أقامت العديد من الدول الإفريقية منذ فترة طويلة علاقات عميقة الجذور مع فلسطين، ولكن في السنوات الأخيرة تمكنت إسرائيل من تحقيق تقدم في استخدام الاستراتيجيات الاقتصادية للتأثير على الآراء.
ومع تجدد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وجدت العديد من الدول الإفريقية فجوة بين أهدافها الاقتصادية والتجارية، وأصبحت حقائقها السياسية والثقافية أكثر وضوحًا.
مواقف متباينة
أوضح معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، في تقرير نشره في أغسطس 2024، أن الدول الإفريقية تفاعلت بطرق مختلفة مع هجوم حماس في 7 أكتوبر، والحرب في غزة، ففي الأيام التي أعقبت هجوم حماس، أدانت بعض الدول الإفريقية هذا الهجوم، ومن بينها كينيا وغانا وتوجو والكاميرون وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي المقابل، ألقت جنوب إفريقيا والدول العربية في شمال القارة باللوم على إسرائيل في التصعيد، وبرزت جنوب إفريقيا باعتبارها الدولة الإفريقية غير المسلمة الأكثر عداءً لإسرائيل، وإلى جانب تشاد، كانت جنوب إفريقيا الدولة الإفريقية الوحيدة التي استدعت ممثليها الدبلوماسيين من إسرائيل، كما أقر البرلمان الجنوب إفريقي قرارًا يدعو الحكومة إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل تمامًا.
ورغم التدابير الاستثنائية التي اتخذتها جنوب إفريقيا منذ اندلاع الحرب، فإن موقفها يكشف عن الرغبة في الحفاظ على التوازن بين إدانتها القوية لإسرائيل وتأييدها الشديد للفلسطينيين، والمصلحة الواضحة لحكومتها في تجنب قطع العلاقات تمامًا مع إسرائيل، التي تربطها بريتوريا علاقات اقتصادية لا يمكن إهمالها.
على الحياد
مع بداية الحرب على غزة، أصدر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، بيانًا ناشد فيه الطرفين بالتوقف عن القتال، والعودة إلى طاولة المفاوضات دون شروط، وأشار إلى أن عدم حصول الفلسطينيين على دولة مستقلة هو أحد أسباب التصعيد الدائم في المنطقة.
وحضر فقي اجتماعًا مع الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، صدر على إثره بيانًا مشتركًا من الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية مطالبين بفتح ممرات إنسانية والوقف الفوري للأعمال العسكرية في غزة، كما حذر البيان من الاجتياح البري لغزة الذي “قد يفضي إلى إبادة جماعية غير مسبوقة”
دعم فلسطين
صوتت أغلبية الدول الإفريقية في الأمم المتحدة لصالح قرارات تطالب بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة، وتبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا غير ملزم يدعو إلى هدنة إنسانية، بعد أن صوّتت 120 دولة لصالح القرار وعارضته 14 دولة، وامتنعت 45 دولة عن التصويت، وأفادت مؤسسة Development Reimagined، في دراسة تحليلية عن موقف الدول الإفريقية من الحرب في غزة، بأن أكثر من ثلث الدول التي صوّتت لصالح القرار (وعددها 39 دولة) كانت إفريقية، فيما امتنعت 6 دول إفريقية فقط عن التصويت، ولم تصوّت أي دولة إفريقية ضدّ القرار.
وصدرت أكثر البيانات المؤيّدة للشعب الفلسطيني عن جمهورية جنوب إفريقيا ودول شمال إفريقيا، فيما بقيت دول عدّة في غرب القارة السمراء وجنوبها متعاطفة مع القضية الفلسطينية، إلا أن مواقفها كانت أقل اندفاعًا، وفي خطوة جريئة، قدّمت جنوب أفريقيا، ومعها جزر القمر وجيبوتي وبنجلاديش وبوليفيا، طلبًا إلى المحكمة الجنائية الدولية بإجراء تحقيق بشأن ارتكاب إسرائيل جرائم حرب، من ضمنها مقتل مواطنين من جنوب أفريقيا في الغارات الجوية على غزة، ودعت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، ناليدي باندور، الحركات النقابية إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وأكد رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، دعمه للقضية الفلسطينية، حيث ظهر في فيديو يرتدي الكوفية الفلسطينية، ويطالب بالوقوف مع الشعب الفلسطيني.
وفي السنغال، طالبت الحملة السنغالية للدفاع عن القدس وفلسطين، المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، ودعت كل الفعاليات الشعبية والرسمية في السنغال إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني ودعمه، وترأس السنغال لجنة الأمم المتحدة للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
دعم إسرائيل
في المقابل، عبّرت دول إفريقية أخرى، منها كينيا وغانا، عن انحيازها إلى إسرائيل، وأدانت بشدّة هجمات حماس، واعترفت بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في وجه الإرهاب، وانضمت كينيا إلى بقية العالم في التضامن مع إسرائيل، وأدانت ما وصفته بـ”الإرهاب والهجمات على المدنيين الأبرياء في البلاد”.
ولم تكن كينيا الدولة الوحيدة المتضامنة مع إسرائيل، إذ أعربت غانا عن موقفها الداعم لإسرائيل و”حقها في الوجود والدفاع عن النفس”، وبصفتها عضوا مؤقتا في مجلس الأمن، امتنعت غانا عن التصويت لصالح مشروعي قرارين لوقف إطلاق النار في غزة، أحدهما روسي والآخر برازيلي.
وكان للكاميرون والكونغو الديمقراطية مواقف مشابهة، فأعلنت دعمها لإسرائيل في ظل ما أسمته “الهجوم الإرهابي على أراضيها”، وأرسل كلا الرئيسين بول ميا رئيس الكاميرون، وفيليكس تشيسكيدي رئيس الكونغو الديمقراطية، تعازيهما للقتلى الإسرائيليين.
