعلنت شركة “فريبورت” في العام الماضي نيتها بيع آخر أصولها المتبقية في الكونغو، والتي يُعتقد أنها أكبر مخزون غير مُستغل للكوبالت في العالم، كانت شركة “موليبدينوم” الصينية مجددًا مستعدة للشراء بقيمة 550 مليون دولار أمريكي. أوردت صحيفة نيويورك تايمز أن عملية البيع تلك لم تكن مجددًا محل نقاش داخل إدارة ترامب. 

لقد مهّد الرئيس الصيني السابق “هو جينتاو” الطريق للمصالح المعدنية الصينية في الكونغو في عام 2005 عبر استقباله رئيس الكونغو الجديد “جوزيف كابيلا”، البالغ 33 عامًا، في صالة الشعب الكبرى في بكين. تبع ذلك توقيع اتفاق بقيمة 6 مليارات دولار تموّل الصين بموجبه مستشفيات وسككًا حديدية وطرقًا ومدارس وشبكات كهرباء. 

أظهر تسريب لثلاثة ملايين وثيقة من بنك BGFI في الغابون، والذي كان يديره شقيق الرئيس جوزيف كابيلا، كيف عملت الصين على ضمان إيصال 55 مليون دولار أمريكي لجيب كابيلا وعائلته، ضمن مخطط رشوة هائل. 

تمتلك الشركات الصينية الآن 15 من أصل 17 عملية لاستخراج الكوبالت في الكونغو الديمقراطية. إن أكبر خمس شركات تعدين صينية في مجال استخراج الكوبالت والنحاس في البلاد، يمكنها الاعتماد على خطوط ائتمان بقيمة 124 مليار دولار من بنوك حكومية صينية. وقال “مايك فورسث”، مراسل نيويورك تايمز، على موقع تويتر: “تعمل شركات التعدين الصينية في الكونغو ضمن واقع مالي مختلف تمامًا… عندما يتعلق الأمر بثورة الطاقة الجديدة، تحتل الصين مركز الصدارة، ويلعب التمويل المدعوم من الدولة دورًا في هذا الأمر”.

قارنوا هذا بأستراليا، حيث تسوّق شركة “أوستراد” البلاد باعتبارها “مصدرًا موثوقًا فيه ومسؤولًا لمادة الكوبالت”. غالبًا ما يُوجد الكوبالت مع النيكل، حيث تعتبر أستراليا مُنتجًا رئيسيًا له. إن أستراليا هي ثالث أكبر مُنتج للكوبالت، لكن حصتها البالغة 4 بالمائة من الإنتاج العالمي هي قزم مقارنة مع حصة الكونغو البالغة 71 بالمائة. 

إن عملية التسويق التي تقودها “أوستراد” تبرز أهم ستة مشاريع للتنقيب عن الكوبالت في أستراليا، إذ تحتاج أبرز الشركات المتنافسة مليار دولار لتطوير مواقع التنقيب. أوضحت الحكومة أن الاستثمار الصيني في معادن أستراليا الحرجة ليس مرحبًا به، لكن هناك فرصة ضعيفة لقدوم تمويل مهم من بلدان أخرى، بغض النظر عن مدى موثوقية عملياتنا التعدينية، وذلك بالنظر إلى الهيمنة السوقية التي حققتها الصين في الوقت الراهن. 

في غضون هذا، تواصل الصين تعزيز وجودها في إفريقيا؛ إذ تجاوزت الاستثمارات الصينية المباشرة في إفريقيا استثمارات الولايات المتحدة في كل عام منذ 2014، بينما تدعم بكين مصالحها الاقتصادية عبر أسلوبها الخاص للدبلوماسية الناعمة. 

ظهر الرئيس الصيني “تشي جين بينغ” عبر تقنية الفيديو في “منتدى التعاون بين الصين وإفريقيا” الذي يُعقد كل ثلاث سنوات، والذي استضافته السنغال في الأسبوع الماضي. بالإضافة إلى عرضه مليار جرعة من لقاحات كوفيد19، أعلن الرئيس الصيني عن تأسيس “روح دائمة للصداقة والتعاون بين الصين وإفريقيا… وتتميز العلاقات بين الطرفين بالصداقة والمساواة المخلصتين، ومبدأ الكل فائز والاستفادة المشتركة والإنصاف والعدالة والتقدم وذلك عبر الانفتاح والشمول”. 

للإطلاع على المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا