في حين تبدو الحمائية حلًا واضحًا ومغريًا للاتحاد الأوروبي، فإن الواقع أكثر تعقيدًا.
نشرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية مقالًا للكاتب، جدعون راشمان، يبرز فيه الأسباب وراء انتهاج الغرب لسياسة الحمائية.
ورأى راشمان، في مقاله المنشور أمس الاثنين 18 سبتمبر 2023، أن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي يعتقدان أن اقتصاداتهما، وكذلك استقرارهما الاجتماعي والسياسي، في خطر بسبب النمو الاقتصادي للصين.
سوء تقدير
استشهد الكاتب البريطاني بتصريح للرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش، في الفترة التي سبقت انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية في 2001. وحينها، قال بوش: “تعاملوا تجاريًا مع الصين بحرية والوقت يعمل لصالحنا”.
لكن بعدها بجيل، خلص الكثيرون في الغرب إلى أن الوقت كان يعمل لصالح الصين. وقال راشمان إن بوش كان يصدر حكمًا سياسيًا، واعتقد أن الصين التي تندمج أكثر في الاقتصاد العالمي ستصبح أكثر انفتاحًا وديمقراطية.
الرئيس الصيني شي جين بينج
إلا أن الصين، تحت حكم شي جين بينج، أصبحت أكثر انغلاقًا واستبدادية، كما أصبحت أكثر عداءً للولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، موّل النمو الاقتصادي الصيني السريع التعزيزات الضخمة للقوة العسكرية.
تداعيات على الولايات المتحدة
أشار راشمان إلى أن بعض صناع السياسة الأمريكيين ينظرون الآن إلى قرار ضم الصين إلى منظمة التجارة العالمية على أنه خطأ، معتقدين أن الدفعة الهائلة التي أعطاها للصادرات الصينية أسهمت بدرجة كبيرة في تراجع التصنيع في أمريكا. وساعد انعدام المساواة المتزايد في ذلك الوقت في صعود دونالد ترامب.
وحسب الكاتب البريطاني، هذا يثير تساؤلًا غريبًا بشأن ما إذا كانت العولمة، بعيدًا عن تعزيز الديمقراطية في الصين، قوضت الديمقراطية في الولايات المتحدة، لافتًا إلى أن هذه ستكون مفارقة تاريخية مسلية، إذا لم نكن نعيش عواقبها.
الديمقراطية الأمريكية
تشكل المخاوف بشأن سلامة الديمقراطية الأمريكية جزءًا أساسيًا من تبني إدارة جو بايدن للسياسة الصناعية، وفق راشمان. وأبقى بايدن على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين وأضاف دعمًا سخيًا لإعادة التصنيع إلى أمريكا ومنح الولايات المتحدة الريادة في تكنولوجيات المستقبل.
وقال راشمان إن البيت الأبيض يعتبر هذه السياسات ضرورية لإرساء استقرار المجتمع الأمريكي ونظامه الديمقراطي.
اقرأ أيضًا| حرب الرقائق مع الصين.. كيف تضر بالمصالح الأمريكية؟
سياسة الحمائية
استاء الكثيرون في أوروبا من تحول أمريكا تجاه الحمائية والسياسة الصناعية. لكن الإعلان الصادر الأسبوع الماضي، بشأن التحقيق الأوروبي في دعم الصين لصناعة السيارات الكهربائية، يشير إلى أن أوروبا بدأت مسارًا مشابهًا.
وذكر الكاتب البريطاني أن الرسوم الجمركية الأمريكية على السيارات الصينية 27.5%، مقارنة بـ10% للرسوم الأوروبية. لكن إذا وجد الاتحاد الأوروبي أن الصين تدعم صادرات سياراتها بنحو غير عادل، قد ترتفع هذه الرسوم.
وردت الصين على تحقيقات الاتحاد الأوروبي باتهام أوروبا بـ”الحمائية السافرة”. فيما أظهرت بعض الشخصيات الأمريكية المؤثرة مزيدًا من التعاطف، مثل جنيفر هاريس، التي ساعدت في وضع السياسة الصناعية الأمريكية في عهد بايدن، وكتبت تغريدة: “مرحبًا أوروبا. سعداء أنكم هنا الآن”.
