كيف ينقذ «رأس المال البشري» أمريكا اللاتينية من فخ النفوذ الصيني؟

آية سيد
«رأس المال البشري».. وسيلة الغرب لمواجهة الصين في أمريكا اللاتينية

لن تستطيع الحكومات الغربية التغلب على نفوذ الصين المتصاعد في أمريكا اللاتينية عبر ضخ الموارد المالية للقارة، لذلك يتعين عليها الاستثمار في رأس المال البشري.


حذر المرشح الرئاسي السابق في بيرو، خوليو أرماندو جوزمان، من خطر تنامي نفوذ الصين في قارة أمريكا اللاتينية بنحو لافت.

وأشار، جوزمان، في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، أمس الاثنين 16 يناير 2023، إلى أن الغرب لن تستطيع التغلب على نفوذ الصين، عبر ضخ الموارد المالية للقارة، لكن من خلال الاستثمار في رأس المال البشري.

حضور متنامي

حسب المقال، تُعد الصين ثاني أكبر شريك تجاري لأمريكا اللاتينية، بعد الولايات المتحدة، وأكبر مٌقرض سيادي لحكومات القارة. وتتفوق على كبرى المؤسسات المالية متعددة الأطراف، مثل البنك الدولي وبنك التنمية للبلدان الأمريكية، ومن المتوقع أن تصبح قريبًا أكبر دائن في المنطقة.

وفي حين يتوقع بعض المحللين أن الاستثمار الصيني قد يقل خلال السنوات المقبلة، بسبب تراجع معدل النمو الاقتصادي لبكين، يرجح المقال عكس ذلك، موضحًا أن الصين بدأت في الفترة الأخيرة إعادة موازنة اقتصادها لزيادة الإنتاجية، عبر الانتقال من التصنيع للخدمات، مثل الاتصالات وتوزيع الكهرباء والخدمات المصرفية.

وشدد جوزمان، الزميل بالصندوق الوطني للديمقراطية، على أن هذا الجهد يقود توسع الاستثمار الصيني المباشر بالخارج، لا سيما في أمريكا اللاتينية، التي تعاني فجوات كبيرة في الخدمات الخاصة والعامة.

أزمة اقتصادية وشيكة

طرح المقال سببًا آخر لتنامي الوجود الصيني في القارة اللاتينية، في السنوات المقبلة، وهو أن المنطقة تتجه نحو أزمة اقتصادية تستعد بكين لاستغلالها، موضحًا أن اقتصاد أمريكا اللاتينية، القائم على الموارد الطبيعية، لن يستفيد، للمرة الأولى منذ 20 عامًا، من الظروف الخارجية المواتية، مثل ارتفاع أسعار السلع، وانخفاض أسعار الفائدة، والطلب العالمي القوي.

وأشار إلى أن جائحة فيروس كورونا المستجد دمرت اقتصادات القارة، وتراجعت توقعات صندوق النقد الدولي لنمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي من 1.5% في 2022، إلى 0% في 2023. لذلك، ستحتاج حكومات أمريكا اللاتينية الأموال على وجه السرعة.

ورأى المقال أن الصين أفضل من يلبي هذه الحاجة، لأن عملية صنع القرار داخل المؤسسات الصينية يمكنها تخطي العمليات الديمقراطية، وإبرام الاتفاقات في أطر زمنية قصيرة. وهكذا، ستصبح الصين الورقة الرابحة لأمريكا اللاتينية، في السنوات المقبلة، لكن على حساب النفوذ السياسي لقادة القارة.

مصالح جيوسياسية

توجد عدة أسباب تستدعي القلق بشأن تنامي الوجود الصيني في أمريكا اللاتينية، وفق المقال. فالصين لديها مصالح جيوسياسية واضحة في المنطقة، معظمها يتعارض مع قيم الديمقراطيات الليبرالية. وتستخدم بكين نفوذها الاقتصادي لدفع أجندة سياستها الخارجية، ويشمل ذلك حشد حلفاءها لدعم مواقفها السياسية.

