قصف القواعد الأمريكية بالعراق.. انتقام إيراني مدروس يسبق الصدام مع “الفيل البرتقالي”

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

سجلت إيران أول رد فعل عملي عقب مقتل قائد فيلق القدس التابع لإيران الجنرال قاسم سليماني في غارة لسلاح الجو الأمريكي بالعراق، وأعلنت طهران تنفيذها ضربات صاروخية بأكثر من 10 صواريخ باليستية ومن طراز فاتح 313 ضد قاعدتي عين الأسد وإربيل العسكريتين اللتين تضمان قوات أمريكية بالعراق بمحافظة الأنبار، مُهددة بمزيد من الضربات “الساحقة” داخل الولايات المتحدة واستهداف إسرائيل إذا ردت واشنطن على الهجمات الإيرانية.

وحذر الحرس الثوري الإيراني الولايات المتحدة من أنه سينفذ مزيدًا من الهجمات التي وصفها بـ”الساحقة في حالة حدوث عدوان جديد”، كما هدد باستهداف أي دولة إقليمية تصبح “منصة للعدوان الأمريكي”. وأعلنت إيران مقتل 80 عسكريًا أمريكيًا في القواعد الأمريكية بالعراق جراء القصف الصاروخي، فيما نفت الولايات المتحدة وجود خسائر وأن كل شئ على ما يرام.

وفي تصريحات متزامنة، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الأربعاء، إن هناك تقييمًا للخسائر والأضرار الناجمة عن الضربات الصاروخية الإيرانية على منشأتين عسكريتين عراقيتين. وقال ترامب في تغريدة على “تويتر”: إن بلاده لديها “جيش هو الأقوى والأكثر تجهيزًا في العالم”.

وفي بيان، قال فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني: إن الهجمات كانت “ثأرًا شديدًا” لمقتل سليماني، وجاء في البيان: “إلى الشيطان الأكبر (في إشارة إلى الولايات المتحدة)، نحذر من أنه إذا كررت شرورك أو اتخذت أي حركات إضافية أو ارتكبت عدوانًا إضافيًا، فسنرد بردود أكثر إيلامًا وسحقًا”، في إشارة إلى أن الرد الإيراني قد وصل وسيكون هناك جولات مؤجلة مع أمريكا والرئيس دونالد ترامب “الفيل البرتقالي”. وبعد ساعات من الضربة الصاروخية الإيرانية، أعلنت واشنطن أنها منعت طيرانها المدني من التحليق فوق العراق وإيران ومياه الخليج وبحر عمان، ما يؤشر إلى مخاوف من تصعيد عسكري بين الطرفين.

استهلاك إعلامي

قال الباحث السياسي السوري، مالك الحافظ، إنه بحسب ما يرد من أخبار محدثة حتى ساعات الصباح الأولى فإن التصعيد الإيراني على قاعدتي عين الأسد وأربيل بالأنبار لم يسجل خسائر بشرية لدى الولايات المتحدة؛ فأغلب التقدير يتجه إلى أن واشنطن كانت على دراية بما قد تسعى له إيران خلال الساعات الماضية، لذلك فإن التواجد الأمريكي في المنطقة كان على أهبة الاستعداد لأي تصعيد طائش من إيران.

ويرى مالك الحافظ أن ما تدعيه إيران من وجود ٨٠ قتيلا من القوات الأمريكية هو أمر غير منطقي، حيث لا يمكن لقوات عسكرية لدولة مثل الولايات المتحدة أن ترفع مستوى حذرها من أي تصعيد، فهذه حصيلة كبيرة، وما ادعاه الحرس الثوري الإيراني هو للاستهلاك الإعلامي للشعب الإيراني في الداخل ومحور مؤيديه، والقول بأن ردهم للثأر من مقتل سليماني كان مؤلما وموجعًا وهذا إلى الآن أمر غير واقع عمليًا وغير دقيق.

وأضاف الحافظ -في تصريحات خاصة لـ”رؤية”– أن التصعيد الإيراني على القواعد الأمريكية في العراق قد لا يكون هو الرد الوحيد، ولكن ليس بالضرورة أن يحصل أي رد إيراني مقبل خلال الفترة القريبة المقبلة؛ فإيران ستبقى تدرس حلقات تصعيدها ضد الجانب الأمريكي بحسب ما يستجد من تطورات تتعلق بسياسات الضغط عليها في جانب العقوبات الاقتصادي ومسألة الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة.

وذهب إلى أن احتمالية العبث الإيراني بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها أمر غير مستبعد وبالأخص خارج حدود العراق ودول الخليج، وإن كان كما أشرت إلى أنه قد لا يكون عاجلًا؛ فالتحدي الذي يطلقه الحرس الثوري الإيراني ضد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدرك عواقبه طهران تمامًا ولا يمكن لها خلال الفترة الحالية تحمل نتائجه.

