صانع السلام أم رجل الفوضى؟.. ترامب بين الادعاء والواقع

محمد النحاس

مع بدء ولايته الثانية، تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن يكون “صانع سلام”، مؤكدًا في خطابه الافتتاحي أن إرثه الأهم سيكون نشر السلام.

لكن بعد أسابيع فقط من هذا الوعد، تبدو الصورة أكثر تعقيدًا؛ وبدلًا من أن يكون رجل التهدئة، استهل فترته بتهديد جيران الولايات المتحدة، والتلميح إلى تدخل عسكري ضد عصابات المخدرات في المكسيك، بل واقتراح احتلال غزة بعد “إخلاء” سكانها، وفق مقال مجلة “ريسبنسبول ستيت كرافت” الأمريكية، نشرته 11 فبراير 2025.

سجل متناقض

في الوقت ذاته، لا يزال يسعى إلى التفاوض مع روسيا بشأن الحرب في أوكرانيا، والانفتاح على صفقة نووية جديدة مع إيران، وربما إعادة إحياء المفاوضات مع كوريا الشمالية.

رغم وعوده، يحمل سجل ترامب في السياسة الخارجية تناقضات كبرى؛ خلال ولايته الأولى، لم يبدأ حروبًا جديدة، لكنه اقترب من مواجهات كبرى، أبرزها مع إيران بعد اغتيال قاسم سليماني، ومع كوريا الشمالية قبل أن تتحول تلك التصعيدات إلى محادثات لم تؤدِ إلى نتائج ملموسة.

كما لم ينجح في إنهاء الحروب التي ورثها، إذ ظلّت القوات الأمريكية في سوريا وأوروبا، ولم يسحب الجنود الأمريكيين من أفغانستان رغم تفاوضه على اتفاق الانسحاب، ليهاجم لاحقًا بايدن على تنفيذ ما كان هو قد بدأه.

عقد الصفقات

لكن في ولايته الثانية، يبدو أن ترامب جاد في محاولة عقد صفقة مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، رغم فشله في تحقيق ذلك خلال رئاسته السابقة، كما أن تصريحاته عن الانفتاح على اتفاق جديد مع إيران تثير الدهشة، خاصة بعد أن ألغى بنفسه الاتفاق النووي الذي وقّعته إدارة أوباما.

وما يزيد الغموض هو اختياره ستيف ويتكوف، رجل الأعمال المقرب منه، للإشراف على الملف الإيراني بدلًا من شخصيات معروفة في السياسة الخارجية، ما يعكس نهجه القائم على إبرام “صفقات” أكثر منه على ممارسة دبلوماسية تقليدية.

فلسطين وإسرائيل.. سلام أم تصعيد جديد؟

أما في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فخطاب ترامب عن السلام يبدو بعيدًا عن الواقع؛ وكان دعمه لخطة إدارة بايدن لوقف إطلاق النار في غزة حاسمًا في إقناع إسرائيل بالموافقة.

خطة ترامب بشأن غزة. 02 لكن في المقابل، اقترح “إخلاء” غزة من سكانها وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، وهو طرح يعكس رؤية تهجير قسري لا تمتّ للسلام بصلة، بل قد تؤدي إلى تصعيد جديد أكثر عنفًا، كما أن سياسته تجاه الفلسطينيين تعكس استمرار نهج “صفقات بلا حلول طويلة الأمد”.

خطة ترامب بشأن غزة. 04

العوائق الداخلية.. الكونجرس و”الدولة العميقة”

لكن العقبات أمام ترامب لا تأتي فقط من الخارج، بل من الداخل الأمريكي أيضًا؛ فبينما يُنظر إلى إشعال الحروب على أنه أكثر أمانًا سياسيًا من صنع السلام، فإن عقد اتفاقيات كبرى يتطلب مواجهة مع مؤسسات واشنطن التقليدية، من الكونجرس إلى مراكز الأبحاث واللوبيات المؤثرة، التي غالبًا ما تعارض أي تغيير جذري في السياسة الخارجية.

ومع ذلك، يتمتع ترامب بموقع أقوى هذه المرة؛ فالحزب الجمهوري يقف خلفه بقوة، والكونجرس ليس لديه سلطة كبيرة لعرقلة أي اتفاقيات سلام، خاصة إذا تمت عبر أوامر تنفيذية بدلًا من معاهدات رسمية تحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ. 

وفق المقال، فإن هذا لا يعني أن الطريق سيكون سهلًا، فقد يستخدم خصومه أساليب أخرى مثل تعطيل تعيينات المسؤولين أو عرقلة الميزانيات اللازمة لتنفيذ أي اتفاق.

هل يستطيع ترامب الصمود بالمفاوضات الطويلة؟

التحدي الأكبر لترامب ليس في وجود العقبات، بل في شخصيته نفسها؛ فهو معروف بنزعته الاندفاعية ورغبته في تحقيق مكاسب سريعة، بينما تتطلب اتفاقيات السلام صبرًا طويلًا ومفاوضات معقدة، وتاريخيًا، استغرقت المفاوضات بشأن كوريا الشمالية عامين، والاتفاق النووي مع إيران أكثر من عام، واتفاق الانسحاب من أفغانستان نحو 18 شهرًا.

لكن ترامب ليس معروفًا بالصبر؛ فهو يهتم أكثر بالضجة الإعلامية التي ترافق المفاوضات، بدلًا من تفاصيلها الدقيقة، لذا، يبقى السؤال: هل سيتعامل مع محادثات السلام كما فعل مع طالبان، عندما التزم بالمسار التفاوضي؟ أم سيكون الأمر أشبه بمحادثاته مع كوريا الشمالية، حيث كانت القمم أكثر استعراضًا من كونها جادة؟.

سلام أم فوضى؟

يرى المقال أن تصريحات ترامب في ولايته الجديدة لا تبعث على التفاؤل؛ فبين تهديداته العسكرية، ومقترحاته الجذرية مثل غزو المكسيك أو تهجير الفلسطينيين، يبدو أن سياسته الخارجية تتأرجح بين التصعيد والمفاوضات غير المضمونة.

وتخلص المجلة الأمريكية ختامًا أنه إذا كان يسعى حقًا ليكون “صانع سلام”، فعليه إثبات ذلك بأفعال تتجاوز الخطابات الرنانة والصفقات قصيرة المدى، وإلا، قد يصبح إرثه أكثر ارتباطًا بالفوضى منه بالسلام.

ربما يعجبك أيضا