غزة بين خطط الإعمار وأطماع التهجير.. من يملك القرار؟

أحمد عبد الحفيظ

بينما تعيش غزة تحت وطأة الدمار والدمار، قدمت الولايات المتحدة وتحالف من الدول العربية خططًا متباينة لإعادة إعمار هذا القطاع الفلسطيني المحاصر، الذي تعرض لدمار واسع جراء الحملة العسكرية الإسرائيلية للرد على هجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي نفذته حركة حماس.

ومع غموض المشهد السياسي والإنساني في غزة، يرى كثير من سكان القطاع أن الأهم من كيفية إعادة الإعمار هو متى سيبدأ.

متى العودة

يقول سعيد حامد أبو عيطة، الكاتب السياسي الفلسطيني: “لا أستطيع العودة إلى منزلي في جباليا، فالحطام لا يمكن إزالته، وإعادة البناء مستحيلة،  أسرتي الآن في خيمة بوسط غزة، ننتظر نهاية هذه الحرب”.

وأضاف: “نحن مجرد حالة من بين مئات الآلاف. غزة أصبحت أرضًا غير صالحة للحياة بنسبة 90%. نحن نعيش على الأمل، في انتظار اختراق سياسي يعيد الحياة إلى غزة ويمنع الحروب المستقبلية”.

خطة ترامب تثير الغضب

قال تقرير صادر عن واشنطن تايمز الثلاثاء 18 مارس 2025، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أشعل النقاش حول مستقبل غزة بمقترح مثير للجدل، إذ اقترح نقل السكان الفلسطينيين من القطاع، على أن تتولى الولايات المتحدة تحويل غزة إلى ما وصفه بـ”ريفيرا الشرق الأوسط” على سواحل البحر المتوسط.

الاقتراح أثار دهشة وغضبًا في غزة والمنطقة، لكنه ساهم أيضًا في تحفيز أول تحرك مشترك بين الأطراف الإقليمية لبحث مستقبل القطاع.

وفي الوقت الذي عبّرت فيه أوساط إسرائيلية عن تأييدها لرؤية ترامب، معتبرةً أنها فرصة للتخلص من “مشكلة أمنية مزمنة”، أعربت جهات عربية عن رفضها القاطع لأي مشاريع تهدف إلى تهجير سكان غزة قسريًا.

الخطة المصرية مقابل التصعيد الإسرائيلي

بالمقابل، أعلن القادة العرب في قمة عقدت مطلع مارس في القاهرة دعمهم لخطة مصرية طموحة بقيمة 53 مليار دولار تهدف إلى إعادة إعمار غزة دون إجبار سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة على مغادرته.

غير أن الأوضاع الأمنية والسياسية ما زالت تهدد جهود الإعمار، خاصة في ظل الانهيار الأخير لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، والتصعيد الإسرائيلي المستمر، الذي أودى بحياة أكثر من 400 فلسطيني في قصف جوي جديد الاثنين.

الخطة التي أقرها القادة العرب في القمة تسعى لإعادة تأهيل البنية التحتية في غزة مع استبعاد حماس من أي دور مستقبلي في إدارة القطاع، لصالح إدارة تكنوقراطية مؤقتة تابعة للسلطة الفلسطينية، بتمويل دولي.

التنسيق المصري السعودي

أوضح محلل شؤون الشرق الأوسط أحمد الباز أن الخطة العربية تعكس تنسيقًا عميقًا بين مصر والسعودية.

وقال الباز: “رغم أن السعودية لا تدعم حماس، إلا أنها تدعم الخطة المصرية كوسيلة لمواجهة تزايد نفوذ نتنياهو في المنطقة.

وأكمل أن الرياض تريد من نتنياهو التركيز على الشؤون الإسرائيلية الداخلية، حتى تتمكن من تعزيز نفوذها في ملفات مثل سوريا ولبنان”.

