تأثر ملف الغذاء العالمي بعدة معوقات منذ نهاية 2019 مع بداية جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، وزيادة ضغط التغيرات المناخية.

وفي ظل تطورات عدة في السوق العالمية للمحاصيل الزراعية، تشير التوقعات إلى أن أسعار القمح، أحد أهم الحبوب الغذائية، ستشهد ارتفاعًا عالميًّا خلال الموسم المقبل، حسب إحصاءات أعدتها شركة “ستاتيستا” الألمانية.

عجز كبير في إنتاج القمح عالميًّا

وفق إحصاءات “ستاتيستا” لحجم الإنتاج العالمي من القمح وحجم الاستهلاك خلال آخر 4 سنوات، بلغ حجم الإنتاج العالمي من القمح خلال 2019/2020 نحو 762 مليون طن، مقابل استهلاك عالمي بقرابة 747 مليون طن، ليسجل الإنتاج فائضًا يقدر بـ15 مليون طن.

اقرأ أيضًا| أسعار القمح الروسي تواصل مكاسبها الأسبوعية

لكن خلال 2020/2021 بدأ حجم الإنتاج العالمي من القمح يسجل عجزًا بمقدار 7 ملايين طن عن حجم الاستهلاك، إذ بلغ الإنتاج العالمي 775 مليون طن، والاستهلاك العالمي 782 مليون طن، وفي العام التالي 2021/2022 ارتفع العجز إلى 14 مليون طن، مع إنتاج بنحو 779 مليون طن مقابل استهلاك بـ793 مليون طن.

اقرأ أيضًا| قفزة في أرباح «دار الأركان» السعودية بالربع الثاني من 2023

وفي العام 2022/2023 تراجع العجز في إنتاج القمح قليلًا إلى 10 ملايين طن عن حجم الاستهلاك، إذ وصل الإنتاج العالمي إلى 781 مليون طن، والاستهلاك إلى 791 مليون طن. والملاحظ في هذه الأرقام أن القفزات في حجم الاستهلاك قوية، على العكس من الإنتاج الذي يبدو مقيدًا حتى في زيادته.

القمح الروسي

السيناريو العالمي

قال أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، الدكتور أسامة عبدالخالق، خلال تصريحات خاصة إلى شبكة رؤية الإخبارية، إن أحوال الطقس السلبية أثرت في العديد من دول العالم على مستوى إنتاج القمح، وتسبب في تقلب الأسعار.

وتابع عبدالخالق: “واحد من هذه العوامل، انخفاض معدلات هطول الأمطار في بعض المناطق الرئيسة المنتجة للقمح، ما أثر سلبًا في الإنتاجية وجودة المحاصيل”.

وأضاف: “علاوة على ذلك، تعاني دول من حوادث طبيعية مثل الفيضانات والجفاف، ما يؤثر أيضًا في الإمدادات ويدفع الأسعار للارتفاع”، وضرب مثلًا بأن الصين، أكبر دولة منتجة للحبوب في العالم، أعلنت في يوليو الماضي انخفاض إنتاجها من القمح بنحو 0.9% للمرة الأولى منذ 7 أعوام، بسبب فيضانات وقعت قبيل الحصاد.

سفينة محملة بالحبوب الأوكرانية

تأثير الأحداث الجيوسياسية

أوضح أستاذ الاقتصاد أن الأحداث الجيوسياسية تلعب أيضًا دورًا في توقعات ارتفاع أسعار القمح، فعلى سبيل المثال تفاقمت التوترات التجارية بين بعض الدول الرئيسة المنتجة والمستوردة، ما أدى إلى فرض رسوم جمركية وقيود تجارية تعرقل حركة التجارة العالمية للقمح وتزيد التوترات بالأسواق العالمية.

وخلال يوليو الماضي، ارتفعت أسعار القمح عالميًّا بنحو 1.6% للمرة الأولى في 9 أشهر، بسبب الشكوك حيال صادرات أوكرانيا بعد تضرر البنية التحتية لعدد من موانئها، ومعارضة روسيا لاستمرار العمل بمبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب.

وفي المقابل، ارتفعت أسعار الأرز 2.8% لتسجل أعلى مستوياتها منذ سبتمبر 2011، بضغط من حظر فرضته الهند في 20 يوليو على بعض صادرات الأرز من أراضيها.

حصاد محصول القمح

الطلب المتزايد

لفت عبدالخالق إلى أن الارتفاع المتوقع في أسعار القمح لا يقتصر على العوامل السابقة فحسب، بل يأتي نتيجة للطلب المتزايد على القمح في عدة دول، بسبب زيادة السكان وتغيرات في أنماط الاستهلاك والتغذية ببعض الدول النامية، متوقعًا أن يستمر ارتفاع الطلب مع تزايد السكان وتوسع الصناعات الغذائية.

وأوضح أستاذ الاقتصاد أن ارتفاع أسعار القمح والحبوب عمومًا يؤثر مباشرة في أسعار المواد الغذائية الأخرى المرتبطة بها، مثل الخبز والمعكرونة، مضيفًا أن المستهلكين قد يتعرضون لزيادة في تكاليف الحياة اليومية، وتقليل القدرة على شراء المواد الغذائية الأساسية.

تحذيرات من الفاو

أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) ومنظمة التجارة العالمية، في وقت سابق، تحذيرات بشأن الوضع المتدهور لأسعار القمح وتأثيره في الأمن الغذائي العالمي.

وارتفع مؤشر أسعار الغذاء العالمي خلال يوليو الماضي بنحو 1.3%، لكنه ظل أقل بنحو 11.8% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي 2022.

التدابير الاحترازية

حسب عبدالخالق، تحتاج الدول إلى تعزيز تدابيرها الاحترازية للتعامل مع ارتفاع أسعار القمح، من خلال إجراءات مثل تعزيز الاستثمار في البحث الزراعي، وتحسين التقنيات الزراعية لزيادة الإنتاجية وتوفير الأمن الغذائي، فضلًا عن تعزيز التعاون الدولي وتسهيل حركة التجارة العالمية لتوفير التوازن بالأسواق العالمية.

وختم أستاذ الاقتصاد قائلًا إن الحفاظ على الاستدامة الزراعية وتوفير الغذاء للجميع، وسط الزيادة السكانية المضطردة، سيبقى تحديًا يتطلب تضافر الجهود من جميع الدول.