كيف غيرت أحداث 11 سبتمبر العالم؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد 

بعد عقدين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية في نيويورك، ما تزال الشبكات الإرهابية “القاعدة” وتنظيم “داعش”، تشكل تهديدًا خطيرًا للسلام والأمن، وتتكيف مع التقنيات الجديدة وتنتقل عبر الحدود.

قبل عشرين عامًا، شرعت أمريكا في إعادة تشكيل النظام العالمي بعد هجمات 11 سبتمبر، ومن السهل اليوم استنتاج أن سياستها الخارجية قد تم التخلي عنها على مدرج في مطار كابول، حيث قال الرئيس جو بايدن إن الخروج من أفغانستان كان بمثابة “إنهاء حقبة” من الحروب البعيدة ، لكنه ترك حلفاء أمريكا في حالة ذهول.

اليوم يكون قد مضى بالضبط 20 عامًا على هجمات 11 سبتمبر التي أودت بحياة ما يقرب من 3000 شخص وغيرت سياسات الولايات المتحدة والعالم بشكل كبير، ورغم مرور عقدين من الزمن واحتلال الولايات المتحدة لكل من أفغانستان  في 2001 والعراق في 2003، فقد أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالية، تحذيراته من احتمال استغلال الجماعات المتطرفة هذه المناسبة لشن عمليات إرهابية جديدة.

كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر حدثًا حاسمًا للمتطرفين والإرهابيين العالميين وتعتبر أفظع العمليات الإرهابية المعقدة، فقد قتل ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص “2977 ضحية بالإضافة إلى تسعة عشر إرهابيًا من القاعدة”، وجرح ما يقدر بخمسة وعشرين ألفًا، وألهم هجمات في بالي وجربة ولندن ومدريد وأماكن أخرى.

أنتجت “الموجة” الحالية من الإرهاب عددًا كبيرًا من الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء أوروبا والعالم أيضًا: تفجيرات مدريد ولندن عامي 2004 و2005، وهجمات باريس في عامي 2015 و 2016، وتفجيرات بروكسل في عام 2016، وتفجير مانشستر أرينا في عام 2017 على سبيل المثال لا الحصر.

رفع السرية عن بعض الوثائق

في هذا السياق، وجه الرئيس جو بايدن يوم 9 سبتمبر 2021 برفع السرية عن بعض الوثائق المتعلقة بالهجمات، في بادرة داعمة لعائلات الضحايا الذين سعوا منذ فترة طويلة للحصول على السجلات، والأمر يطلب من وزارة العدل والوكالات التنفيذية الأخرى لبدء مراجعة رفع السرية، ويتطلب الإفراج عن الوثائق التي رفعت عنها السرية خلال الأشهر الستة المقبلة.

ربما قرار رفع السرية، عن الوثائق بعد عشرين عاما، لا يكشف أشياء كثيرة، لكنه ممكن أن يخلط الأوراق لأغراض سياسية ممكن أن تصب في صالح إدارة بايدن.

تطورت أحداث 11 سبتمبر بغزو الولايات المتحدة العراق في مارس 2003 -خطأ فادح- أدى إلى تفريغ الجيش العراقي وانهيار الإدارة إلى اندلاع حرب أهلية وخلق بيئة لظهور القاعدة في العراق، وأدى الانسحاب إلى ظهور داعش من جديد في العراق وسوريا.

وبعد أن سقطت أفغانستان مرة أخرى في يد طالبان -التي استضافت القاعدة في تحالف مضطرب- فإن إعادة تنشيط القاعدة أصبح أمرا محتملا، وبين عودة طالبان والخطر المستمر الذي يشكله تنظيم داعش، أصبح التهديد العالمي للإرهاب أسوأ مما كان عليه قبل عشرين عامًا. 

غزت الولايات المتحدة العراق عام 2003 لمواجهة تهديد لم يكن موجودا وبدون خطة لما سيحدث بعد سقوط صدام حسين، وقد انخرطت في ممارسة عشوائية ومتغيرة باستمرار في بناء الدولة، ثم غادرت العراق قبل الأوان في عام 2011 ويبدو أنها تكرر العملية هناك في عام 2021. 

