بعد ساعات من فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية، أصدرت حكومة طالبان المؤقتة في كابول بيانًا صيغ بعناية عبر الإنترنت يعكس محاولاتها لإضفاء الطابع الرسمي على وجودها الدبلوماسي على الساحة الإقليمية والعالمية، وتسويق واقعها السياسي كمصدر وحيد للسلطة والحكم في كابول.
وتسعى طالبان الآن لتحقيق هدفها الأكبر نحو الشرعية الدولية، وقد تمكنت من ذلك نوعًا ما، وبينما كانت دراما الانتخابات الأمريكية لا تزال تتكشف، كان الهنود بالفعل في كابول لمواصلة انخراط صعب ومتنازع عليه، ولكنه حاسم مع طالبان.
بيان معقد
أوضحت مؤسسة “أوبزرفر ريسيرش فاونديشن”، في تقرير نشرته الثلاثاء 12 نوفمبر 2024، أن بيان طالبان لم يصل إلى حد تهنئة ترامب على فوزه، فأيديولوجية الحركة لا تعترف بالديمقراطية، لكنه أعرب عن أمله في اتباع نهج عملي تجاه أفغانستان، مذكِّرًا العالم بنجاح اتفاق الدوحة بين طالبان وإدارة ترامب الذي أنهى حربًا استمرت عقدين من الزمان.
ومن المثير للاهتمام أن طالبان، في ختام البيان، أعربت عن أملها في أن تعمل إدارة ترامب على إنهاء الحروب في غزة ولبنان، ومثل العديد من دول المنطقة، اتخذت طالبان أيضًا موقفًا قويًا ضد إسرائيل، واضعةً ثقلها وراء القضية الفلسطينية دون تعبير صريح عن دعم حماس أو حزب الله.
ترامب والعودة إلى أفغانستان
أوضح التقرير أن طالبان تحاول إضفاء أهمية على بقائها السياسي اليوم، في ظل هشاشتها الملموسة كنظام سياسي، مشيرًا إلى أن وصول طالبان للحكم مرة أخرى له علاقة بإدارة ترامب، وخاصة مع المبعوث الأمريكي الخاص السابق لأفغانستان، زلماي خليل زاد، كما أن ترامب انتقد الطريقة التي أدارت بها إدارة بايدن عملية الخروج الأمريكي من البلاد.
وقال ترامب إن الولايات المتحدة كان ينبغي أن تحتفظ بالسيطرة على مطار باجرام، أكبر منشأة عسكرية تديرها الولايات المتحدة على بعد 60 كيلومترًا خارج كابول، ولم يؤسس هذا الرأي على مكافحة الإرهاب أو على التعامل مع طالبان بشكل مباشر، بل على قرب أفغانستان من الصين ومساحات الموارد الطبيعية هناك التي لا تزال غير مستغلة.
ولفت التقرير إلى أن ترامب خلال حملته، وعد “باستعادة” باجرام، ولكن لا يزال من غير المرجح أن تعود الولايات المتحدة تحت قيادته إلى البلاد بأي صفة رسمية، ويبقى أيضًا أن نرى كيف سينظر الجمهوريون تحت قيادة ترامب إلى الجماعات المناهضة لطالبان، وما إذا كان الدعم لها سيجد اهتمامًا متجددًا داخل الحزب.
مواجهة جماعات الشر
مع خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، وعودة ترامب إلى السلطة في البيت الأبيض، ستضطر طالبان إلى التعمق في الحوار حتى تظل منخرطة سياسيًّا مع الولايات المتحدة، وقطعت الحركة خطوات ملحوظة في التعامل مع المجتمعات الإقليمية والدولية، فأعادت تسويق نفسها كجماعة قادرة على مواجهة جماعات الشر والعنف العالمية، مثل تنظيم داعش في خراسان.
إلا أن طالبان تساروها المخاوف بشأن رئاسة ترامب واتخاذه للقرارات غير المنتظمة، وهو أمر مهم نظرًا لأن العديد من الجماعات الإسلامية شاركت طالبان في حروبها، خاصة تنظيم القاعدة، الذي لم يعلن عن زعيم له بعد اغتيال أيمن الظواهري في كابول بسبب الضغوط التي مارستها حركة طالبان عليه.
علاقة إيران وطالبان
كان خروج الولايات المتحدة من أفغانستان أحد المكاسب الأساسية التي شهدتها إيران على مدى السنوات القليلة الماضية، وعلى الرغم من أن طهران لا تتفق مع طالبان أو تتقبلها كجار، إلا أنها ترى العلاقات الوظيفية معهم أكثر قبولا من الوجود العسكري الأمريكي على جانبي حدودها الشرقية والغربية.
ومع استراتيجيتها “الدفاعية الأمامية” التي تشمل وجود وكلاء في سوريا والعراق واليمن، وحدود هادئة نسبيًّا مع أفغانستان، تأمل طهران في وضع مسافة كافية بينها وبين القوات الأمريكية في المنطقة، ومن ثَمَّ فإن طالبان، سواء أرادت أم لا، جزء من هذا الإطار الجيوسياسي، ففي فبراير الماضي، ألمح المبعوث الإيراني الخاص إلى أفغانستان، حسن كاظمي قم، إلى أن أفغانستان جزء من “محور المقاومة” الإيراني.
وتظل خيارات طالبان محدودة، فإذا اندلع صراع أوسع بين إسرائيل وإيران، لن يكون أمامها إلا التقرب من مواقف طهران، أو الانضمام بالكامل، فالأسس الأيديولوجية للحركة تمنعها من اتخاذ موقف عقلاني أو دبلوماسي، بل ربما تحشد الجماعات المقيمة في أفغانستان قواتها بمفردها أو تجعل من البلاد نقطة انطلاق، ما يشكل تحديًّا مباشرًا لجهود طالبان الرامية إلى إظهار الحياد السياسي.
مشاركة إيجابية
لا يُتوقع أن يهتم ترامب بهذا الجزء من العالم في أي وقت قريب، لذلك ستكون فترة رئاسته اختبارًا للذكاء السياسي والدبلوماسي لطالبان، فلا تزال الحركة تواجه الكثير من المعارك الإيديولوجية الداخلية بين مراكز القوة في كابول وقندهار، والاشتباكات الحدودية مع جارتها باكستان، والوعود الاقتصادية، وتمكنها من التوصل إلى اتفاق مع واشنطن واستعادة السيطرة والسلطة نجاح كبير يحتسب لها.
من جانبه، قال رئيس المكتب السياسي لطالبان في الدوحة، سهيل شاهين، إن الحركة تأمل في تحسين العلاقات مع واشنطن بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لافتًا إلى أن الحركة منفتحة على المشاركة الإيجابية مع العالم والولايات المتحدة، معربًا عن أمله في التعاون في مجالات مثل تنمية الموارد الطبيعية.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2044592