وضع إسرائيل في القارة
قال تقرير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إن موقف إسرائيل ضعيف نسبيًّا في أغلب الدول الإفريقية المسلمة، فالدول الإفريقية الـ9 التي لا تربطها أي علاقات دبلوماسية بإسرائيل هي جميعها دول إسلامية في شمال إفريقيا، ومنطقة الساحل، والقرن الإفريقي، وعامل الدين الإسلامي لا يؤثر فقط على الدول الإفريقية الأعضاء في جامعة الدول العربية، بل على الدول التي تضم أعدادًا كبيرة من المسلمين غير العرب الذين كانوا يعتبرون في السابق “معتدلين” في موقفهم من إسرائيل، مثل السنغال ونيجيريا، حيث شهدت احتجاجات شعبية على الحرب في غزة.
وأضاف أن مكانة إسرائيل أصبحت ضعيفة في الجزء الجنوبي من القارة، حيث تحظى القضية الفلسطينية بدعم كبير، وفي العقود الأخيرة، كانت جنوب إفريقيا إحدى أكثر الأصوات انتقادًا لإسرائيل في القارة، وينبع موقف الحكومة الجنوب إفريقية المناهض لإسرائيل من شعور بالتضامن التاريخي والثقافي مع الفلسطينيين، مصحوبًا بمشاعر عميقة معادية للصهيونية.
ولفت إلى أن الانتقادات الجنوب إفريقية تزايدت في الأعوام الأخيرة من خلال دعم حماس في صراعاتها مع إسرائيل، وخفضت جنوب إفريقيا تمثيلها في إسرائيل حتى قبل الحرب الحالية؛ وأعرب الحزب الحاكم في البلاد عن دعمه لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وقادت حكومة جنوب إفريقيا حملة ناجحة لحرمان إسرائيل من وضعها كمراقب في منظمة الوحدة الأفريقية.
تجنيد اللاجئين الأفارقة
كشفت صحيفة “هآرتس”، في 15 سبتمبر 2024، عن سعي إسرائيل لاستغلال طالبي اللجوء من دول إفريقية لتجنيدهم كمرتزقة للقتال في قطاع غزة، ما يعكس مؤشرات أوسع على التحديات والخسائر التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي في مواجهاته المستمرة مع المقاومة الفلسطينية.
وأضافت أن إسرائيل تغري هؤلاء اللاجئين بالوعود بتحسين أوضاعهم المعيشية والحصول على تصاريح إقامة، مقابل الانخراط في العمليات العسكرية، ما يضعهم في وضع مأساوي، فيجدون أنفسهم مضطرين للقتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، لضمان بقائهم في البلاد.
وأشارت تقارير حقوقية إلى أن استخدام مرتزقة من طالبي اللجوء الأفارقة لا ينفصل عن محاولات الجيش الإسرائيلي للبحث عن وسائل لتقليل خسائره البشرية، إذ أن الاستعانة بهؤلاء الأفراد كقوى إضافية تعكس واقعًا أكثر قتامة يكشف أن الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص الموارد البشرية الكافية لتنفيذ عملياته المكثفة، كما أن هذا الوضع يكشف عن التوترات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي حول الخدمة العسكرية، حيث يبدي عدد متزايد من الشباب الإسرائيلي ترددًا في المشاركة في العمليات العسكرية المستمرة.
وأثارت هذه الممارسات انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان، التي ترى في تجنيد طالبي اللجوء استغلالًا صارخًا للفئات الأكثر ضعفًا، إذ يُنظر إلى هذا التصرف على أنه انتهاك للقوانين الدولية التي تحظر استخدام اللاجئين والمهاجرين كأدوات في النزاعات المسلحة، كما أن هناك تخوفات من أن يؤدي استخدام هؤلاء المرتزقة إلى تفاقم الصراع في غزة، وتعميق الجروح الإنسانية الناجمة عنه.
مستقبل علاقات إسرائيل وإفريقيا
شكلت الحرب الإسرائيلية في غزة إحدى أخطر الأزمات التي تواجه حكومة بنيامين نتنياهو، فأصبحت علاقات إسرائيل الداخلية والدولية والإقليمية أكثر تعقيدًا نتيجة أفعالها، وخلق صورة سلبية ووحشية أمام العالم، ما دفع بالعلاقات الإسرائيلية الإفريقية إلى التراجع جزئيًّا.
وأصبحت الدول الإفريقية ترى أن التقارب مع إسرائيل في ظل الحرب على غزة يمثل عبئًا أمنيًّا وسياسيًّا وأخلاقيًّا عليها، لذلك، ستكون تلك الدول حريصة على مراجعة علاقاتها مع دولة الاحتلال، حيث أن هذه العلاقة لن تحمل أي نتائج مهمة تخدمها.
وستؤثر تداعيات استمرار الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، على مستقبل العلاقات الإسرائيلية ببعض دول القارة، حيث تنامت التيارات القومية الداعية للتمسك بـ”قيم الجماعة الإفريقية” والمناهضة لاتجاهات التطبيع مع إسرائيل، خاصة في ضوء الصعوبات التي تكتنفها السيناريوهات المحتملة لنهاية الحرب في قطاع غزة.
هذا سيؤدي إلى عرقلة جهود إسرائيل لتعميق وجودها في القارة الإفريقية، والتي كانت آخرها السودان في 23 أكتوبر 2020، والبدء في العلاقات الاقتصادية والتجارية رسميًا، مع التركيز على مجالات التكنولوجيا الزراعية والطيران والهجرة وغيرها.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=1999734