فرص ضائعة للسلام.. ما أسباب استمرار الصراعات في دارفور منذ 2003؟

شروق صبري
الحرب في السودان

رغم كل المحاولات الدولية لإنهاء الحرب في السودان فإنها مستمرة، ويرجع ذلك لعدة عوامل يستعرضها التقرير.


سلطت مجلة فورين أفيرز الأمريكية الضوء على استمرار حالة الاقتتال داخل السودان، بعد سنوات من الحرب الدموية في إقليم دارفور.

وقالت إن الفظائع الجماعية، التي ارتكبت في دارفور، عام 2003، صدمت  العالم، وحتى الآن لم تجد حلولًا عملية لما حدث. واليوم، لا زالت الحرب تعصف بالسودان، وتُرتكب الفظائع على نطاق مماثل، والمسلحون يقتلون ويغتصبون وينهبون نفس المجتمعات المحلية.

حرب السودان

ذكّر التقرير، الذي نشر يوم الاثنين 18 سبتمبر 2023، بأنه في العام 2023، اتُهم الرئيس السوداني حينها، عمر البشير، وميليشيا الجنجويد التابعة له بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة أرسلت قوات لحماية المدنيين، فإن الاستجابة كانت بطيئة للغاية.

وفى تشابه للأحدث، نجد أن رد الفعل على الوضع في دارفور أبطأ من أي وقت مضى. على الرغم من أن ما يحدث في السودان هو نتيجة مباشرة لأزمة دارفور الأولى، التي أخرجت للنور قوات الدعم السريع، وقائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.

صراع من أجل السلطة

قالت المجلة إن حميدتي كان قائدًا صغيرًا للجنجويد قبل 20 عامًا، عندما أعلنت حكومة البشير فعليًّا أن دارفور منطقة خالية من الأخلاق، وكان الإفلات من العقاب هو القاعدة الوحيدة. وبعد المذابح، جاءت الفوضى، ومن ثم حكم قادة الجنجويد الجدد في دارفور، الذين أصبحوا في ما بعد قوات الدعم السريع، الذراع شبه العسكرية للحكومة.

وتتمتع قوات الدعم السريع بقدرة قتالية تعادل تلك التي تتمتع بها القوات المسلحة السودانية النظامية، التي يرأسها الفريق أول عبدالفتاح البرهان. وعمل الجنرالان معًا للإطاحة بالبشير في إبريل 2019، ثم عاشا بعد ذلك في شراكة غير مستقرة مع حكومة مدنية. وفي أكتوبر 2021، انضموا مرة أخرى إلى قواهم في انقلاب عسكري، وفق تعبير المجلة الأمريكية.

وانهارت العلاقات، ومنذ إبريل، تقاتل قوات الدعم السريع الجيش السوداني من أجل السلطة في شوارع الخرطوم.

الحرب فى السودان

الحرب في السودان

مبادرات السلام

ركزت مبادرات السلام، التي اقترحها جيران السودان والولايات المتحدة، على إنهاء القتال في العاصمة. لكنها تجاهلت الوضع في دارفور، حيث استأنفت قوات الدعم السريع وحلفاؤها المحليون حملة التطهير العرقي غير المكتملة، على حد زعم المجلة.

وتركز الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، على تهديد قوات الدعم السريع وضرورة اتخاذ إجراءات عقابية وإرسال مستشارين عسكريين لدعم قوة حماية مدنية مستمدة من المجتمعات المحلية في دارفور، غافلين حتى الآن المذبحة والتطهير العرقي والمجاعة الجماعية التي تلوح في الأفق.

جغرافية دارفور

ترى المجلة الأمريكية أن أعمال العنف، التي بدأت في دارفور عام 2003 ترجع لعدة أسباب أبرزها جغرافية الإقليم، الشاسع والفقير، سُميت على اسم السلطنة التاريخية لشعب الفور، الذين يشكلون ربع السكان. ويوجد أيضًا عشرات المجموعات الأصلية الأخرى، التي تعد دارفور موطنًا لها، وأكبرها هي المساليت والزغاوة.

