ناشيونال إنترست: هل تسقط سوق الغاز الطبيعي ضحية للجغرافيا السياسية؟

بسام عباس

أصبح الغاز الطبيعي ضحية لنجاحه، وفي ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، يمكن للأوضاع أن تتفاقم.


شهدت أسواق الغاز الطبيعي أحوالاً متقلبة العام الماضي 2021، بسبب مزيج من العوامل الجيوسياسية والتغيرات المناخية وخطط انتقال الطاقة الخضراء بعيدة التحقّق، ويبدو أن مشهد الأزمات السياسية الحالي يلقي بظلاله على العام الحالي ولن يكون أفضل من سابقه.

وتقول مجلة ناشيونال انترست الأمريكية في تقرير لها، إن مخاطر اندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا، والتوترات المستمرة بين المغرب والجزائر، أحد الموردين الرئيسيين للغاز الطبيعي إلى أوروبا، وانخفاض الاستثمار في عمليات التنقيب الجديدة، وتطوير البنية التحتية الأساسية، كلها عوامل تترك الباب مفتوحًا لعام آخر متقلب، يحدده قلة عرض الغاز الطبيعي وارتفاع الأسعار.

أهمية الغاز الطبيعي

تقرير المجلة أوضح أن الغاز الطبيعي احتل مكانة مركزية على خريطة الطاقة العالمية، وصار مصدر وقود رئيسًا للعديد من الدول، لأنه أنظف من الفحم والنفط ويساعد في التحول إلى الطاقة الخضراء.

كذلك يعد الغاز الطبيعي جزءًا أساسيًا من صورة الطاقة الأمريكية، بفضل توفيره ما يزيد قليلًا عن 40% من الوقود لتوليد إمدادات الكهرباء في الولايات المتحدة، متقدمًا على الفحم والنفط والطاقة النووية والبدائل، ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، يمثل الغاز الطبيعي نحو ربع توليد الكهرباء في العالم.

الغاز يتحول للسوق المعولمة

أحد التحولات الرئيسية في أسواق الغاز الطبيعي، التي كانت تهيمن عليها في الماضي علاقات تعاقدية طويلة الأمد، بحسب المجلة الأمريكية، يتمثل في تحولها إلى سوق معولمة، مدفوعة بتوافر الغاز الصخري، وزيادة الإمدادات من الغاز الطبيعي المسال القابل للتداول.

ولاحظت وكالة الطاقة الدولية أن نمو تجارة الغاز، إضافة إلى التحول عن العقود طويلة الأمد، نحو التسعير الفوري في العديد من الأسواق، أدى إلى زيادة الترابط بين الأسواق، حتى أصبحت صدمات الطلب أو العرض في منطقة واحدة لها آثار عالمية على أسعار الغاز والكهرباء، بالتالي فإن التطورات الكبرى في إحدى الأسواق تؤثر بسرعة في الأخرى.

تحديات سوق الغاز

سوق الغاز الطبيعي العالمي تنشأ حول مجموعة أساسية من المنتجين ومصدري الغاز الطبيعي المسال ومستخدمي الطاقة، وتحديدًا في أوروبا وآسيا. وفقًا لـ«ناشيونال انترست» التي أوضحت أن آسيا جاءت في صدارة الاستهلاك بنحو 345.4 مليار متر مكعب في العام 2020، كون الصين والهند مستوردين صافين للغاز الطبيعي، واحتلت أوروبا المرتبة الثانية بـ114.8 مليار متر مكعب، وتعد ألمانيا واليابان والصين أكبر 3 مستوردين في العالم.

ومثّل العامان الماضيان تحديًا لسوق الغاز الطبيعي، على إثر انخفاض أسعار الغاز في العام 2020 إلى أدنى مستوياتها التاريخية، بسبب عدة عوامل، منها جائحة كورونا، واضطرابات سلاسل التوريد، وزيادة الترابط بين أسواق الغاز الطبيعي، إضافة إلى تقلب أسعار الطاقة في أثناء الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري، وفي العام 2021 تغيّر الوضع بسبب الانتعاش القوي في الطلب، لكن مع اندفاع الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة والصين، أدى تجدد الطلب إلى توتر أسواق الوقود الأحفوري للنفط والغاز، وحتى الفحم، وفق دراسة أجراها معهد بروكينجز.

