الأزمة “الروسية الأوكرانية”.. فرص واعدة تنتظر بعض دول المنطقة

علاء بريك

كشفَ تقريرٌ نشره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية عن الآثار المحتملة للأزمة "الروسية - الأوكرانية" والتوترات مع الغرب على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.


تمثِّل روسيا وأوكرانيا إحدى مصادر الطاقة والغذاء في السوق العالمي ويمكن لأي نزاع بينهما أن يرفع أسعار الطاقة والغذاء عالميًا مما يُخلِّفَ عواقب وخيمة على بعض الدول المستوردة، مثل ليبيا وسوريا ومصر واليمن، لكن في الوقت ذاته، تُخلق فرص لبعض الدول في المنطقة لكسب حصة سوقية أكبر في سوق الطاقة العالمية وبعض النفوذ لدى الدول الكبرى.

الطاقة

تعتمد أوروبا على استيراد الغاز الروسي، وتأتي مخاوفها من احتمالية انقطاع الإمدادات الروسية على خلفية التوترات الأخيرة بسبب مرور الأنابيب الناقة للغاز الروسي من أوكرانيا، وسيترتب على الانقطاع  ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، ويُعَد هذا الارتفاع عند الدول المُصَدِّرة للطاقة مثل دول الخليج العربي أمرًا جيدًا، لكنّه بمثابة مأزق عند الدول المستوردة.

على هذا الأساس يجد الغرب في استبدال غاز المتوسط بالغاز الروسي فرصة مواتية للتخلص من هذا القيد والاعتمادية على الغاز الروسي بما يستتبعه من أوراق ضغط، لكنَّ قول هذا الأمر أسهل من فعله.

بدائل طاقة محتملة

الغاز القطري

تمثّل قطر ثاني أكبر منتج للغاز المُسال عالميًا، لكنَّ إنتاجها يُصدَّر تقليديًا إلى دولٍ آسيوية، ومنذ يناير الماضي حاولت الولايات المتحدة دفع الدوحة لتغيير اتجاه صادراتها الغازية إلى أوروبا، لكنّ الأمر ليس بالسهل فإلى جانب قيد الالتزامات التعاقدية مع المستوردين الآسيويين ثمّة قيد آخر يتمثّل في أنَّ مستويات الطاقة الإنتاجية للغاز المُسال في قطر اليوم تقارب المستوى الأقصى حسبما يقول التقرير.

من جانب آخر، يمثِّل الطلب على الغاز القطري فرصة أمام الدوحة لإدارة بعض ملفاتها على الصعيد الإقليمي مع جيرانها الخليجيين بما يحقق نتائج مُرضية لها.

النفط السعودي

تمثِّل السعودية ثاني أكبر منتج للنفط عالميًا، وتضطلع بدورٍ هام في ضبط أسعار الطاقة عالميًا، لذا فأوروبا والغرب تنظران إلى السعودية باهتمام لأنَّ ازدياد حدَّة النزاع قد تزيد الطلب الغربي.

من جهتها، تتحسس السعودية هذه الحاجة عند الغرب، وقد تستثمر الأزمة لكسب حصة سوقية أكبر في سوق شرق أوروبا مستغِلةً دخولها إلى السوق البولندي مؤخرًا.

غاز ونفط شمال أفريقيا بديل محتمل

لا تقتصر البدائل المحتملة على الدول الخليجية الغنية بالنفط والغاز، بل تمتد لتشمل دول شمال أفريقيا، فالولايات المتحدة طلبت التواصل مؤخرًا مع الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر من كبار مُنتجي الغاز المُسال عالميًا، بغرض توفير بدائل جديدة للغاز.

لكنَّ الخلافات السياسية في منطقة شمال أفريقيا تهدِّد بعدم استقرار الإمدادات، فالتوترات الأخيرة بين الجزائر والمغرب أدَّت إلى إيقاف العمل بخط الإمداد الواصل بين الجزائر وإسبانيا عبر المغرب، لذا قد يجد الغرب في الأزمة الروسية-الأوكرانية دافعًا للتوسط بين البلدين بغية التوصل إلى حلٍ لخلافاتهما، على أي حال، يوجد إمكانية أخرى لتصدير الغاز الجزائري إلى أوروبا عبر أنبوبٍ إلى إيطاليا.