وتعد دارفور موطنًا للقبائل العربية أيضًا، التي تتكون أساسًا من الرعاة في الشمال الأكثر جفافًا والسافانا في الجنوب، التي هاجر أسلافها إلى المنطقة منذ قرون. وهم يشكلون مجتمعين 40% من السكان.

السودان

السودان

الصراعات العرقية

مع إهمال الحكومات السودانية المتعاقبة وتعرضها للجفاف، بدأ النسيج الاجتماعي في دارفور بالتمزق في الثمانينات. وحينها نما عدد السكان بسرعة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ارتفاع معدل المواليد، وبسبب هجرة البدو العرب الصحراويين أيضًا. وبدأ التعايش الهش بين المزارعين والرعاة في الانهيار.

ووضعت الصراعات العرقية قبائل الفور والمساليت والزغاوة ضد القبائل العربية. وتصاعد العنف، وبلغ ذروته في حريق 2003-2005، الذي أودى بحياة أكثر من 300 ألف شخص.

كيف أفسد البشير فرصة السلام في دارفور؟

بحلول عام 2009، هدأت حدة الصراع، لكن السلام لم يكن في الأفق، وحينها سافر ممثلون رفيعو المستوى من الاتحاد الإفريقي إلى جميع أنحاء دارفور، وأمضوا 40 يومًا في الاجتماعات العامة، واستمعوا إلى تجارب وتحليلات وشكاوى السكان. واتفق أعضاء جميع المجتمعات المحلية على ضرورة معالجة مجموعة معقدة من النزاعات، خاصة تلك المتعلقة بالأراضي والإدارة المحلية.

وأوضحت المجلة، في تقريرها، أن حل الصراع المحلي كان مطلوبًا. وكان لدى المجتمعات المحلية نظام وساطة تقليدي، يديره كبار السن، الذي اتفق سكان دارفور على أنه لا يزال مناسبًا للغرض. وكان على الحكومة السودانية فقط أن تعطي الضوء الأخضر. لكن البشير لم يلتزم. وبدلاً من ذلك، لعب دور فرق تسد، خوفًا من أن يتحدى سكان دارفور الموحدون سلطته.

السياسة الوطنية السودانية

ساهمت السياسة السودانية في التمرد في دارفور وقمعه الوحشي. وكان الاستياء الذي طال أمده من إهمال الخرطوم للمنطقة، والطريقة التي اتخذ بها البشير مواقفه مع الجانب العربي في النزاعات المحلية، سببًا في دفع الناشطين إلى حمل السلاح.

وفي عام 2003، تعاونت حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة لشن هجمات مدمرة على الجيش السوداني. وكان رد فعل الجيش هو حشد الجنجويد للرد، ونهب وتدمير أي مجتمعات يشتبه في دعمها للمتمردين. وبعد تحقيق أجرته وزارة الخارجية الأمريكية، أعلن الوزير كولن باول حينها أن الجنجويد ارتكبوا إبادة جماعية.

السودان

السودان

رفض الاصلاح السياسي

توصلت المحادثات، التي قادها في البداية الاتحاد الإفريقي، ثم مع فريق من خبراء الأمم المتحدة، إلى اتفاقات لم تحظ إلا بدعم أقلية من المتمردين، الذين يزداد تشرذمهم على نحو متزايد. وعرقلت الخرطوم خطة الاتحاد الأفريقي لإجراء عملية شاملة للإصلاح السياسي.

وبقي النازحون في مخيماتهم الواسعة، التي أصبحت بحكم الأمر الواقع مدنًا، يغذيها برنامج الأغذية العالمي. وحكمت القبائل العربية في دارفور الأرض، وشنت هجمات مع الإفلات من العقاب، وتقاتلت في ما بينها مع الميليشيات على الحدود القبلية، والأهم من ذلك، على من يتولى السيطرة على مناجم الذهب المربحة في المنطقة.

اقرأ أيضًا: 40 قتيلًا على الأقل في غارات جوية على دارفور

اقرأ أيضًا: البرهان وحاكم دارفور يبحثان تنفيذ اتفاق جوبا للسلام

ربما يعجبك أيضا