تفاصيل الخطة المصرية

الخطة المصرية تتضمن ثلاث مراحل رئيسية. المرحلة الأولى، “الإنعاش المبكر”، تمتد لستة أشهر، وتركز على إزالة الأنقاض وتأسيس مناطق آمنة وملاجئ مؤقتة للنازحين.

المرحلة الثانية تمتد لخمس سنوات، وتُعنى بإعادة إعمار المستشفيات والمدارس والبنية التحتية من طرق وشبكات كهرباء ومياه.

أما المرحلة الأخيرة، فقد تستمر حتى 20 عامًا، وتهدف إلى إنشاء حكومة فلسطينية مستقرة، تمهد لاحقًا لحل سياسي مع إسرائيل، وربما لحل الدولتين.

تشكيل إدارة تكنوقراطية

محمد إبراهيم، المفاوض المصري السابق في الشأن الفلسطيني، أوضح تفاصيل الخطة قائلاً: “اتفقنا مع حماس على تشكيل لجنة دعم مجتمعي من التكنوقراط في غزة، لا تتبع أي فصيل سياسي. هذه اللجنة ستتولى مؤقتًا إدارة القطاع حتى تعود السلطة الفلسطينية”.

وأضاف: “بخصوص الأمن، ستخضع عناصر الشرطة الفلسطينية لتدريب في مصر والأردن، بدعم من قوات حفظ سلام دولية توافق عليها الأمم المتحدة. حماس لن تتحكم مجددًا في الأمن، ما سيسمح بخلق بيئة آمنة للبدء في إعادة الإعمار”.

لكنه شدد على شرطين أساسيين قبل البدء في تنفيذ الخطة: “انسحاب إسرائيل الكامل من غزة ووقف كافة العمليات العسكرية. بدون هذين الشرطين، فإن أي حديث عن إعادة الإعمار سيكون بلا جدوى”.

صندوق دولي

أشار إبراهيم إلى أن مصر تعمل على إنشاء صندوق دولي لإعادة الإعمار يخضع لرقابة دولية لضمان الشفافية، مؤكدًا أن القاهرة ستستضيف الشهر المقبل مؤتمرًا دوليًا للمانحين لحسم خطط التمويل، والضغط على واشنطن لدفع إسرائيل إلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.

وقال إبراهيم: “الولايات المتحدة مطالبة بالضغط على إسرائيل للسماح بإدخال مواد البناء والمعدات الثقيلة، وإلا ستتفاقم الكارثة الإنسانية في غزة أكثر مما هي عليه الآن”.

موقف سعودي حاسم

من جانبه، طالب الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، إسرائيل بتحمل جزء من تكلفة إعادة الإعمار قائلاً: “يجب أن يكون هناك صندوق دولي، ليس لغزة فقط بل للضفة الغربية أيضًا، وإسرائيل مطالبة بالمساهمة في هذا الصندوق. وحده وقف إطلاق النار الدائم كفيل بمنع تكرار هذا الدمار”.

أما المحلل الإسرائيلي غيرشون باسكين، فرفض خطة ترامب قائلاً: “غزة ليست ملكًا لإسرائيل كي تعطيها لترامب”.

وأضاف أبو عيطة: “يجب دعم السلطة الفلسطينية كحكومة مدنية لإدارة شؤون غزة والضفة معًا. هذا مطلب عربي أساسي لضمان حل سياسي شامل واستقرار دائم في المنطقة”.

أصوات من غزة

رغم تصاعد النقاشات السياسية، يعاني سكان غزة من صراع يومي مع الحياة، تقول نعمة حسن من رفح: “نحن خارج السياسة، نحن في صميم الحرب حتى بعد الهدنة.

وتضيف لا شيء تغير، ما زلنا نحاول النجاة أو إقناع الموت بأن يكون رحيمًا. الحياة والعمل والتعليم كلها معارك يومية لإثبات الوجود”.

واختتمت بقولها: “ما زلنا نأمل أن تتوحد أصوات العرب، وتمنح غزة حق الحياة من جديد”.

ربما يعجبك أيضا