تواجه وزارة الدفاع الأمريكية تحديات كبيرة في خطتها المُمتدة لثلاثة عقود لتحديث ترسانتها النووية؛ وأعلنت القوات الجوية هذا الأسبوع عن تعليق أجزاء رئيسية من تطوير صاروخها الباليستي العابر للقارات الجديد، المعروف باسم “سينتينل”.
ووفقًا لما نشرته مجلة “ريسبونسبل ستيت كرافت” الأمريكية، في تحليل للباحث ويليام هارتونج، فإن هذا التعليق سيؤثر على منشآت التصميم والإطلاق في ولايتي كاليفورنيا ويوتا، ما قد يؤخر المشروع لمدة تتراوح بين 18 و24 شهرًا، لكن المشكلة لا تقف عند هذا الحد، إذ أن هذا المشروع له مخاطر على العديد من الأصعدة، بما في ذلك أمن الولايات المتحدة.
مشروع مضطرب منذ البداية
لم يكن مشروع “سينتينل” خاليًا من المشكلات منذ انطلاقه، وحصلت شركة “نورثروب جرومان” على العقد دون منافسة بعد انسحاب شركة “بوينج”، التي اتهمت وزارة الدفاع بتوجيه المناقصة لصالح منافستها.
وفي العام الماضي، خضع المشروع لمراجعة دقيقة بعد أن تبين أن تكلفته المتوقعة ارتفعت بنسبة 81% مقارنة بالتقديرات الأولية، ما رفع تكلفة الشراء وحدها إلى 141 مليار دولار، بينما ستصل التكاليف التشغيلية والصيانة إلى مئات المليارات خلال عمر النظام.
ورغم هذا التضخم الهائل في النفقات، أصر البنتاجون على المضي قدمًا في المشروع، مدعيًا أنه ضروري لردع أي هجوم نووي محتمل على الولايات المتحدة، لكن في ظل الضغوط المالية التي تواجهها الحكومة الفيدرالية، يرى هارتونج أن إلغاء مشروع “سينتينل” يعد خطوة بديهية لتوفير الإنفاق العسكري.
خطر استراتيجي
التحديات التي يفرضها “سينتينل” لا تتوقف عند حد الإنفاق الهائل، بل تمتد إلى المخاطر الأمنية التي قد يجلبها نشره، وقد حذر خبراء مستقلون، من بينهم وزير الدفاع الأسبق وليام بيري، من أن هذا النظام سيزيد من احتمالية اندلاع مواجهة نووية عن طريق الخطأ، ويعود هذا الخطر إلى طبيعة عمل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
ووفق المقال، لن يكون أمام الرئيس الأمريكي سوى دقائق معدودة لاتخاذ قرار بالإطلاق في حال ورود إنذار، حتى لو كان كاذبًا، بوجود هجوم نووي، مما يزيد من فرص حدوث كارثة غير مقصودة، ورغم هذه التحذيرات، لا يزال برنامج “سينتينل” يحظى بحصانة داخل البنتاجون وأروقة الكونجرس، استنادًا إلى العقيدة العسكرية التقليدية التي تعتبر أن “الثالوث النووي”، الذي يشمل القدرة على إطلاق الأسلحة النووية من الجو والبر والبحر، ضرورة أساسية لحفظ الأمن القومي الأمريكي.
غير أن هارتونج يشير إلى أن هذه العقيدة ليست سوى نتاج صراع بيروقراطي بدأ منذ الخمسينيات بين البحرية والقوات الجوية، حيث سعى كل طرف إلى تأمين حصته من الميزانية العسكرية المخصصة للأسلحة النووية.
اللوبي النووي وحماية المصالح الاقتصادية
يحظى برنامج “سينتينل” بدعم قوي من شبكة مصالح اقتصادية وسياسية واسعة، تقودها شركة “نورثروب جرومان” وشركاتها المتعاقدة، إضافة إلى “تحالف الصواريخ الباليستية العابرة للقارات” في مجلس الشيوخ، الذي يضم أعضاء يمثلون الولايات التي تستضيف قواعد للصواريخ أو مشاريع تطوير وصيانة مرتبطة بالبرنامج.
وقد نجح هذا اللوبي في عرقلة أي محاولات لتقليص حجم الترسانة النووية أو حتى دراسة بدائل للصاروخ الجديد.
عضو الكونجرس السابق جون تيرني، المدير التنفيذي لـ”مركز الحد من التسلح وعدم الانتشار”، لخص المشكلة بقوله: “الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ليست فقط زائدة عن الحاجة، بل تحمل مخاطر عالية للاستخدام العرضي، لا تجعلنا أكثر أمانًا، وإنما تخدم مصالح شركات الدفاع التي تحقق أرباحًا ضخمة من الميزانيات العسكرية المتضخمة على حساب دافعي الضرائب، هذا العبث يجب أن يتوقف”.
إصلاح البنتاجون يبدأ من هنا
في ظل الجهود التي تعهد بها الرئيس دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك لمراجعة ميزانية البنتاجون والبحث عن فرص لتخفيض الإنفاق، يخلص الباحث ويليام هارتونج إلى أن إلغاء برنامج “سينتينل” وإزالة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من الترسانة الأمريكية يجب أن يكون على رأس الأولويات، باعتباره اختبارًا حقيقيًا لمدى جدية هذه الإصلاحات في معالجة الهدر المالي والتخلص من البرامج العسكرية غير الفعالة.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2136025