ما حجم تأثير أزمة أوكرانيا على أسواق الغاز؟

تضيف التوترات الجيوسياسية ضغوطًا على أسواق الغاز الطبيعي في العام الحالي 2022، بحسب تقرير المجلة، الذي أشار إلى أن الحشد الكبير للقوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا شكل نقطة ضغط رئيسة، لأنه إذا شنت موسكو هذه الحرب فإن ذلك سيعطل تدفق الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا، الذي يشكّل نحو 40% من احتياجات الطاقة في أوروبا.

وتضاف تداعيات التوتر الجيوسياسي، إلى أزمة الطاقة التي تعاني منها دول الاتحاد الأوروبي أساسًا، خصوصًا في ألمانيا التي تعتمد بقدر كبير على الغاز الروسي، واستحوذت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أوروبا على 72% من صادرات الغاز الطبيعي الروسي في العام 2020، في حين شكلت آسيا 11% فقط.. استحوذت الصين على 5% منها.

هل يدفع الغاز ألمانيا للدفاع عن مصالح روسيا؟

لكن «ناشيونال انترست» تقول إن خسارة السوق الألمانية تشكل ضربة كبيرة للاقتصاد الروسي، وفي المقابل تعد الحرب في أوروبا الشرقية أسوأ كابوس لألمانيا، ما يفسر إحجام برلين عن تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، والتحذير بشأن الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضد روسيا. وللسبب نفسه، تأمل موسكو أن تلعب ألمانيا دورًا تفاعليًا يسعى إلى حماية مصالحها الوطنية.

وذكرت أن أهداف روسيا تتمثل في إعادة ترسيخ عمق استراتيجي في مواجهة الغرب بمنطقة من الدول العازلة التابعة لأوروبا الشرقية، ما يعني تراجعًا عن الوجود العسكري لحلف الناتو، واعترافًا من الولايات المتحدة وأوروبا بأن بعض دول أوروبا الشرقية أصبحت الآن في المدار الروسي، وأن موسكو لها حق إملاء السياسات الخارجية والعسكرية لتلك الدول الواقعة تحت نفوذها.

هل تعوض المصادر البديلة الغاز الروسي؟

التقرير يوضح أن الغاز الطبيعي في أوروبا يأتي من 3 مصادر رئيسة، هي روسيا والنرويج والجزائر، لكن الأخيرتين لا تستطيعان تعويض الفارق الكامل عن خسارة الإمدادات الروسية، وربما تجد دول أوروبا نفسها، في العام 2022، في مواجهة أزمة طاقة تلحق أضرارًا بالغة بالانتعاش الاقتصادي العالمي. وجزء من هذه المشكلة أن المصادر الأخرى للغاز الطبيعي ليست متاحة بسهولة.

وتنقل المجلة عن تقرير وكالة «ستاندرز أند بورز» للتصنيف الائتماني في يناير 2022، أن القراءة السريعة لمنتجي الغاز الطبيعي الرئيسيين الآخرين (ليبيا ومصر وقطر) لا ترسم مستقبلًا ورديًا إذا أوقفت روسيا صنبور الغاز إلى أوروبا، موضحة أن ليبيا، التي تعاني من عدم استقرارها السياسي ومشاكلها الأمنية، ليس لديها قدرة إضافية لتصدير الغاز. أما مصر، التي حققت على مدار السنوات الماضية بعض الاكتشافات الرئيسية للغاز في الخارج، فقد تجاوزت حجم صادراتها من الغاز الطبيعي المسال. لكن قطر قلصت إنتاجها بالفعل، وتشير المصادر إلى أنه يمكن تحويل بعض الشحنات إلى أوروبا بدلًا من العملاء الآسيويين، ما يتطلب بعض المفاوضات الذكية.

ربما يعجبك أيضا