رؤية – بنده يوسف
استهدفت القوات المسلحة التركية، إدلب؛ في عملية عسكرية أطلقت عليها اسم “عملية درع الربيع”. تلك العملية التي لم تختلف أهدافها المُعلنة عما كانت تركيا تعلنه في الماضي، مع كل تحرك عسكري تقوم به على الأراضي السورية وهي فرض منطقة آمنة، ووقف موجات نزوح اللاجئين، الذين لن تقل أعدادهم، هذه المرة، عن مليون لاجئ سوري، قد يتدفقون من إدلب باتجاه الحدود التركية، وتحويل إدلب، وإن لم يكن هذا بشكل رسمي، إلى “مقاطعة تركية”، لها اليد الطولى فيها؛ ومن ثم يمكنها التلويح بها، من خلال السكان هناك، في وجه نظام الأسد، في أي وقت؛ كي يقدم تنازلات.
وحسب تقرير أحوال تركية، يؤكد هذه الأطروحة كذلك تصريح لزعيم حزب الحركة القومية، وحليف أردوغان، دولت بهجلي، جاء فيه ما يلي: “إدلب هي العمق الجغرافي لولاية هاتاي. وإذا انسحبنا من إدلب، فسنجد أنفسنا، عاجلًا أو آجلا، خارج هاتاي. إذا حدث شيء كهذا، فهذا يعني أن حالة الفوضى، التي تجتاح سوريا الآن، ستنتقل إلى الأناضول أيضاً. إذا لم نتمكن من الدفاع عن أنفسنا، فهذا يعني أننا سنسلم الأناضول. سنترك لهم الأناضول”.
يبدو لنا، من المشهد الراهن، أن تركيا تسعى لإخضاع منطقة شمال سوريا لسيطرتها بالكامل؛ كي تضمن الدخول والخروج عبر الحدود الممتدة بين البلدين بحرية تامة، عبر تطبيق نفس السيناريو، الذي اتبعته في العراق، عندما تذرعت ﺒ “تهديدات حزب العمال الكردستاني”؛ لتبرير تدخلها في شمال العراق؛ وبالتالي قامت بشن هجمات متكررة من البر والبحر على هذه المنطقة. والمبرر جاهز هذه المرة أيضًا؛ حيث تزعم أن عمليتها العسكرية في إدلب موجهة في الأساس ضد وحدات حماية الشعب الموجودة في الشمال السوري، والتي تعتبرها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني.
والواقع أن تحصيل أكبر قدر من المكاسب السياسية في الداخل كانت دائماً المُحرِّك الأول لحكومة حزب العدالة والتنمية، قبل أية عملية عسكرية تٌقدِم عليها أو بعدها، تماماً كما يحدث الآن في العملية العسكرية الأخيرة.
وقف اطلاق النار
وقد تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، بعد اجتماع استضافته موسكو بين بوتين وأردوغان؛ لاحتواء الصراع الذي أدى إلى نزوح نحو مليون شخص في ثلاثة أشهر.
ودعا الاتفاق إلى القيام بدوريات مشتركة للقوات التركية والروسية حول طريق إم-4 في منطقة إدلب بدءا من 15 مارس/آذار.
ويهدف اتفاق وقف إطلاق النار لاحتواء صراع أدى إلى نزوح نحو مليون شخص في غضون ثلاثة أشهر في شمال غرب سوريا ومقتل نحو 60 جنديا تركيا في شهر فبراير/شباط لوحده، وفق حصيلة معلنة.
وانهارت عدة اتفاقات سابقة لإنهاء القتال في إدلب. وعبر محللون وسكان عن مخاوفهم من أن يلقى الاتفاق الأخير نفس المصير لأنه لم يتناول الأزمة الإنسانية أو الحماية الجوية بأي تفصيل.
وفجر القتال الأخير أزمة وصفتها الأمم المتحدة بأنها قد تكون أسوأ أزمة إنسانية حتى الآن في الحرب التي أدت إلى نزوح ملايين من ديارهم وأزهقت أرواح مئات الآلاف.
وهونت روسيا مرارا من أي حديث عن أزمة لاجئين، متهمة تركيا بانتهاك القانون الدولي بعد أن دفعت بقوات وعتاد إلى إدلب منذ أوائل الشهر الماضي.
لعبة المهاجرين
فيما طالبت زعيمة الخضر في ألمانيا باتفاقية جديدة للهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا عقب التوترات الأخيرة في أزمة اللاجئين، يعتزم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التوجه إلى بروكسل بعد غد الاثنين، حسبما ذكرت محطة “تي آر تي” التركية الرسمية وصحيفة “فيلت” الألمانية، استنادا إلى “مصادر دبلوماسية رفيعة في بروكسل”.
