كيف تأثر النفط الليبي بالتجاذبات السياسية في البلاد؟

ضياء غنيم

أوضح تقرير الإسكوا أن خسائر الاقتصاد الليبي من 2011: 2021 بلغت 580 مليار دولار، وكشف رئيس المؤسسة الوطنية للنفط أن خسائر قطاع النفط تجاوزت 231 مليار دولار.


يُعتبر النفط الليبي موضع جدل في الساحة الليبية، ويُعَدّ ارتباطه بمصالح قوى خارجية على صعيدي الدول والشركات عاملًا حاسمًا في مسار صراع السلطة والنفوذ.

وما زال البترول الليبي سببًا رئيسًا في 898مظاهر غياب عدالة التوزيع وشعور مكونات الشرق والجنوب بالتهميش، ما يفسر مساعي القوى الدولية لتحييده عن التجاذبات السياسية واستجابتها الفورية ليهدد أي طرف باستخدامه في الصراع السياسي الراهن.

أداء القطاع النفطي في محطات الأزمة الليبية

شهدت مستويات إنتاج النفط تراجعًا كبيرًا منذ 2011، فقد بلغ متوسط الإنتاج خلال العقد الأول من الألفية 1.6 مليون برميل، وحقق عام 2008 أعلى مستوى للإنتاج اقترب من 1.8 مليون برميل يوميًّا، وانخفض متوسط الإنتاج من 2011 إلى 2019 إلى 600 ألف برميل يوميًّا فقط، وبلغ الإنتاج أقل مستوياته في 2016 بحوالي 400 ألف برميل.

ونجحت حكومة “الوحدة الوطنية” في رفع إنتاج النفط خلال عام من مستوى 390 ألف برميل إلى 1.24 مليون برميل يوميًّا، وفي نوفمبر 2021 بلغت حوالي 121 ألف برميل يوميًّا قبل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب بوابة الوسط والبنك الدولي و”الإسكوا“.

ومع استمرار المواجهات بين الجيش الوطني وحكومة الوفاق والمجموعات الموالية لها أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في يناير 2020 تحقيق إيرادات سنوية تبلغ 22.495 مليار دولار، بمستوى إنتاج 1.174 مليون برميل يوميًّا، وهو الأعلى خلال سنوات الحرب.

الاحتجاجات الفئوية والمجتمعية

تأثرت صناعة النفط الليبي بالاحتجاجات الفئوية والمجتمعية منذ عام 2012، بدايةً من احتجاج مجموعة من المواطنين في مقر شركة الخليج العربي للنفط في بنغازي، للمطالبة بتوفير وظائف لأبناء المدينة وعدالة توزيع العائدات النفطية، خاصةً في مناطق شرق وجنوب البلاد التي عانت تهميشًا رغم احتوائها على ثروات.

تاجر النفط، إبراهيم الجضران، الذي كان يقود مجموعة مسلحة بأجدابيا، هاجم المؤسسات النفطية في شرق وجنوب وغرب ليبيا، وأعلن نفسه قائدًا لحرس المنشآت النفطية بوسط البلاد، وامتد نشاطه من 2013 إلى 2018، وسيطر على ميناءي السدرة ورأس لانوف، ويخضع الجضران لعقوبات أممية وأمريكية، ومطلوب للنائب العام الليبي منذ 2013، لتسببه في خسائر بلغت 107 مليارات دولار.

وبرز اسم محمد البشير القرج، الذي اتهمه رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، بإغلاق صمام الرييانة، والتسبب في وإعلان حالة القوة القاهرة في أكبر حقول النفط في البلاد، حقلي الشرارة والفيل في 6 مارس 2022، ما أفقد البلاد 330 ألف برميل يوميًّا، واتهم صنع الله المجموعة التي يقودها القرج بتعطيل الإنتاج بنحو متكرر في الفترة من 2014 إلى 2016.

النفط الليبي ورقة ضغط سياسي

ظهر النفط كورقة ضغط سياسية، في منتصف يناير 2020، في أيدي قبائل شرق ليبيا المؤيدة للجيش الوطني، للضغط على المجتمع الدولي والأطراف الداعمة لحكومة السراج، عبر إغلاق شبه كلي لحقول النفط في الشرق، ما أثر في الإنتاج والتصدير حتى الربع الأخير من 2020 بتوقيع وقف إطلاق النار في أكتوبر.

وأدى هذا الإغلاق إلى هبوط حصيلة الإنتاج السنوية إلى 142.49 مليون برميل، متراجعةً عن إنتاج عام 2019 البالغ 423.34 مليون برميل، وقّدر مصرف ليبيا المركزي خسائر ذلك العام بنحو 11 مليار دولار.

صراع النفوذ

أغلق حرس المنشآت النفطية حقول الشرارة والفيل والوفاء والحمادة، في 20 ديسمبر 2021، احتجاجًا على حركة التغييرات في رؤساء مجالس إدارات الشركات التي اعتمدها صنع الله، ما فسره البعض بصراع النفوذ بين صنع الله ووزير النفط والغاز في “حكومة الوحدة”، محمد عون، خاصة بعد فشل عون في وقف صنع الله، ما تسبب في فقدان 300 ألف برميل يوميًّا.

وطلب رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح مؤخرًا من صنع الله الاحتفاظ بالإيرادات النفطية في حساب مصرف ليبيا الخارجي، وعدم تحويلها للمصرف المركزي بطرابلس في إطار مساعي تسليم السلطة لحكومة “الاستقرار” برئاسة رئيس وزراء ليبيا فتحي باشاغا، ووقف التمويل عن “حكومة الوحدة” برئاسة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة.

خسائر بمئات مليارات الدولارات

تقدر مساهمات النفط والغاز بنحو 97% من الإيرادات العامة في ليبيا، نتيجة لتعطل خطط الحكومة لتنويع الاقتصاد وتوقف عشرات المشروعات منذ 11 عامًا، وتسببت الإغلاقات في بعض الحقول النفطية نتيجة الإضرابات هدرًا لملايين الدولارات يوميًّا، ما ينعكس على تمويل القطاعات الخدمية والإنفاق الاجتماعي، فضلًا عن حاجة المؤسسة الوطنية للنفط إلى تمويل صيانة الحقول وزيادة إنتاجها.

ويقدر تقرير “الإسكوا” إجمالي خسائر الاقتصاد الليبي خلال الفترة من 2011 إلى 2021 بنحو 580 مليار دولار، وبالإمكان معرفة حصيلة الخسائر في قطاع النفط الليبي خلال الفترة من 2011 إلى 2018 بحساب إجمالي الفروق بين الإنتاج المتوقع والفعلي من واقع التقارير السنوية لديوان المحاسبة، فقد سجلت فاقدًا 1.915 مليار برميل، بقيمة خسائر إجمالية 162.3 مليار دولار.

وأوضح صنع الله، في 1 يوليو 2020، أن خسائر القطاع تجاوزت 231 مليار دولار، ولم تتسنّ معرفة إجمالي الخسائر حتى الآن من الدوائر الرسمية أو الخاصة.

ربما يعجبك أيضا