المفكر الاستراتيجي جهاد عودة لـ«رؤية»: نظام عالمي جديد يتشكل.. وروسيا ستنتصر

رنا أسامة

أوضح جهاد عودة أن التسليح الغربي لأوكرانيا ضعيف وأن بوتين لن تردعه العقوبات الغربية على روسيا.. ماذا يتوقع المفكر الاستراتيجي بخصوص مستقبل العالم ونشوب حرب عالمية ثالثة؟


مع اقتراب الحرب الروسية الأوكرانية من إكمال شهرها الرابع، لم تظهر أي بادرة تُنبئ بانفراجة وشيكة، بل امتدت توترات الحرب إلى مناطق كانت مستقرة لعقود، كالبلطيق وشمالي ووسط أوروبا.

وبينما حذر قادة عسكريون في حلف شمال الأطلسي (ناتو) من أن الحرب قد تستمر لسنوات، أجرت شبكة «رؤية» الإخبارية مقابلة مع أستاذ العلاقات الدولية والمفكر الاستراتيجي المصري البارز، الدكتور جهاد عودة، لتحليل المشهد الحالي ومآلاته والسيناريوهات المُحتملة للحرب التي أربكت أوروبا والعالم بأسره.

هل أراد بوتين هذه الحرب؟

قال أستاذ العلاقات الدولية، جهاد عودة، إن الحرب الروسية الأوكرانية بدأت دون رغبة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد أن طلبت موسكو ضمانات أمنية، من بينها وقف تمدد الناتو شرقًا نحو الحدود الروسية، لكن رفضت الولايات المتحدة و”الناتو” تقديمها، وهو ما كرره بوتين في المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبرج، الجمعة الماضي 17 يونيو 2022، قائلًا إن قرار الحرب “كان صعبًا لكنه اضطراري وضروري”.

وأضاف عودة أن روسيا ليس من مصلحتها أن تحارب، لكنها لم تجد صدى من مفاوضاتها مع الناتو و”تعرّضت لخداع استراتيجي بتوسعة حلف الناتو 3 مرات دون موافقة موسكو ،حتى وصلنا إلى نقطة اللا عودة”، مُشيرًا إلى أن هذا الرأي ليس دفاعًا عن روسيا بل دفاعًا عن النظام الدولي.

بوتين 2

هل تدخل بوتين في مسار العمليات العسكرية؟

بحسب عودة، مرّت الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت في 24 فبراير الماضي، بمرحلتين قاد بوتين بنفسه أولاهما، وقد اتسمت بأنها “ضبابية وضعيفة وغير دقيقة” وتكبدت خلالها القوات الروسية خسائر. وعزا أستاذ العلوم السياسية ذلك إلى أن “بوتين قائد استراتيجي كبير لكنه غير مؤهل لقيادة عملية عسكرية”.

أما المرحلة الثانية من الحرب، وفق عودة، فاتخذت نسقًا عسكريًّا باستراتيجية واضحة المعالم، بدأت مع تعيين بوتين لقيادة عسكرية للحرب في أوكرانيا. وأوضح عودة في هذا الصدد أن بوتين في تلك المرحلة بات بحوزته خطة طويلة المدى لمسار الحرب، بعد أن كانت خطواته الأولى مبنية على ردود فعل وخطة قصيرة الأجل.

هل يتراجع بوتين؟

أشار الدكتور عودة إلى وجود قرار استراتيجي روسي واضح الآن، انطلاقًا من خبرته السابقة وصموده في جورجيا وسوريا والشيشان، لأن “الصمود لدى بوتين فكرة محورية” حسب قوله. وأوضح أستاذ العلاقات الدولية أن فكرة الصمود تعني استعداد بوتين للخسارة في المراحل الأولى من الحرب، ما دام سيُعيد هيكلة الموقف لاحقًا، على نحو لا يزال الغرب عاجزًا عن فهمه.

ولفت المفكر الاستراتيجي إلى حديث وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كينسجر، أمام منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس يوم 23 مايو الماضي، وتوقعه أن تفتح الحرب الباب لحرب أخرى جديدة وواسعة النطاق ضد روسيا، محذرًا من الانغماس في “مزاج اللحظة” ونسيان أهمية موسكو لأوروبا.

