ستارمر.. المفتاح السياسي الجديد بين واشنطن وكييف

إسراء عبدالمطلب

في خضم تقلبات سياسية يمكن للحظات قليلة أن تصنع الفارق بين الحرب والسلام، فقد لعب رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، ومستشاره الأمني دورًا حاسمًا في إصلاح العلاقة المتصدعة بين كييف وواشنطن.

ومهد ذلك الطريق لاتفاق وقف إطلاق النار، والذي قد يشكل نقطة تحول نحو إنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وهذا ما كشفته صحيفة بوليتيكو في تقرير لها، الأربعاء 12 مارس 2025، حيث سلّط التقرير الضوء على الجهود البريطانية التي أسهمت في إعادة إحياء المفاوضات بين أوكرانيا والولايات المتحدة.

كير ستارمر

كير ستارمر

دبلوماسية خلف الكواليس

وفقًا لما أوردته الصحيفة، عمل رئيس الوزراء البريطاني وكبير مستشاريه الأمنيين بجهد كبير لإنقاذ العلاقة بين كييف وواشنطن، وصاغا خطة هدنة قد تمهد الطريق للسلام في المستقبل.

وبعث ستارمر الثلاثاء 11 مارس 2025، رسالتين عبر تطبيق “واتساب”، إحداهما إلى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والأخرى إلى الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، لتهنئتهما على موافقتهما على خطة وقف إطلاق النار، وعلى استعادة التدفق الحيوي للمساعدات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية من واشنطن إلى كييف.

وكانت هذه لحظة ارتياحٍ قصيرة لرئيس الوزراء البريطاني، الذي أمضى الشهرين الماضيين في محاولة حشد الحلفاء لدعم كييف، وقال ستارمر متحدثًا في البرلمان البريطاني يوم الأربعاء: “أنا سعيد لأننا أحرزنا تقدمًا، وسعيد للغاية لأن الولايات المتحدة قدمت دعمها لأوكرانيا”.

رياح الأيام الـ12

قبل 12 يومًا، كانت الآمال في اتفاق بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني شبه معدومة، حيث شهد المكتب البيضاوي مواجهة غير مسبوقة بين ترامب وزيلينسكي.

وعبّر ترامب ونائبه جيه دي فانس عن إحباطهما من زيلينسكي، فيما غضب فانس قائلاً إن الزعيم الأوكراني لم يُبدِ امتنانًا كافيًا للمساعدة الأمريكية. وحذّر ترامب زيلينسكي قائلاً: “لست في وضع جيد، ليس لديك أوراق اللعب الآن”، ليردّ الأخير قائلًا: “أنا لا ألعب الورق”.

وراقب القادة الأوروبيون الموقف برعب، وسارعوا لدعم زيلينسكي، وقال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون: “إذا كان هناك من يلعب لعبة الحرب العالمية الثالثة، فهو فلاديمير بوتين”، كما غردت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: “كن قويًا، كن شجاعًا، لا تخف. لن تكون وحدك أبدًا”.

استراتيجية الفوز باللحظة القادمة

المشهد الغاضب بين ترامب وزيلينسكي وضع رئيس الوزراء البريطاني أمام خيار صعب، فلم يكن بإمكانه انتقاد ترامب علنًا بعد زيارته الأخيرة للبيت الأبيض، لكنه أراد إظهار دعمه لأوكرانيا، وبدلًا من اللجوء لوسائل التواصل الاجتماعي، أصدر ستارمر بيانًا عبر متحدث باسمه يؤكد فيه “دعمه الثابت” لأوكرانيا.

وفقًا لمصادر “بوليتيكو”، بدأ ستارمر العمل سرًا على إيجاد حل، مستخدمًا الهاتف بدلًا من تويتر، حيث أجرى مكالمات مع كل من ترامب وزيلينسكي، في اليوم التالي، وصل زيلينسكي إلى لندن لحضور اجتماع مع قادة أوروبيين، واستقبله ستارمر عند مقر رئاسة الوزراء بعناق، مدركًا التأثير العاطفي العميق الذي أحدثه ترحيب الحشود به خارج “داونينج ستريت”.

قمة اليوم الواحد وخطة العمل

بعد قمة استمرت يومًا واحدًا في لانكستر هاوس، حدّد ستارمر المبادئ الأساسية لاتفاق السلام:

  •  استمرار تزويد الجيش الأوكراني بالأسلحة.
  •  التأكيد على أن أي اتفاق دائم يجب أن يضمن أمن أوكرانيا ويشمل كييف في المفاوضات.
  •  تعزيز دفاعات أوكرانيا لمنع أي هجوم روسي مستقبلي.
  •  نشر قوات لحفظ السلام.

كما أعلن ستارمر استعداده لنشر “قوات برية وطائرات بريطانية” كجزء من مهمة حفظ سلام مستقبلية، وفي المقابل كان ترامب يتجاهل هذه التحركات، حيث علّق المساعدات العسكرية لأوكرانيا ومنع تبادل المعلومات الاستخباراتية مع كييف.

الرجل الآخر

لعب مستشار الأمن القومي البريطاني، جوناثان باول، دورًا رئيسيًا في الجهود الدبلوماسية، إذ أن باول، الذي كان رئيسًا لهيئة الأركان في حكومة توني بلير، يتمتع بخبرة طويلة في التفاوض على اتفاقات السلام، حيث كان له دور بارز في اتفاق أيرلندا الشمالية.

وكلّف ستارمر باول بحل النزاع الأوكراني الأمريكي، حيث عمل مع نظيره الأمريكي مايك والتز، وظل على اتصال وثيق بالمسؤولين الفرنسيين والألمان، وفي عطلة نهاية الأسبوع، سافر باول إلى كييف للقاء زيلينسكي ومستشاريه، حيث عملوا على وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق وقف إطلاق النار، وفي جدة عُقد اجتماع حاسم بين الدبلوماسيين الأمريكيين والأوكرانيين.

نهاية مؤقتة أم بداية جديدة؟

أُعلن الاتفاق بعد أيام من الدبلوماسية المكثفة، لكن التساؤلات حول استمراره لا تزال قائمة، فبعد ساعات فقط، فرض ترامب رسومًا جمركية على جميع واردات الصلب والألمنيوم، متجاهلًا مناشدات حلفائه الأوروبيين.

ولا تزال روسيا ترفض الهدنة المؤقتة، والقتال يزداد سوءًا في الجبهات، ورغم أن ستارمر نال الإعجاب لجهوده في إعادة ترامب وزيلينسكي إلى طاولة المفاوضات، إلا أن بعض المسؤولين الغربيين يتساءلون عن قدرة بريطانيا العسكرية على الحفاظ على السلام.

ربما يعجبك أيضا