في الوقت ذاته، يمثِّل الصراع الليبي وعدم الاستقرار في ليبيا تهديدًا مستمرًا لأي محاولة تصديرية إلى أوروبا، فالقتال الدائر فيها يمحو أي فرصة لتأمين إمدادات مستقرة ويمكن الاعتماد عليها، سواء إمدادات نفط أو غاز، إلى جانب ذلك، قد تستفيد روسيا من وجودها في شرق ليبيا لحرمان أوروبا من هذا المصدر لو توصلت أوروبا إلى اتفاق ما مع طرف من الأطراف الليبية على الأرض.

جيوبولتيك المنطقة

بحسَب التقرير، قد تؤمن الأزمة “الروسية-الأوكرانية” فرصة أمام الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتحقيق مكاسب على الصعيد الدولي من أوروبا والولايات المتحدة، فقطر والسعودية سيمثّل لهما الطلب على مصادر الطاقة فرصة لتحسين موقعيهما.

نوايا قطرية

من أبرز المؤشرات على إمكانية تحقيق مكاسب دولية أنَّ الولايات المتحدة وصفت قطر بأنَّها أحد الحلفاء الرئيسيين من خارج الناتو في يناير 2022.

بيد أنَّ قطر تريد من أوروبا تنازلات، على رأسها تسوية تحقيقٍ يجريه الاتحاد الأوروبي بخصوص العقود القطرية طويلة الأمد للغاز، وجّه فيه الاتحاد لقطر تهمة إعاقة تدفق الغاز إلى السوق الأوروبية.

نوايا سعودية

المملكة العربية السعودية يمكنها من خلال التطورات الحالية والمحتملة تعزيز مكانتها مع دول أوروبا وأمريكا، ودفع العلاقات معها إلى مستويات أفضل.

اللعب مع تركيا

تُعَد تركيا لاعبًا رئيسيًا في الساحة الإقليمية بالنظر إلى كونها دولة عضو في حلف الناتو، ويواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكنّ الأزمة الروسية الأوكرانية تمثّل نافذة يعود منها إلى الساحة الدولية وفق تسوية مرضية.

من جهة ثانية، يحاول كل طرف من أطراف الأزمة الروسية الأوكرانية اجتذاب أنقرة إلى صفه، فالولايات المتحدة تريد منها مواصلة بيع الأسلحة إلى أوكرانيا، لكنَّ العلاقات الروسية التركية وموقف الغرب من تركيا لا يجعل أنقرة تتخذ بالضرورة الصف الغربي ضد روسيا، ويُعطي هذا الموقف دفعة للسياسة الخارجية التركية في ملفاتها الإقليمية، لا سيّما ملف غاز المتوسط والملف السوري.

ليبيا.. ازدياد التعقيدات

تمثِّل ليبيا ساحة تتبارز فيها القوى الدولية الكبرى، ويمثِّل الملف الليبي أحد أوراق الضغط الروسية لأنَّ بوسعها صد أي مساعي غربية في تلك البلد، وقد ترد روسيا على أي عقوبات غربية من ليبيا، عبر تسهيلها الهجرة وتدفق اللاجئين نحو أوروبا لتضغط على أوروبا.

الملف النووي الإيراني

تضطلع روسيا في المحادثات الأخيرة في فيينا بين الدول الغربية وإيران بدورٍ بنَّاء بحسب التقرير، لكن لو تطورت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، فإن مصير الاتفاق قيد المجهول، وقد تتجه روسيا عندئذٍ إلى دورٍ تخريبي يُلغي احتمالية إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وهذا ما يبدو أنَّ الإدارة الأمريكية تريده في القريب العاجل وقبل فوات الأوان.

الأمن الغذائي

تُعَد كل من روسيا وأوكرانيا من كبار مصدري الحبوب (لا سيّما القمح) في العالم، وتستورد عدة دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حبوبها من البلدين المذكورين، لذا سيترتب على تصعيد الأزمة عواقب وخيمة على الأمن الغذائي في المنطقة التي تعاني أصلًا من ضعف في أمنها الغذائي.

ويترتب على ارتفاع أسعار القمح أو نقص الواردات إلى المنطقة ارتفاعًا في سعر الخبز، ما يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية ومجاعات في بعض الدول المنكوبة، مثل اليمن وسوريا.

ربما يعجبك أيضا