نشرت “ديفنس نيوز” تقريرًا يشير إلى أن تخلي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن التحالفات واعتمادها سياسة خارجية قائمة على الصفقات الفردية يعجّل بانهيار نظام منع الانتشار النووي.
وكان أحد الأسباب الرئيسية لامتناع دول مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية عن تطوير قدرات نووية مستقلة هو التزام الولايات المتحدة بأمنها، ولكن مع تراجع واشنطن عن تلك الالتزامات أو التشكيك فيها أو حتى رفضها، فقد زالت المبررات التي كانت تمنع هذه الدول من امتلاك أسلحة نووية، حسب ما نشرت المجلة الأحد 16 مارس 2025.
إرث منع الانتشار النووي في خطر
طوال عقود، استند نظام منع الانتشار النووي إلى قناعة راسخة بأن عالمًا تزداد فيه الدول المسلحة نوويًا سيكون أكثر خطورة وأقل استقرارًا من عالم تحتكر فيه قلة من الدول هذه الأسلحة. صحيح أن الولايات المتحدة وروسيا، بما في ذلك في الحقبة السوفيتية، لم تخوضا حربًا مباشرة، لكن امتلاك الأسلحة النووية لم يلغِ شعور أي من الطرفين بعدم الأمان أو التهديد المستمر.
ورغم أن الردع النووي قد يكون لعب دورًا في الحيلولة دون اندلاع حرب عالمية ثالثة، فإن أحداثًا مثل أزمة الصواريخ الكوبية أكدت أن زيادة عدد الدول النووية يرفع من احتمالية الحوادث وسوء التقدير، وهو ما قد يؤدي إلى صراعات كارثية.
موجة انتشار نووي جديدة
في ظل التراجع الأمريكي عن الالتزامات الأمنية، يبدو أن أولى الدول المرشحة للسعي إلى امتلاك أسلحة نووية هي الحلفاء التقليديون لواشنطن الذين يواجهون تهديدات أمنية ملحة ويمتلكون الموارد التقنية والمالية اللازمة، مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية.
وإلى جانب ذلك، هناك دول أخرى لديها القدرة على التحرك سريعًا في هذا الاتجاه، مثل السويد وبولندا وتركيا ومصر وكندا وأستراليا؛ أما إيران، فهي بالفعل على طريق الحصول على السلاح النووي، في حين أن بعض الدول التي تخلت سابقًا عن برامجها النووية، مثل جنوب إفريقيا والبرازيل والأرجنتين، قد تجد في المناخ الجديد مبررًا لإعادة تشغيل تلك البرامج.
التاريخ يؤكد أن امتلاك الإرادة السياسية يمكن أن يعوض نقص التمويل والتكنولوجيا، وهو ما أثبتته دول مثل باكستان والهند وكوريا الشمالية، وعلى هذا الأساس، فإن دولًا أخرى مثل السعودية وتايوان وسوريا وكازاخستان وفيتنام قد تسعى إلى الانضمام إلى النادي النووي، خاصة إذا شعرت أن التوازنات الأمنية لم تعد تضمن مصالحها الاستراتيجية.
ردود فعل دولية وتصاعد التوترات
لا يمكن لمثل هذا السباق النووي أن يظل في الخفاء، إذ ستؤدي محاولات الدول الجديدة امتلاك أسلحة نووية إلى ردود فعل عنيفة من القوى النووية القائمة، وكذلك من الدول المجاورة، وخلال الحرب العالمية الثانية، شن الحلفاء غارات سرية لتدمير البرنامج النووي الألماني النازي.
وفي العقود اللاحقة، تسببت المخاوف من انتشار الأسلحة النووية في أعمال عدائية مباشرة، كما حدث مع الضربة الإسرائيلية لمفاعل “أوزيراك” العراقي، والهجوم الإلكتروني “ستوكسنت” على برنامج إيران النووي، والقصف الإسرائيلي لمفاعل سوريا السري.
وخلال الحرب الباردة، ناقش الاتحاد السوفيتي مع الولايات المتحدة إمكانية شن ضربة عسكرية ضد البرنامج النووي الصيني، فيما كانت واشنطن على وشك القيام بعمل عسكري ضد منشآت كوريا الشمالية النووية خلال إدارة كلينتون.
ماذا سيفعل خصوم أمريكا؟
في العصر الحالي، لن تقف دول مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية مكتوفة الأيدي أمام احتمالية انضمام اليابان أو كوريا الجنوبية إلى النادي النووي.
بالنسبة لموسكو، فإن مجرد فكرة امتلاك ألمانيا أو بولندا أسلحة نووية ستكون كابوسًا استراتيجيًا، بينما من غير المرجح أن تقبل الصين بامتلاك تايوان لسلاح نووي دون اتخاذ إجراءات صارمة.
تفكك النظام الدولي وزيادة الفوضى
ساهمت سياسات الرئيس ترامب في إعادة تشكيل المشهد الاستراتيجي العالمي، حيث انطلق من قناعة بأن النظام العالمي بعد الحرب الباردة كان مكلفًا للغاية بالنسبة للولايات المتحدة.
ومن وجهة نظره، فإن الحلفاء لا يستحقون التكلفة الباهظة للدفاع عنهم، كما أن التهديدات العسكرية، وخصوصًا من روسيا، قد تم تضخيمها من قبل الإدارات السابقة، إلا أن تراجع الدور الأمريكي أدى إلى فراغ أمني تستغله الدول الأخرى لإعادة رسم خريطة القوة العالمية.
ومع سعي الحلفاء السابقين إلى ضمان أمنهم عبر امتلاك أسلحة نووية أو البحث عن تحالفات بديلة، واستفادة الخصوم من الفوضى لتوسيع نفوذهم، يبدو أن النتيجة الأكثر ترجيحًا هي سباق تسلح نووي غير مسبوق، وفي ظل هذا المشهد، من الصعب تصور كيف يمكن أن يوفر هذا الوضع أمنًا أكبر أو رخاءً اقتصاديًا أكبر للولايات المتحدة مقارنة بالنظام العالمي الذي تخلت عنه.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2165865