مع بدء فترة ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثانية، تتزايد المخاوف من أن الولايات المتحدة تسير على خطى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي حول بلاده إلى نموذج لما يسمى “الاستبداد الانتخابي”.
ترامب، الذي طالما أبدى إعجابه بأوربان، يسلك مسارًا مشابهًا عبر إحكام قبضته على مؤسسات الدولة، استهداف معارضيه، وتعزيز سلطته التنفيذية على حساب الديمقراطية الأمريكية، وفق مقال لصحيفة الجارديان البريطانية نشرته الجمعة 7 فبراير 2025.
تحركات سريعة
منذ عودته إلى البيت الأبيض، أظهر ترامب سرعة مذهلة في تنفيذ سياسات أثارت قلق المراقبين؛ بمساعدة الملياردير إيلون ماسك، بدأ ترامب حملة إقالات واسعة، استهدف وسائل الإعلام، كافأ حلفاءه، وأضعف أجهزة الحكومة الفيدرالية.
كما استخدم حصانته الرئاسية لحماية نفسه من أي ملاحقات قانونية، في حين بدت سلطات الكونغرس عاجزة عن احتواء تحركاته، تاركة الأمر للمحاكم الفيدرالية لمحاولة كبح جماحه.
ويقول السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي: “إنهم ينسخون المسار الذي اتبعه الطغاة مثل فيكتور أوربان، نرى توجهًا نحو إعلام خاضع للدولة، ونظامًا قضائيًا يلاحق المعارضين السياسيين، واستيلاءً على سلطة الإنفاق بحيث يصبح الرئيس وحده من يقرر من يحصل على الأموال”.
أوربان: النموذج الذي يسير عليه ترامب
منذ وصوله للسلطة عام 2010، أجرى أوربان تعديلات دستورية واسعة مكنته من السيطرة على القضاء والمؤسسات الأكاديمية والإعلام. نحو 85% من وسائل الإعلام في المجر باتت خاضعة للحكومة، ما سمح له بتشكيل الرأي العام وإقصاء الأصوات المعارضة، كما استخدم شعارات مثل “القيم العائلية” ومعاداة الهجرة لحشد أنصاره.
وحظي أوربان بإعجاب شخصيات محافظة بارزة في الولايات المتحدة مثل نائب الرئيس جي دي فانس، والمذيع تاكر كارلسون، ومؤسسة “هيريتاج فاونديشن”، التي أعدت خطة “مشروع 2025” لترسيخ سياسات ترامب في ولايته الثانية.
وقد زار أوربان ترامب في مارالاغو مؤخرًا، زاعمًا أن فريقه بات منخرطًا بشكل مباشر في رسم سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة.
ترامب يتجاوز أوربان
رغم أن أوربان استغرق سنوات لإحكام قبضته على مؤسسات المجر، فإن ترامب تحرك بسرعة لفرض سيطرته. ففي أول يوم له في الحكم، أصدر عفوًا عن 1500 من المتورطين في أحداث اقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021، بمن فيهم من اعتدوا على الشرطة، كما أقال المدعين الفيدراليين الذين حققوا في قضاياه، وهدد بطرد آلاف عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وتعليقًا على ذلك، يقول بيل كريستول، مدير مجموعة “الدفاع عن الديمقراطية معًا”: “إعادة كتابة تاريخ 6 يناير، واستخدام وزارة العدل لاستهداف المعارضين، والتهديد بفصل الآلاف من موظفي FBI، كل ذلك يتجاوز الخطوط الحمراء بشكل خطير، إذا نجح في ذلك، فلن يمنعه شيء من إصدار أوامر بملاحقة أي شخص يعارضه.”
حروب ثقافية وتضييق على الإعلام
سعى ترامب إلى فرض سيطرته على الثقافة والمجتمع، عبر سلسلة من الأوامر التنفيذية التي استهدفت التنوع والعدالة الاجتماعية في التعليم، كما عين المدعية العامة بام بوندي على رأس لجنة لمكافحة “التحيز ضد المسيحيين” داخل الحكومة الفيدرالية.
