شراكة تاريخية.. لماذا تعزز أمريكا علاقاتها بدول المحيط الهادئ؟

رنا أسامة

بعد قمة واشنطن، أصدرت الولايات المتحدة و14 دولة جزرية بالمحيط الهادئ إعلانًا مشتركًا، ينص على تعزيز شراكتهم من أجل ازدهار الديمقراطية في المنطقة في مواجهة التهديدات الصينية


أعلنت الولايات المتحدة شراكة وصفتها بالتاريخية مع دول جزر المحيط الهادئ، في قمة غير مسبوقة استضافتها واشنطن يومي 28 و29 سبتمبر الماضي، وسط مخاوف من النفوذ الصيني.

وخلال القمة تعهد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بالمساعدة في درء العداء الاقتصادي الصيني، واعدًا قادة جزر المحيط الهادئ بالعمل بجدية أكبر مع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها لتلبية احتياجاتهم.

تنسيق أكثر فاعلية

كانت هذه أول قمة تستضيف فيها الولايات المتحدة هذا العدد الكبير من قادة منطقة المحيط الهادئ، التي تعدها ساحة بحرية خلفية منذ الحرب العالمية الثانية، في حين أحرزت فيها الصين تقدمًا مطردًا، وفق ما ذكرته شبكة يورونيوز الأوروبية.

وتعهد بايدن خلال القمة بالتنسيق على نحو أكثر فاعلية مع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها في أنحاء العالم لتلبية احتياجات دول المحيط الهادئ على نحو أفضل، مشيرًا إلى إعطائه الأولوية لتقوية الشراكة الأمريكية مع الدول الجزرية ومساعدتها على مواجهة “التهديد الوجودي” لأزمة المناخ.

إعلان مشترك

بعد قمة واشنطن، أصدرت الولايات المتحدة و14 دولة جزرية بالمحيط الهادئ إعلانًا مشتركًا، ينص على تعزيز شراكتهم من أجل ازدهار الديمقراطية في المنطقة في مواجهة التهديدات الصينية، وتبني رؤية مشتركة لمنطقة يمكن للديمقراطية أن تزدهر فيها.

ومن بين الذين صادقوا على الإعلان المشترك، رئيس وزراء جزر سليمان، ماناسيه سوجافاري، الذي أشارت حكومته سابقًا إلى أنها لن توقع على الإعلان، ما أثار شكوكًا حول علاقاته مع الصين.

شراكة عميقة

حسب الموقع الإلكتروني الرسمي للحكومة الأمريكية، أظهرت القمة شراكة عميقة ودائمة بين الولايات المتحدة ودول جزر المحيط الهادئ، استنادًا إلى تاريخهم المشترك وقيمهم وروابطهم، في حين تعهدت واشنطن بأن تظل شريكًا ملتزمًا بدعم دول تلك المنطقة.

وعكست القمة توسيع وتعميق التعاون الأمريكي بشأن قضايا رئيسة مثل تغير المناخ، والاستجابة للأوبئة، والانتعاش الاقتصادي، والأمن البحري، وحماية البيئة، وتعزيز منطقة الهندوباسيفيك الحرة والمفتوحة، نظرًا لأن الولايات المتحدة دولة لها ساحل طويل ودولة جزرية وأقاليم بالمحيط الهادئ، يرتبط تاريخها وعقودها المستقبلية بصفة وثيقة وطويلة الأمد بالمنطقة.

جهود موسعة

تعهدت واشنطن، خلال القمة التي استمرت يومين، بتوسيع جهودها للشراكة مع بلدان جزر المحيط الهادئ، بشأن أكثر تحدياتها إلحاحًا، بما في ذلك مكافحة أزمة المناخ، وتحقيق مرونة اقتصادية وبيئية، وضمان الأمن المائي والغذائي والصحي والبحري، والحكم الرشيد، فضلًا عن بناء المرونة المناخية في المنطقة، ضمن خطة الطوارئ الرئاسية الأمريكية للتكيف والمرونة.

وشهدت القمة إعلان اعتزام الولايات المتحدة الاعتراف بجزيرتي كوك ونييوي، اللتين تتمتعان بحكم ذاتي، وترتبطان دبلوماسيًّا وعسكريًّا ونقديًّا بنيوزيلندا، وبذلك ستقوى واشنطن على زيادة وجودها الدبلوماسي في الجزر التي لا يتجاوز مجموع سكانها 20 ألف نسمة، في حين تقع في منطقة اقتصادية مهمة بجنوب المحيط الهادئ.

