في مشهد لم تعتده الولايات المتحدة، يخوض الملياردير إيلون ماسك حربًا مفتوحة ضد الحكومة الفيدرالية، عبر ما أسماه وزارة كفاءة الحكومة، محاولًا فرض رؤيته على جهات السلطة المختلفة.
هذه المواجهة، التي تتسم بحماس هائل وفوضى غير مسبوقة، تكشف جانبًا آخر من شخصية إيلون ماسك التي لطالما أثارت الجدل، بين اعتباره مُصلحًا جريئًا أو مجرد رجل أعمال يسعى إلى فرض نفوذه وتحقيق مصالحه الخاصة، وفق مقال لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، نشرته في 15 فبراير 2025.
الهجوم ليس بدافع المصالح فقط
يُمكن النظر إلى دوافع ماسك من زاوية المصالح المباشرة، إذ تمتد أعماله من مجال السيارات الكهربائية مرورًا بالصواريخ الفضائية وليس انتهاءً بالذكاء الاصطناعي، ما يمنحه اهتمامًا واسع النطاق بكيفية عمل الحكومة، والتي يجمعه معها العديد من العقود والشراكات، وفق المقال.
لكن الأمر اللافت، أنه في واقع الأمر لم يكن بحاجة إلى صدام مباشر، فـ”سبيس إكس” تُهيمن بالفعل على قطاع الفضاء الأمريكي، بل وازدهرت هذه العلاقة في ظل الإدارة الديمقراطية السابقة.
كما أن “تسلا”، عملاق تصنيع السيارات الكهربائية، لن تُحقق مكاسب ضخمة من هذه المعركة، خاصة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يُبدِ دعمًا خاصًا لصالح قطاع الطاقة المتجددة.
تمرد ثقافي؟
بجانب المصالح، يوجد بعدًا ثقافيًا؛ فقد أعرب ماسك عن استيائه من ما وصفه بـ”التفشي الفيروسي” للتحوّل الجنسي، في إشارة منه إلى عملية تحول أحد أبنائه والتي كانت سببًا رئيسًا في صدامه مع ما يراه “أجندة تقدمية”.
وفق المقال، فإن هذه العداوة تجاه مفاهيم “التنوع”و “المساواة” لم تقتصر على الخطاب، بل انعكست في دعوته لإعادة هيكلة الحكومة بما يشمل تقييد هذه البرامج.
ورغم أن البرامج المرتبطة بهذه القضايا تشكل جزءًا ضئيلًا من الإنفاق الحكومي، فإن الهجوم عليها كان وسيلة لتعبئة قاعدة واسعة من المعارضين لهذه الأجندة، وهي استراتيجية كانت فعّالة إلى حدٍ كبير.
عقلية ماسك
لفهم سلوك ماسك، لا بد من النظر إلى طريقته في التفكير؛ فهو ينطلق من رؤية هندسية تكنولوجية ترفض القيود، حيث يعتبر أن الحلول يجب أن تبدأ من المبادئ الأولى، حتى لو بدت غير واقعية.
وبالنسبة له، الاعتراف بالحدود يعني القبول بالفشل؛ هذه النزعة تبدو واضحة في قراراته السابقة، مثل تخفيض التكاليف إلى الحد الأقصى بعد استحواذه على إكس، وهي العقلية نفسها التي يحاول تطبيقها الآن على الحكومة.
ليس الأول
وفق المقال، فإن ماسك ليس أول ملياردير يتبنى نزعة ليبرالية متطرفة، لكنه يختلف عن مستثمرين مثل بيتر ثيل، الذي رأى أن الحرية لا يمكن أن تتعايش مع الديمقراطية، والحل يكمن في الهروب إلى فضاءات جديدة مثل الفضاء الإلكتروني أو المريخ.
ماسك، رغم جرأته، لا يتبنى رؤية فكرية متماسكة بهذا الشكل، لكنه يسعى لإعادة تشكيل الحكومة وفق تصوره “التكنولوجي”، بحجة أنها الطريقة الأكثر ديمقراطية.
هل يمكن إيقافه؟
رغم اندفاع ماسك وعنفوانه، فإن وزارة الكفاءة الحكومية تواجه عقبات حقيقية، فتكاليفها السياسية قد تدفع البيت الأبيض إلى إعادة النظر، كما أن المحاكم الفيدرالية قد تتدخل للحد من سلطاته.
لكن حتى يحدث ذلك، يبدو أن طموحات ماسك ستستمر بلا هوادة، مدفوعةً بمزيج من الحماس التكنولوجي، والاعتداد بالنفس، والرغبة في إعادة رسم قواعد اللعبة.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2137739