وفي الإعلام، يعمل ترامب على تهميش الصحافة التقليدية، مستبدلًا إياها بمنظومة إعلامية يمينية تشمل مؤثرين ومدونين، ومنح البيت الأبيض مقعدًا جديدًا للإعلام الرقمي، فيما بدا ماسك وزوكربيرج لاعبين رئيسيين في المشهد الإعلامي الجديد.
كما بدأت الإدارة في إقصاء وسائل إعلام كبرى من المؤسسات الحكومية واستبدالها بصحفيين أكثر ولاءً لترامب.
تفكيك الحكومة الفيدرالية بأيدي ماسك
أحد أكثر التغييرات دراماتيكية هو تفكيك الإدارة الفيدرالية، حيث أقال ترامب 17 مفتشًا عامًا، وأوقف تمويل وكالات، وجمد أموال الولايات والمنظمات غير الربحية. كما منح ماسك وفريقه إمكانية الوصول إلى بيانات حساسة في وزارة الخزانة.
وأدت هذه التحركات إلى اندلاع احتجاجات في واشنطن، وسط اتهامات بأن إدارة ترامب تنفذ “انقلابًا بيروقراطيًا” لإحكام السيطرة على الدولة.
وواجهت أي معارضة لهذه التحركات ردود فعل انتقامية، وهدد المدعي العام المؤقت في واشنطن، إدوارد مارتن، بملاحقة أي شخص يعترض عمل فريق ماسك، قائلًا: “نحن على اتصال بـ FBI وسنتحرك بسرعة، لدينا مدعون عامون مستعدون للتحرك”.
تواطؤ الكونجرس الجمهوري وانعدام المساءلة
رغم محاولات الديمقراطيين لوقف هذه التحركات، إلا أنهم يفتقرون للأدوات الكافية، خاصة مع سيطرة الجمهوريين على الكونجرس.
الحزب الجمهوري، الذي كان يضم أصواتًا محافظة تقليدية، بات مستسلمًا بالكامل لهيمنة ترامب، كما يتضح من دعمه لترشيح شخصيات مثيرة للجدل مثل تولسي غابارد وروبرت كينيدي جونيور لمناصب حساسة.
وفي هذا الصدد تنقل الجارديان عن الكاتب المحافظ تشارلي سايكس قوله: “ما نراه هو استحواذ عدائي على الحكومة، يقابله لا مبالاة مطلقة من الكونغرس الجمهوري، الذي يبدو مستعدًا للتخلي عن دوره الدستوري، هناك شعور عام بأن لا شيء يمكن إيقاف ترامب وماسك، وهذا أخطر ما في الأمر”.
هل ماتت الديمقراطية الأمريكية؟
وفق الجارديان، حتى الآن، لا يزال القضاء الفيدرالي العقبة الوحيدة أمام تغول السلطة التنفيذية، فقد أوقفت المحاكم بعض قرارات ترامب، مثل إنهاء مبدأ “حق المواطنة بالولادة” وتقليص حجم القوة العاملة الحكومية.
لكن الخبراء يحذرون من أن تآكل سلطة الكونغرس، واستهداف الخدمة المدنية، وتركيز السلطة في يد الرئيس، يشكل تهديدًا وجوديًا للنظام الديمقراطي الأمريكي، وبحسب، مدير مركز دراسات السياسة والحكم بجامعة مينيسوتا: لاري جاكوبس “إذا كنت لا ترى الخطر الذي يواجه الديمقراطية الأمريكية الآن، فأنت ترفض رؤية الواقع، في لحظة ما، يمكن القول إن الديمقراطية الأمريكية قد ماتت، قد لا يكون موتًا دائمًا، لكنها بالتأكيد لم تعد تعمل بالطريقة التي تصورها الآباء المؤسسون”.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2129274