التطوع للقتال في الحرب الروسية الأوكرانية.. هل يُشعل التطرف بأوروبا؟

رنا أسامة

الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أعلن في خطاب مُتلفز أن بلاده ستستقبل 16 ألف أجنبي متطوع لقتال الروس. هل يفتح المرتزقة الباب أمام اليمين المتطرف في أوروبا؟


تتوافد طلبات متطوعين أجانب للقتال ضد الروس على الأراضي الأوكرانية، وسط ترحيب غربي، ومخاوف من استغلال التطوّع القتالي لشن هجمات إرهابية قد تُغذي اليمين المتطرف في أوروبا.

في ثامن أيام العملية العسكرية الروسية، أعلن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في خطاب مُتلفز اليوم (الخميس) أن بلاده ستستقبل 16 ألف أجنبي متطوع، كاشفًا أن “العدو الروسي غيّر استراتيجيته العسكرية بسبب صمودنا”، في وقت تستمر الضربات الروسية على العاصمة كييف ومدن أخرى في البلاد.

أوكرانيا لمواطني العالم: تطوّعوا

ودعا الرئيس الأوكراني مواطني العالم وأصدقاء أوكرانيا للانضمام إلى ما أطلق عليه “اللواء الدولي”، للتطوع في “المقاومة ضد المحتلين الروس وحماية الأمن العالمي”، بحسب بيان أصدره يوم الأحد 27 فبراير الماضي، وأورده موقع أكسيوس الأمريكي.

أضاف زيلنسكي في اليوم الرابع من الغزو: “ستكون هذه شهادة رئيسية على دعمكم لبلدنا”، مُشددًا على أن الأوكرانيين كانوا شجعانًا بما يكفي لمواجهة روسيا بمفردهم، لكن “هذا ليس مجرد غزو روسي لأوكرانيا، إنه بداية حرب ضد أوروبا”. كذلك ردّد وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا الدعوة نفسها في تغريدة عبر تويتر.

تجنيد أجانب في الجيش الأوكراني.. ما قانونيته؟

اعتبارًا من 1 مارس الجاري، بعد 48 ساعة من الدعوة الأوكرانية، وقّع زيلينسكي مرسومًا رئاسيًا يسمح للمتطوعين الأجانب بدخول أوكرانيا للقتال بلا تأشيرة “مؤقتًا خلال فترة سريان الأحكام العرفية”، مُستثنيًا المواطنين الروس.

وبحسب وزارة الدفاع الأوكرانية، يحق للأجانب الانضمام للجيش الأوكراني للخدمة العسكرية بموجب عقد طوعي، وتضمينهم في صفوف قوات الدفاع الإقليمية للقوات المسلحة لأوكرانيا، وفق لوائح خاصة بالخدمة العسكرية بالقوات المُسلحة الأوكرانية صدرت في يوليو 2016. ويتيح القانون للجيش الأوكراني توقيع عقود خدمة مع أجانب تنطبق عليهم شروط اللياقة البدنية والعقلية لشغل وظائف جنود، ويتقاضى هؤلاء رواتب مماثلة لرواتب الجنود الأوكرانيون.

منذ متى يُقاتل أجانب في أوكرانيا؟

يقاتل أجانب في أوكرانيا منذ العام 2014، عندما استولى انفصاليون مدعومون من روسيا على أجزاء من منطقة دونباس. لكن خبراء يعتقدون أن التطوع هذه المرة يرمي إلى أكثر من مواجهة العدوان الروسي، مع مشاركة سفارات أوكرانية علنًا في تجنيد مقاتلين، وسط دعم غربي للمتطوعين.

وقال الباحث بمركز أبحاث التطرف بجامعة أوسلو، كاسبر ريكاويك، الذي درس المقاتلين الأجانب في أوكرانيا: “يُحتمل أن تكون الدعوة الحالية أكبر بكثير مما كانت عليه في العام 2014″، مُقدّرًا عدد الأجانب المُشاركين في القتال السابق بنحو 1000، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

ما خطورة التطوع القتالي؟

وصفت “واشنطن بوست” مخاطر تطوّع أجانب للقتال في أوكرانيا بأنها “غير عادية”، لا سيّما في ظل القصف المكثف المتواصل الذي تتعرض له المدن الأوكرانية.

ونقلت الصحيفة عن الزميل الباحث في الأمن الأوروبي بمعهد رويال يونايتد سيرفيسز بلندن، إد أرنولد، إن “السفر إلى أوكرانيا حاليًا خطير بشدة. القتال في الحرب ليس سهلًا”. ورأى أرنولد، الذي خدم كضابط مشاة في الجيش البريطاني، أن الدعوة قد تُناسب أكثر من تلقوا تدريبات عسكرية، مُضيفًا: “إذا لم تتدرب عسكريًا، فستكون فكرة سخيفة للغاية”.