الخوف من المنافسة
السيارات الكهربائية
إذا حذت أوروبا حذو أمريكا في اتباع السياسات الحمائية، ستفعل ذلك لأسباب مماثلة، وهي الخوف من أن المنافسة الصينية تقوض القاعدة الصناعية لأوروبا، واستقرارها الاجتماعي والسياسي. وأشار راشمان إلى أن صناعة السيارات هي أهم قطاع تصنيع في أوروبا، خاصة ألمانيا.
لكن تفوق أوروبا في صناعة السيارات العالمية يضعف بسرعة. ومن المتوقع أن تصبح الصين أكبر مُصدِّر للسيارات في العالم هذا العام. ويتفوق الصينيون في السيارات الكهربائية، التي تُعد سيارات المستقبل.
وحسب راشمان، سيكون من الصعب زعزعة هذه الميزة لأن الصين تهيمن على إنتاج البطاريات وإمداد المعادن الأرضية النادرة الضروريين للسيارات الكهربائية.
حقائق صعبة
على الرغم من حقيقة أن السيارات الكهربائية ستكون أساسية في التحول الأخضر لأوروبا، ما يوفر حافزًا إضافيًا للترحيب السيارات الصينية، قال راشمان إن الواقع الاجتماعي والسياسي أكثر تعقيدًا.
وحسب المفوضية الأوروبية، يوفر قطاع السيارات أكثر من 6% من الوظائف في الاتحاد الأوروبي، التي تقدم رواتب جيدة وتحتل مكانة كبيرة في دول مثل ألمانيا. ورؤية تلك الوظائف تنتقل إلى الصين سيكون له تأثيرًا اجتماعيًّا وسياسيًّا بالغًا.
الاعتماد على الصين
في حين تبدو الحمائية حلًا واضحًا ومغريًا للاتحاد الأوروبي، فإن الواقع أكثر تعقيدًا، وفق راشمان، لأن أوروبا لا تزال تحتاج إلى المنتجات الصينية، في صورة بطاريات ومعادن، لتصنيع السيارات الكهربائية للاستهلاك المحلي.
سيارات فولكس فاجن
وتُعد الصين كذلك أكبر سوق للسيارات، وأكبر سوق لصادرات مرسيدس وفولكس فاجن. وإذا فرضت أوروبا رسوم جمركية مرتفعة على السيارات الكهربائية الصينية، من المؤكد أن بكين ستنتقم. وعلى الجانب الآخر، تخسر الشركات الأوروبية حصتها السوقية في الصين، ومن المتوقع أن يتسارع هذا التراجع.
اقرأ أيضًا| برلين تخذل واشنطن.. لماذا توسع الشركات الألمانية استثماراتها في الصين؟
ماذا تفعل أوروبا؟
رأى راشمان أن هذه التعقيدات قد تعني أن أوروبا لن تسلك المسار الأمريكي في نهاية المطاف، وستضطر إلى التراجع بهدوء عن تهديداتها الحمائية. ومن ناحية أخرى، سيتصاعد الضغط السياسي والاجتماعي لإنقاذ صناعة السيارات الأوروبية، وصعود الأحزاب الشعبوية والقومية في أوروبا سيفاقم ذلك الضغط.
ورجح الكاتب البريطاني أن ينتهي المطاف بالاتحاد الأوروبي بتمرير نوع من الحل الوسط الفوضوي مثل قيود صادرات “طوعية” على السيارات الكهربائية الصينية. لكن أيا كانت النتيجة النهائية، من الواضح أن السياسة الصناعية والحمائية أصبحتا تحظيان بالاحترام مجددًا على جانبي الأطلسي.
اقرأ أيضًا| ما أهمية التحالف الأمريكي الأوروبي في مواجهة النفوذ الاقتصادي للصين؟
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=1618682