النتائج

ـ تشظي وتفرع الإرهاب، ليتحول إلى إرهاب لا مركزي، دوليا وعابر للحدود، فبعد أن كان تنظيم القاعدة المركزي يدير فروعه ويحصل على البيعات مقابل التمويل والدعم اللوجستي والتدريب، وجدنا أنه بعد مقتل زعيمه بن لادن عام 2011، تحول التنظيم إلى تنظيم لا مركزي، وحصلت انشقاقات أبرزها ظهور تنظيم داعش، وخلافات مع جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات والفصائل قاعدية الهوى.

ـ توسع خارطة الإرهاب دوليا، لو استعرضنا “البقع السوداء” الجغرافية التي تتواجد في الجماعات المتطرفة، نجد أنها أصبحت أكثر انتشارا ما قبل 2001: أفريقيا ـ الساحل الأفريقي ـ شمال أفريقيا ـ جنوب أفريقيا، جنوب آىسيا، غرب آسيا، جنوب شرق آسيا وفي منطقة الشرق الأوسط.

ـ الجماعات المتطرفة تحولت إلى ورقة “جيوبولتيك” تستخدمها أو تتوافق معها أطراف إقليمية ودولية من أجل الضغط على الحكومات، وهذا واضحا في الملف العراقي والسوري والليبي وغيرها.

ـ بعد عشرين عامًا من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومع الانسحاب الأخير لجميع القوات الغربية من أفغانستان، أصبح العالم  مرة أخرى على مفترق طرق في السياسة الدولية وهذا ما يدفع الحكومات إلى مراجعة التعاون الأمني والاستراتيجيات في محاربة التطرف والإرهاب.

ـ الفشل الأمريكي في محاربة التطرف والإرهاب حول العالم، ودخول الولايات المتحدة حروب طويلة في أفغانستان والعراق لم تكن أبدًا حروبًا ضد الإرهاب أو التطرف في حد ذاتها، بل كانت نتيجة لجهود متعثرة إلى حد ما لتغيير النظام السياسي والاقتصادي لكل بلد، فنتجت حكومات فاسدة، من الواضح تمامًا من تقارير المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان والمفتش العام الرئيسي والبنك الدولي، أن الولايات المتحدة فشلت في إنشاء نظام أفغاني ناجح وصادق وفعال.

ـ لقد حفزت عمليات 11 سبتمبر العالم على التكاتف لمحاولة دحر الإرهاب، ولمواجهة التهديد المشترك، وقامت القوات العسكرية وسلطات إنفاذ القانون وأجهزة الاستخبارات ببناء قواعد بيانات مشتركة وتبادل الأفراد وإجراء تدريبات وعمليات مشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتكنولوجيا والخبرة والتجربة، وكانت الولايات المتحدة القوة الدافعة وراء هذا الجهد ، لكنها اليوم تواجه مجموعة جديدة من التهديدات الرهيبة.

ـ إن العمل العسكري والحملات العسكري الواسعة، لا يعني القضاء على الإرهاب، والعمليات العسكرية، والجهد العسكري و “مزاوجته” بالعمل الاستخباري مطلوب، لكن الأهم أن تكون هناك سياسات متكاملة وحزمة سياسات وإجراءات تركز على بناء التنمية المستدامة وإقامة قواعد أساسية إلى أنظمة سياسية حقيقية.

ـ العالم يشهد اليوم سياسة جديدة في مكافحة الإرهاب “عبر الأفق” دون نشر القوات على الأرض، باستخدام الطائرات المسيرة وتوجيه الضربات عن بعد والحرب بالوكالة.

ـ إن الإرهاب بعد عشرين عاما، أصبح عابرا للحدود، فلا توجد دولة بمأمن من الإرهاب، وكذلك لا يمكن لدولة أن تحارب الإرهاب بمفردها، وهذا ما يتطلب بذل جهود جديدة في إقامة تحالفات جديدة لمحاربة الإرهاب والتطرف، ترتقي إلى التحديات الجديدة حول العالم.

ربما يعجبك أيضا