ماذا عن جنسيات المقاتلين الأجانب؟

معظم المقاتلين الأجانب في أوكرانيا حتى الآن من دول كانت تابعة للاتحاد السوفيتي، مثل جورجيا وبيلاروسيا. وكشف قائد جماعة تُدعى “الفيلق الجورجي” تقاتل بالفعل في أوكرانيا، ماموكا مامولاشفيلي، إنه كان ينسق مع الحكومة في كييف لاستقبال مقاتلين دوليين، بحسب واشنطن بوست.

وأوضح مامولاشفيليأن جماعته تضم أكثر من 200 رجل، معظمهم جورجيون، إلى جانب بريطانيين وأمريكيين وألبان وهنود، كما تطوّع العشرات من الولايات المتحدة والدنمارك والنرويج وكندا واليابان، كما أفادت وكالة رويترز.

كم عددهم تقريبًا؟

من غير المعروف حتى الآن عدد المُقاتلين الأجانب في أوكرانيا. لكن إذا زاد عددهم كما المأمول، قد تشهد الحرب الروسية الأوكرانية أكبر عملية تجنيد لمقاتلين دوليين منذ الحرب الأهلية الإسبانية التي انضم خلالها ما لا يقل عن 50 ألف شخص للقتال بين عامي 1936 و 1938.

وفي حين قالت نائبة وزير الدفاع الأوكراني، حنا ماليار، إن الوزارة تلقت “آلاف” من طلبات التطوع لمقاتلين دوليين محتملين، أفاد رئيس وحدة المتطوعين المعنيّة باستقبال وافدين أجانب لأوكرانيا لموقع فايس الأمريكي، إن نحو 400 متطوع فقد سجّلوا أسماءهم منذ دعوة زيلنيسكي.

تجنيد الأجانب.. هل يُغذي اليمين المتطرف؟

ثمّة مخاوف من تغذية اليمين المتطرف في أوروبا مع انضمام أجانب للقتال في أوكرانيا، وسط تساؤلات عن خلفياتهم الأيديولوجية وأهدافهم من التطوّع ومدى تطرّف ميولهم، لا سيّما أن الصراع في أوكرانيا اجتذب منذ العام 2014 مقاتلين أجانب، بينهم عنصريون بيض ومتطرفون يمينيون.

بحسب واشنطن بوست، استبعد الزميل بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، آرون زيلين، الذي تتبّع دور المقاتلين الأجانب خلال الحرب السورية، عودة المتطوعين الأجانب من أوكرانيا، قائلًا: “قد يتبنون أيديولوجية تدفعهم لتنفيذ هجمات إرهابية في قلب لندن أو باريس أو بروكسل”، الأمر الذي اتفق معه زميل سياسة بارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أنتوني دوركين، قائلًا إن “ثمة خطر من أن يكون من بين المنضمين للقتال في أوكرانيا أفرادًا يبحثون عن الإثارة أو ببساطة يستمتعون بالقتال”.

سجل مختلط

بحسب مُدوّنة لوفير، فإن السجل العسكري للمقاتلين الأجانب مختلط. في كثير من الحالات يبدون متحمسين للقتال، وإن كانوا غير مدربين ولا مُسلّحين جيدًا. لكنهم إجمالًا يُضيفون القليل إلى القوة القتالية، كما حدث في أفغانستان خلال الثمانينيات.

وفي حالات أخرى، يأتي مقاتلون أجانب بمهارات ذاتية خاصة، كتلك التي يتمتع بها قُدامي المحاربين بقوات العمليات الخاصة الأمريكية والبريطانية، أو رُبما يكتسبون مهارتهم بعد عملية وحشية فور وصولهم للقتال. غالبًا ما يكون وجود مقاتلين أجانب مهمًا في أوقات التمرد، الذي قد تصبح عليه أوكرانيا.

صعوبات لغوية

بخلاف المهارة القتالية المحدودة للعديد من المتطوعين الأجانب، ثّمة مشكلات أخرى أمام انضمامهم للقتال في أوكرانيا. لعلّ أبرزها، بحسب لوفير، الصعوبات اللغوية في الوقت الذي يتحدذث فيه قليلون منهم الأوكرانية، ما قد يجعلهم يواجهون صعوبة في التواصل.

كما وجدت دراسة نشرتها مجلة أبحاث السلام في العام 2019، أن معدلات العنف ضد المدنيين ترتفع عندما ينتشر مقاتلون أجانب. يأتي ذلك في حين أعلنت ميليشيات يمينية متطرفة بالفعل أنها تخطط لاستغلال الحرب الروسية الأوكرانية، وأشارت مُدوّنة لوفير إلى أن الأجانب يكونون أكثر حماسًا للقتال، لوجودهم داخل البلد المتطوعين للقتال فيه دون أصدقائهم أو عائلاتهم، ما قد يُشجّعهم على ارتكاب فظائع دون خوف من الانتقام.

ربما يعجبك أيضا