تقسيم أوكرانيا

هل تستهدف روسيا تقسيم أوكرانيا؟

وصف عودة الحديث عن أن الحرب خطة روسية لاستعادة الاتحاد السوفييتي، بأنه “مزاعم غربية شعبوية ضعيفة” ليس لها سند استراتيجي، قائلًا إن “بوتين ليس أحمق، ويدرك أن التاريخ لا يعود للوراء”.

ورأى أن القوات الروسية تماسكت الآن وأضحت قادرة على السيطرة على بحر آزوف سيطرة كاملة، بما يُمكّنها من تحقيق هدفها الرئيس، وهو حصار وحبس أوكرانيا بحريًّا وتقسيمها، مرجحًا استمرار الحرب إلى حين تحقيق نتائج واضحة، كما حدث في الحرب الإيرانية العراقية.

هل العقوبات الأمريكية على موسكو مانعة أو رادعة؟

في ما يتعلق بفاعلية العقوبات الغربية التي قال بوتين إنها ستفضي إلى عواقب يصعب التنبؤ بها، أوضح عودة أن “العقوبات لا تمنع سياسة خارجية” لأن “النظام الدولي متعدد ومركب ومُعقد ولا يؤمن بفكرة العقوبة الشاملة”، لذا فإن العقوبات دائمًا ما تكون مُختارة ويسهل التحايل عليها، كما حدث في إيران وإسرائيل وجنوب إفريقيا، بحسب قوله.

وأضاف أن العقوبات لم تدفع بوتين للتراجع، لكنه على العكس يُحقق مكاسب، ويواصل الروبل الروسي الصعود لأنه خلق هياكل مؤسسية بديلة، ما يُشير إلى أن العقوبات مُهمة، قد تكون تحذيرية أو استرشادية، لكنها ليست آلية مانعة أو رادعة.

العقوبات الغربية ضد روسيا

هل الدعم العسكري الغربي ضعيف؟

قال عودة إن “التسليح الغربي لأوكرانيا تسليح ضعيف”، في ظل رفض الناتو مطالبة أوكرانيا المتكررة بفرض حظر طيران في أجوائها، الأمر الذي عدّه أستاذ العلاقات الدولية “السلاح الأهم”، متوقعًا أن ينتصر بوتين في نهاية المطاف.

وتمنع منطقة حظر الطيران جميع الطائرات غير المُصرّح بها من التحليق فوق أوكرانيا. وسبق أن فرضت دول غربية مثل هذه القيود على أجزاء من العراق لأكثر من عقد بعد حرب الخليج عام 1991. لكن حظر الطيران في أجواء أوكرانيا ضد الطيران الروسي قد يتصاعد إلى حرب عالمية مع قوة عظمى مسلحة نوويًا، حسب تحذير الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرج، في مارس الماضي.

هل يبشر تحالف «بريكس» بقطب عالمي جديد؟

قال أستاذ العلاقات الدولية البارز إن تحالف “بريكس” المؤلّف من البرازيل والصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا، له دور نشط وآخذ في النمو، بما يؤشّر على تحوّل أصبح ملموسًا في القوى الدولية.

وقال عودة إن هذا التكتل يهدف إلى خلق توازن دولي في النظام الاقتصادي العالمي، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة بسياستها المالية والنقدية، لإنهاء سياسة القطب الواحد وإيجاد بديل فاعل وحقيقي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يُتيح منح وتبادل قروض بما لا يُحدث خللًا اقتصاديًّا، فضلاً عن تعزيز شبكة الأمان الاقتصادي العالمية للدول الأعضاء وتجنيبها ضغوط الاقتراض من مؤسسات غربية.

تحالف بريكس

هل يختفي الدولار؟

أوضح عودة أن كسر هيمنة الدولار لا يعني اختفاءه أو التخلص منه، بل خفض أهميته كي لا يُهيمن على العمليات التجارية، لكنه “سيظل عملة قوية وموجودة للأبد”.

