قبل أشهر قليلة من انتهاء ولايته الرئاسية، اختار الرئيس الأمريكي جو بايدن زيارة أنجولا في الفترة من 13 إلى 15 أكتوبر، والتي تأجلت بسبب إعصار ميلتون الذي ضرب ولاية فلوريدا هذا الأسبوع، ولم يتم تحديد موعد جديد.
وهذه الزيارة المؤجلة كانت الوحيدة التي سيجريها بايدن إلى إفريقيا خلال فترة رئاسته، والأولى لرئيس أمريكي إلى أنجولا، وعلى عكس الجولات الإفريقية النموذجية التي تشمل عدة بلدان، لماذا التركيز على أنجولا؟
التنافس على إفريقيا
أوضح معهد الدراسات الأمنية الإفريقي أن الزيارة الرسمية التي أجراها الرئيس الأنجولي، جواو لورينسو، إلى الصين، أدت إلى رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى “شراكة تعاونية استراتيجية شاملة”، وإلى جانب زيارتي وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أنجولا 2018 و2023، فإن هذه الزيارات تشير إلى مشهد جيوسياسي متغير تتوق الولايات المتحدة إلى العودة إليه.
وأضاف، في تقرير نشره اليوم السبت 12 أكتوبر 2024، أنه رغم الروابط التاريخية بين أنجولا وروسيا، والعلاقات الاقتصادية القوية مع الصين، فإن التحركات الأخيرة تشير إلى تحول، حيث يعكس امتناع أنجولا عن التصويت على الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتصويت لاحقًا ضد روسيا تغير كبير في السياسة الخارجية واحتمال التوافق مع الجهود الأمريكية لمواجهة النفوذ الروسي.
ممر لوبيتو
قال تقرير المعهد إن زيارة بايدن ركزت على مشروع ممر لوبيتو الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات، ويهدف المشروع إلى إعادة تأهيل خط سكة حديد بطول 1300 كيلومتر يربط حزام النحاس الغني بالمعادن في وسط أفريقيا، والذي يمتد عبر زامبيا وجمهورية الكونجو الديمقراطية، بميناء لوبيتو في أنجولا.
وفي ديسمبر 2023، أشار بايدن إلى ممر لوبيتو باعتباره “أكبر استثمار أمريكي في مجال السكك الحديدية في أفريقيا”، ومن الممكن أن يعزز المشروع بشكل كبير قدرة المنطقة على تلبية الطلب العالمي المتزايد على الموارد الحيوية، وخاصة النحاس والكوبالت، بدعم من صناعة أشباه الموصلات وقطاع الذكاء الاصطناعي المتنامي.
ويأتي إعلان بايدن في أعقاب زيارة نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس إلى زامبيا في مارس 2023، وهي نقطة البداية لممر لوبيتو، ما سلط الضوء على الاهتمام المتزايد الذي تحظى به هذه الدول، ورغم أن الممر يعد بفوائد اقتصادية ضخمة، فإن الشعب الأنجولي، الذي يعيش 1 من كل 3 منه في فقر مدقع، لن يستفيد منه مباشرة.
اعتبارات أمنية
أوضح التقرير أن الاعتبارات الأمنية ساهمت في تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وأنجولا، خاصة مع انسحاب قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في النيجر وتزايد حضور فيلق أفريقيا الروسي في منطقة الساحل والمخاوف بشأن مبادرة الأمن العالمي الصينية، ما دفع واشنطن إلى خلق شراكات أفريقية “لضمان الوصول الاستراتيجي” ومكافحة حملات التضليل من المنافسين مثل روسيا.
وفي عام 2020، كانت روسيا والصين أكبر موردي الأسلحة إلى أنجولا، وعلى هذه الخلفية، تشير زيارات قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، الجنرال مايكل لانجلي، إلى أنجولا في نوفمبر 2022 ووزير الدفاع، لويد أوستن، في سبتمبر 2023 إلى أن أنجولا حليف أمني ناشئ للولايات المتحدة في القارة.
ورغم أن المساعدات العسكرية الأمريكية بدأت من مستوى منخفض، فإنها تزيد من حجم المساعدات العسكرية لأنجولا، ففي الفترة من 2020 إلى 2023، تجاوزت التزامات المساعدات العسكرية 21 مليون دولار أمريكي، رغم أنها أرسلت 4.28 مليون دولار فقط في تلك الفترة، ومن المتوقع أيضًا أن ينمو الدعم للتدريب العسكري والأمن البحري وإزالة الألغام وحفظ السلام وقدرات الأمن السيبراني.
النفوذ الصيني في إفريقيا
أشار التقرير إلى أن النفوذ الإقليمي المستمر للصين يشكل عاملًا في تنامي العلاقات بين الولايات المتحدة وأنجولا، فقد وقعت الصين اتفاقية لإعادة تأهيل هيئة سكك حديد تنزانيا وزامبيا (تازارا) بمنتدى التعاون الصيني الإفريقي في سبتمبر 2024، وأكملت خط سكك حديد تازارا الذي يبلغ طوله 1800 كيلومتر قبل 48 عامًا، والذي يربط زامبيا بميناء دار السلام.
ورغم أن أنجولا هي رابع أكبر مصدر إفريقي للنفط الخام إلى الولايات المتحدة، فإن 1.9% فقط من نفطها الخام يذهب إلى الولايات المتحدة، في حين يذهب 54% إلى الصين، ويظل نفوذ الصين كبيرًا، بما في ذلك حصتها في إحدى شركات ممر لوبيتو، إلا أن موارد الطاقة والمعادن في أنجولا تشكل أهمية بالغة للولايات المتحدة.
مصالح جيوسياسية
قال التقرير إن الزيارة التي يعتزم بايدن القيام بها تمثل تقدمًا استراتيجيًّا في العلاقات الأمريكية الأنجولية، حيث تقدم فوائد كبيرة لكلا الطرفين، ومن الواضح أن الولايات المتحدة تسعى إلى تحقيق مصالح جيوسياسية كبرى تهدف إلى تحدي الهيمنة الصينية والروسية في جنوب أفريقيا.
وأوضح أن رئيس أنجولا، جواو لورينسو، لديه فرصة للاستفادة من مصالح هذه القوى المتنافسة لصالح أنجولا، حيث تتيح زيارة بايدن لبلاد الفرصة لرفع مكانتها الدولية وتأكيد أولوياتها، ما يمثل انحرافًا كبيرًا عن السياسة الخارجية الأكثر هدوءًا للرئيس السابق خوسيه دوس سانتوس.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2010000