وقد أمر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خفر السواحل بمنع المهاجرين في تركيا من عبور بحر إيجه، حسب ما أفادت وسائل إعلام تركية ليل الجمعة السبت.
ونقلت وكالة “الأناضول” للأنباء عن جهاز خفر السواحل قوله إنه “بأمر من الرئيس لن يُعطى أي إذن للمهاجرين بعبور بحر إيجه بسبب ما يتضمنه ذلك من مخاطر”.
ولا تزال تركيا تنظر لمسالة اللاجئين والمهاجرين كورقة ضغط تستعملها في مواجهة أوروبا كلما ضاق الخناق بقواتها في سوريا.
ويسعى أردوغان لتخفيف التوتر في مسألة الهجرة قبل إجراء المشاورات مع الأطراف الأوروبية ليوجه بذلك رسالة مفادها بأنه قادر على التحكم في الملف وأنه يجب على أوروبا الخضوع والتنازل له.
كما يأتي قرار منع اللاجئين من عبور بحر إيجة بعد عودة الهدوء النسبي إلى محافظة إدلب ما يشير إلى أن السلطات التركية تسعى إلى الربط بين تطورات الأحداث في سوريا ومسألة اللجوء وأنه بذلك توجه كذلك رسالة إلى أوروبا المتهمة تركيا باتخاذ موقف سلبي إبان الاشتباكات في إدلب مع قوات النظام المدعوم روسيا.
وتشهد الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي تدفقا للمهاجرين واللاجئين بعدما فتحت تركيا الباب على مصراعيه أمام المهاجرين للوصول إلى أوروبا، رغم الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين أنقرة وبروكسل في عام 2016.
المقاتلون إلى ليبيا
أرسل أردوغان خلال الأسابيع الماضية ما يُقارب الـ 7000 من المرتزقة السوريين من إدلب نحو ليبيا للقتال مع الميليشيات المتطرفة تحت راية حكومة الوفاق في طرابلس، وينتمي مُعظم هؤلاء لأقلية التركمان الموالية له، مع تقديم وعود لهم بالجنسية التركية والأموال القطرية.
ووعد أردوغان فلاديمير بوتين بأن يحل مسألة الجهاديين الذين يقدر عددهم بنحو 8 آلاف مقاتل من جنسيات غير سورية، قد يرسلهم إلى ليبيا أو منطقة جغرافية أُخرى، وفقاً لما يؤكده رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقد وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مزيداً من القتلى في صفوف الفصائل الموالية لتركيا بمعارك ليبيا، ليرتفع عدد القتلى جراء العمليات العسكرية في طرابلس إلى 117 مقاتلا من فصائل “لواء المعتصم وفرقة السلطان مراد ولواء صقور الشمال والحمزات وسليمان شاه”.
ووفقاً لمعلومات المرصد فإن هؤلاء المُرتزقة قتلوا خلال الاشتباكات على محاور حي صلاح الدين جنوب طرابلس، ومحور الرملة قرب مطار طرابلس بالإضافة لمحور مشروع الهضبة ومناطق أخرى في ليبيا، فيما يتم إسعاف الجرحى والقتلى إلى كل من 3 نقاط طبية، تعرف باسم مصحة المشتل ومصحة قدور ومصحة غوط الشعال.
على صعيد آخر، فإنّ نحو 150 مقاتلا من ضمن الذين توجهوا إلى ليبيا، باتوا اليوم في أوروبا مع وجود معلومات مؤكدة عن تزايد أعدادهم خلال الفترة القادمة في ظل المعارك الضارية التي واجهوها من قبل قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
كما يتخذ مُقاتلون من الفصائل الموالية لأنقرة عملية نقل المرتزقة من تركيا إلى ليبيا كذريعة حتى يصلوا إلى الأراضي الإيطالية. ووفقاً لذويهم ومقربين منهم فإن الذين خرجوا، عمدوا منذ البداية إلى اتخاذ هذا الطريق جسراً للعبور إلى إيطاليا، فما أن وصلوا إلى ليبيا حتى تخلوا عن سلاحهم وتوجهوا إلى إيطاليا، كما أن قسماً منهم توجه إلى الجزائر على أن تكون بوابة الخروج إلى أوروبا.
مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان المُعارض، رامي عبدالرحمن، قال إنّه تمّ رصد ارتفاع أعداد المجندين الذين وصلوا إلى العاصمة الليبية “طرابلس” حتى الآن إلى نحو 4750 “مرتزقا”، في حين أن عدد المجندين الذي وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب بلغ نحو 1900 مجند.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=349846