ونوّه بأن صعود عُملة أخرى كاليوان الصيني لن تكسر هيمنة الدولار، لكن ذلك سيتحقق بتعدد العملات كما حدث للمرة الأولى منذ 6 أشهر، عندما قررت روسيا والهند التخلّي عن الدولار في الحسابات المالية المتبادلة، وتسديد المدفوعات بدلًا من ذلك بالروبل الروسي والروبية الهندية، مُضيفًا: “فكرة العملة الموحدة صعبة، فهي لم تحدث إلا في أوروبا تحت ظروف خاصة”.

كسر هيمنة الدولار

ما حدود دور القوميين الأوكرانيين؟

عرج عودة في الوقت نفسه على ما عدّهم فاعلًا خفيًّا أو غير ملحوظ في الحرب، وهم القوميون الأوكرانيون، بمن فيهم كتيبة آزوف، قائلًا إن لديهم عداء لروسيا يحركهم لقيادة الحرب في أوكرانيا.

وفي ما يتعلق بوصف القوميين الأوكرانيين بـ”النازيين”، أوضح عودة أن هذا الوصف صائب بالاستناد إلى الفكرة الشيوعية التي تُفيد بأن كل ما هو قومي نازي، ما يعني أن الروس ليسوا نازيين لأن روسيا دولة فيدرالية لا قومية.

هل تنضم فنلندا إلى الناتو؟ وماذا عن عضوية أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي؟

في ما يخص طلب فنلندا والسويد الانضمام إلى الناتو، استبعد أستاذ العلاقات الدولية انضمام فنلندا، مُبررًا ذلك بأنها دولة تعدادها 5 ملايين نسمة على الحدود مع روسيا، ويسهل أن تقتحمها موسكو في 5 دقائق، إذا انضمت إلى الحلف. أما السويد، فوضعها مختلف بحسب عودة، لأنها مَلَكية، وتوقع أن تدخل الناتو بنوع من أنواع “الدفاع المشترك” بدلًا من منحها العضوية.

الأمر ذاته ينطبق على طلب كييف دخول الاتحاد الأوروبي، وفق عودة، فقال إنه يستحيل ذلك لأن “أوكرانيا ضعيفة اقتصاديًّا، وقوانينها وسياساتها العامة بحاجة إلى إعادة هيكلة لتوافق معايير التكتل الأوروبي”.

انضمما فنلندا والسويد للناتو

ما أوجه التشابه بين بوتين وهتلر؟

في رده على تشبيه محاولات روسيا السيطرة على بعض مناطق شرق أوكرانيا، التي يحكمها انفصاليون، بمحاولات ألمانيا النازية ضم منطقة السوديت التابعة لـتشيكوسلوفاكيا قبيل الحرب العالمية الثانية، قال عودة إن “منطق بوتين مختلف تمامًا عن منطق هتلر”

وأضاف أن بوتين لم يقل مُطلقًا إنه يريد الحفاظ على أراضي روسية واضطر الدخول في هذه الحرب، بعكس هتلر الذي قرر خوض الحرب، مُشيرًا إلى أن روسيا لم ترغب في البداية في أن تُقسّم أوكرانيا، لكن الرفض الغربي لمناقشة مطالب بوتين أدى إلى تحريكها في ذلك الاتجاه.

هتلر وبوتين

هل تندلع حرب عالمية ثالثة مفاجئة؟ وماذا عن الإبادة النووية؟

قال عودة إن أوروبا لم تشهد بعد حربًا عالمية ثالثة، لكنه نوه باحتمالية أن تشهد مناطق جديدة حربًا عالمية زائفة، كما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، حين بدأ الإعلان عن حرب دون أن يُحارب أحد، ثم عندما بدأت فعليًّا لم يُدركها أحد.

وفي ما يتعلق بالحديث عن حرب نووية مُحتملة، بيّن عودة أن للحرب النووية مستويات وأشكالًا مختلفة، بما في ذلك الحرب الشاملة التي استبعد حدوثها، والحرب التكتيكية، وقال إنها قد تحدث في صيغة أسلحة جديدة مثل الرصاص النووي، لكنه شدد على أن “العالم لن ينتهي بحرب نووية”.

ربما يعجبك أيضا