وتطرق الباحث السياسي السوري إلى أن التهديد الأمريكي كان واضحًا على لسان دونالد ترامب، حينما قال: إن واشنطن لديها قائمة تضم 52 هدفًا إيرانيًا، وقد تتعرض هذه الأهداف لهجوم أمريكي إذا أقدمت إيران على إلحاق ضرر بأي أهداف أمريكي، لذلك فإن حجم الخسائر في الجانب الأمريكي بعد أول رد إيراني على مقتل سليماني في العراق هي التي ستتحكم بحجم وشكل الرد الأمريكي.

وتابع قائلًا: يبدو أن الرئيس الأمريكي أراد الإشارة من خلال تغريدته بموقع التواصل “تويتر” اليوم قبل خطابه بأن الأمور على ما يرام، ما يعني لا خسائر أمريكية وقعت، ولا تصعيد نوعي سيحصل على ضوء هذه التطورات، لكن تبقى دراسة خيارات التصعيد الأمريكي مجددًا تدور ضمن إطار حساب الخسائر، كما أن التصعيد المتبادل والذي قد يؤدي إلى مواجهة واسعة لا تريده إدارة الرئيس الأمريكي، وكذلك لن تتحمل تكلفته طهران.

ضربة محسوبة

قال الباحث في الشأن الإيراني، محمد عبادي: هناك ملاحظات أوليّة على هامش القصف الصاروخي الإيراني للقواعد الأمريكية في العراق؛ فالضربة الإيرانية لم تُخلّف خسائر في الأرواح، ما يعني أنّها ضمن السقف المسموح به، والذي لا يستدعي نشوب حرب شاملة.

وأضاف عبادي -في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، اليوم الأربعاء،- عمليًّا هذه الهجمات تمثل الرد الإيراني على اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ولن يعقبها هجمات أخرى.

وأشار إلى أن حجم الأضرار خاصة في الأرواح، هو مُحدد رد الفعل الأمريكي، وليس الضربات في حد ذاتها، وأن عدم وجود قتلى، يعني أنّ أحداث الليلة يمكن أنّ تُحتوى.

وأكد الباحث أن حدود الرد لم تتجاوز العراق، وهي مسرح اغتيال قاسم سليماني، وجاءت من الحرس الثوري، وليس من الأذرع أو الأطراف، مشيرًا إلى أن بيان الحرس الثوري تحدث عن مشاركة إسرائيل في اغتيال سليماني، ويُفهم من هذا، أنّ التحرك القادم، حال التصعيد الأمريكي ردًا على قصف القواعد الأمريكية بالعراق، سيطال إسرائيل، وحزب الله من سيفعل ذلك.

وتابع قائلًا: إيران ستُسوق أحداث الليلة بشكل جيّد في الداخل الإيراني، بما يُشبع حالة الغضب العامة في الداخل، وإذا مرّ الغد بسلام، يمكن الحديث عن طيّ هذه الصفحة من التصعيد الجنوني، وبدء فصل جديد من العلاقة بين طهران- واشنطن، وفق محددات جديدة، أبرزها: الصفعة بصفعة.

واختتم محمد عبادي بأنه من الغد سيكون هناك دور كبير لظريف ولحمائم النظام الإيراني، بمشاركة أطراف أخرى كأوروبا أو الصين أو روسيا، للوصول إلى تفاهمات تضع حد للتصعيد الجاري بين الولايات المتحدة وإيران بشكل فعليّ.

استنفار صهيوني 

شهد محيط قاعدة عين الأسد ومناطق واسعة من العاصمة العراقية بغداد تحليقًا مكثفًا للمقاتلات الأمريكية، وشهدت الحدود السورية العراقية تحليقًا لقوات الجو السورية، في حين شهد شمال إسرائيل استنفارًا عامًا لدى سلاح الجو وبطاريات اعتراض الصورايخ وإطلق قنابل مضيئة في الجولان، بحسب قناة العربية، وذلك بعد بيان الحرس الثوري الذي اعتبر “إسرائيل حليفًا لأمريكا في قتل سليماني”، مهددًا “في حال الرد الأمريكي ستعتبر حيفا هدفًا للصواريخ”.

وهددت إيران قبل 5 أيام بـ”رد مزلزل” على عملية اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، خلال غارة أمريكية بطائرة دون طيار استهدفت سيارته قرب مطار بغداد، أعلنت البنتاجون مسؤوليتها عنها في الثالث من يناير 2020، وقتل معه في الغارة قادة إيرانيون وعراقيون، بينما حذرت واشنطن طهران من أي رد “غير مناسب” على مقتل سليماني.

ربما يعجبك أيضا