لم يكن هجوم السابع من أكتوبر 2023 مجرد اختراق عسكري لإسرائيل، بل مثَّل صدمة وجودية أعادت تشكيل مفهوم “الأمن الحدودي”.
فبعد أن اعتمدت إسرائيل لعقود على سياسة الردع والإنذار المبكر، باتت تتبنى استراتيجية هجومية غير مسبوقة، تمزج بين الدفاع والهجوم، ويعكس هذا النهج الجديد رغبة تل أبيب في التصرف بشكل أحادي، مع التركيز على الاحتفاظ بالمناطق العازلة والنقاط الاستراتيجية في غزة ولبنان وسوريا.
تحول استراتيجي بعد هجوم 7 أكتوبر
حسب تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي”، الثلاثاء 25 مارس 2025، فإن إسرائيل لم تكتفِ بإنهاء وقف إطلاق النار مع حماس، بل عمدت إلى توسيع نطاق عملياتها العسكرية، متوقعةً دعمًا أمريكيًا ضمنيًا لهذه السياسات الجديدة. وأشارت إلى أن إسرائيل نجحت في فرض سيطرتها التصعيدية على حماس وحزب الله وحتى إيران، مما خلق وضعًا تستطيع فيه التصعيد بأساليب يصعب على خصومها مواجهتها.
وتسبب هجوم حماس في زعزعة العقيدة الأمنية الإسرائيلية، إذ أبرز الفشل في:
– الردع العسكري.
– أنظمة الإنذار المبكر.
– الدفاعات الأرضية.
حماس
ترى “فورين بوليسي” أن القيادة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية لم تكن قادرة على تصور قدرة حماس على تنفيذ هجوم بهذا المستوى، ورغم أن الحل المثالي يتمثل في استبدال حكم حماس بإدارة فلسطينية مدعومة عربيًا، فإن الاعتبارات السياسية الداخلية، خصوصًا التوازنات داخل ائتلاف نتنياهو، جعلت هذه الخطط غير قابلة للتطبيق.
وبدلاً من ذلك، اتجهت إسرائيل إلى:
– توسيع المناطق العازلة داخل غزة.
– نشر قوات برية بشكل مكثف.
– تنفيذ عمليات عسكرية استباقية لمنع الهجمات المستقبلية.
وأكد نتنياهو أن قوات بلاده ستظل في غزة حتى بعد انتهاء الحرب.
لبنان.. الهيمنة العسكرية والسياسية
تبنت إسرائيل نهجًا تصعيديًا ضد حزب الله، ما أدى إلى مقتل وجرح آلاف من عناصر الحزب، وتصفية قياداته العليا، وتدمير 80% من ترسانته العسكرية، وفق تقديرات الجيش الإسرائيلي.
وعلى عكس غزة، نجحت إسرائيل في تحويل تفوقها العسكري إلى ترتيبات سياسية، حيث أدى تراجع حزب الله إلى تسهيل تشكيل حكومة لبنانية جديدة، وإبرام اتفاق وقف إطلاق نار بمشاركة الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة، يهدف إلى إبعاد عناصر الحزب شمال نهر الليطاني. ومع ذلك، تحتفظ إسرائيل بحق تنفيذ عمليات عسكرية عند الحاجة.
سوريا.. استباق الخطر الإيراني
كثفت إسرائيل ضرباتها على المواقع العسكرية الإيرانية والسورية، مستهدفة منشآت إنتاج الصواريخ الدقيقة، في محاولة لقطع إمدادات حزب الله.
ورجحت “فورين بوليسي” أن تسعى إسرائيل لإنشاء منطقة عازلة كبيرة جنوب دمشق، نظرًا لمخاوفها من انهيار سوريا إلى كيانات متناحرة، قد تسيطر عليها جماعات متطرفة.
الضفة الغربية.. عمليات غير مسبوقة
شهدت الضفة الغربية تصعيدًا إسرائيليًا غير مسبوق منذ الانتفاضة الثانية، حيث شنت إسرائيل ضربات جوية استهدفت مخيمات اللاجئين والمدن الفلسطينية، ما أسفر عن مقتل المئات منذ 7 أكتوبر. وخلال 18 عامًا قبل الهجوم، لم تتجاوز حصيلة الضحايا الفلسطينيين جراء الغارات الجوية 14 شخصًا.
وشملت الإجراءات الإسرائيلية:
– تنفيذ “عملية الجدار الحديدي” في يناير 2024.
– نشر دبابات في الضفة لأول مرة منذ عقدين.
– تكثيف الاستيطان، وطرح آلاف العطاءات لوحدات سكنية جديدة.
– إعلان مساحات واسعة كـ”أراضي دولة”.
وقد أدى هذا التصعيد إلى نزوح أكثر من 40 ألف فلسطيني، وهو أكبر نزوح منذ حرب 1967.
ورغم التفوق العسكري، تؤكد “فورين بوليسي” أن إسرائيل لا تزال بحاجة إلى ترتيبات أمنية متعددة الأطراف لضمان استقرارها الإقليمي. ومع ذلك، فإن حكومة يمينية متشددة، وانقسام فلسطيني بين حماس وفتح، يجعل فرص الحلول الثنائية والمتعددة الأطراف ضئيلة.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2176164