بايدن وبلينكن

صوت حيوي

أعلن بايدن خلال القمة تخصيص صندوق مساعدات جديد بـ810 ملايين دولار لجزر المحيط الهادئ، 600 مليون دولار منها في شكل حزمة مساعدات مدتها 10 أعوام، بهدف تنظيف المياه الملوثة دعمًا لصيد سمك التونة، فضلًا عن زيادة الدعم الأمريكي في مجال البيئة ومساعداتها التنموية وحضورها الدبلوماسي.

وقال بايدن إن جزر المحيط الهادئ تمثل صوتًا حيويًّا في تعزيز مستقبل الولايات المتحدة، مرحبًا بالقمة التي وصفها بأنها تاريخية، لا سيما أن الولايات المتحدة قدمت فيها استراتيجية جديدة بالمحيط الهادئ.

تعزيز دبلوماسي

تعزيزًا للوجود الدبلوماسي الأمريكي في المحيط الهادئ، زادت الولايات المتحدة من عدد موظفي خارجيتها في جزر المحيط الهادئ خلال السنوات الـ5 الماضية، في حين تخطط لزيادة عدد بعثاتها الدبلوماسية بالمنطقة من 6 إلى 9، ونشر موظفين إضافيين، وإعادة إنشاء بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في فيجي.

وفي 12 فبراير الماضي، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن بلاده تعتزم فتح سفارة بجزر سليمان في هونيارا، وفي ظهور افتراضي بمنتدى جزر المحيط الهادئ في يوليو الفائت، أعلنت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، خططًا لبدء مناقشات حول فتح سفارات أمريكية في مملكة تونجا وجمهورية كيريباتي، بحسب موقع الحكومة الأمريكية.

انفتاح صيني

في حين أن بايدن لم يشر إلى الصين في تصريحاته خلال القمة، قال للقادة الحضور إن “أمن أمريكا، بصراحة تامة، وأمن العالم، يعتمد على أمنكم وأمن جزر المحيط الهادئ”. وردًّا على سؤال حول تصريحات بايدن، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينج، يوم 30 سبتمبر الماضي، إن بكين لديها “موقف منفتح” تجاه الدول التي ترغب في تعزيز التعاون مع دول جزر المحيط الهادئ.

ومع ذلك، شددت على ضرورة عدم استخدام هذه البلدان بيادق في المنافسة بين القوى العظمى، وقالت ماو خلال إفادة إعلامية: “نأمل في أن تتمكن أمريكيا بصدق وإخلاص من دعم دول جزر المحيط الهادئ في الاستجابة لتغير المناخ وتحقيق تنمية نشطة، بدلًا من استخدام التعاون غطاء للانخراط في ألعاب الشطرنج الجيوسياسية في بكين”، وفق ما أوردته يورونيوز.

إقرار أمريكي

قال ديريك شوليت، مستشار وزارة الخارجية الأمريكية، إن قمة واشنطن جزء من جهد أوسع لتكثيف التواصل الأمريكي مع دول جزر المحيط الهادئ.

وأقر شوليت في مقابلة مع شبكة إيه بي سي نيوز الأمريكية بأن الولايات المتحدة تركت علاقتها مع تلك الدول الجزرية تتدهور، لكنه أشار إلى أن الوضع تغير الآن، وبدأت تلوح في الأفق مؤشرات إيجابية مع إعلان الشراكة التاريخية.

سياسة المعسكرات

عد الباحث في معهد إسلام آباد لبحوث السياسات، حمزة رفعت حسين، استراتيجية جزر المحيط الهادئ الأمريكية مثالًا على ترويج الولايات المتحدة لسياسة المعسكرات في المحيط الهادئ لتحقيق مآربها الجيوسياسية.

ووصف تفاصيل الاستراتيجية بأنها مثير للانقسام ومزعجة، بحسب مقال نشره شبكة تلفزيون الصين الدولية (سي جي تي إن) يوم 1 أكتوبر 2022.

عقلية استقطابية

في حين تقول الولايات المتحدة إن استراتيجيتها تهدف إلى تعزيز العلاقات مع دول المحيط الهادئ في مجالات عديدة، رأى المقال أنها انعكاس لعقلية استقطابية تسعى إلى دفع جزر المحيط الهادئ نحو ما أسماه رفعت حسين سياسات المعسكرات.

وزعم حسين أن الهدف الفعلي من الاستراتيجية الأمريكية هو تعزيز الانقسامات بين الدول الأعضاء في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لتركيزها غير المتناسب على التنافس الجيوسياسي.

ربما يعجبك أيضا