ولعل أحد الأمثلة على ذلك، هو كيف غيّرت 4 دول، وهي جمهورية الدومينيكان والسلفادور ونيكاراجوا وبنما، اعترافها الدبلوماسي من تايوان إلى الصين، خلال الـ5 سنوات الأخيرة، عندما بلغ الوجود الصيني ذروته في هذه الدول.

تقويض الديمقراطية

تستخدم بكين نفوذها الاقتصادي أيضًا لتقويض الأعراف والمؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون في أمريكا اللاتينية. ووفق المقال، تُعد الشروط التي تفرضها الصين على قروضها مثالًا على هذا. وتشمل هذه الشروط عقود ديون سرية، وتسديد الديون للقادة الصينيين، قبل المقرضين الآخرين.

وقد تنطوي الديون أيضًا على إمكانية التدخل السياسي، فالصين تستطيع قطع علاقاتها الدبلوماسية، والمطالبة بسداد ديونها بالكامل، إذا تبنت الدولة المقترضة سياسة تعارض مصالحها. وهذه الشروط لا تتوافق مع القواعد الوطنية، والاتفاقيات الدولية، والممارسات الديمقراطية.

التصدي لمساعي الصين

شدد المقال على أن الصين يجب أن تواجه عقبات خطيرة، في سعيها للسيطرة على أمريكا اللاتينية. وبناءً عليه، ينبغي أن تعمل الحكومات الغربية لضمان أن المعركة على القارة تتعلق بالمبادئ والقيم المشتركة، أكثر من الاحتياج الاقتصادي.

إلا أن الأفكار غير الديمقراطية تلقى رواجًا في أمريكا اللاتينية، إلى حد كبير، لأن الحكومات المنتخبة قدمت أداءً سيئًا، وفشلت في تنفيذ الإصلاحات السياسية اللازمة. ولهذا، عجزت عن تحقيق التنمية المستدامة، واحتواء انعدام المساواة المتزايد، وتعزيز حقوق الإنسان.

وحسب المقال، يتعين على الحكومات الغربية، بالتعاون مع المنظمات الديمقراطية في أمريكا اللاتينية، محاولة شرح مخاطر الاستبدادية وتعزيز شبكات المجتمع المدني. وكل هذه الجهود تحتاج إلى استثمار في الأشخاص أكثر من البنى التحتية المادية. والعالم الغربي يتفوق على الصين في هذا المجال، وفق المقال.

رأس المال البشري

شدد المقال على أهمية الاستثمار في رأس المال البشري لمواجهة نفوذ الصين. وعلى وجه التحديد، ينبغي على الولايات المتحدة والدول الأوروبية توفير المزيد من المنح الدراسية لمواطني أمريكا اللاتينية للدراسة بالخارج، واستخدام التكنولوجيا الرقمية للوصول إلى القادة الشباب في المنطقة.

وعبر الاستثمار في الأشخاص، يستطيع العالم الغربي الاستفادة من علاقاته بأمريكا اللاتينية، لمساعدة المنطقة في أن تصبح أكثر تنافسية على المستوى العالمي. وهكذا، ستحصد الحكومات الغربية ثمار مشاركتها الأعمق في المنطقة.

مخاطر الاستبدادية

على الرغم من أن العديد من ديمقراطيات أمريكا اللاتينية ابتعدت عن الاستبدادية في الأشهر الأخيرة، مثل البرازيل، تظل الآفاق الديمقراطية في المنطقة محفوفة بالمخاطر. فالحكام الديكتاتوريون يظلون محصنين في نيكاراجوا وفنزويلا، وبيرو سقطت في أزمة دستورية حادة. وتواصل الشعبوية والتفكك السياسي إلقاء ظلالها على الأنظمة السياسية في المنطقة.

ولفت المقال إلى أن 11 دولة في أمريكا اللاتينية ستعقد انتخاباتها الرئاسية خلال عامي 2023 و2024. وفي حال استمرار الشعبوية والاستبدادية، ستتراجع الحرية وحقوق الإنسان والمساءلة السياسية في أنحاء القارة. لذلك حان الوقت للعمل على تنمية رأس المال البشري، الذي لا غنى عنه لتحقيق الانطلاقة الاقتصادية.

ربما يعجبك أيضا