لماذا تريد الجزائر منع الحرب في النيجر؟

آية سيد
لماذا تريد الجزائر منع الحرب في النيجر؟

الجزائر تتبنى وضع ترتيبات سياسية بقبول جميع الأطراف في النيجر دون إقصاء.


تخاطر أزمة النيجر، الدولة التي شهدت انقلابًا عسكريًّا في 26 يوليو 2023، بأن تتصاعد إلى صراع إقليمي.

وفي هذا الإطار، تركز الجزائر، التي تتشارك حدودًا بطول 997 كيلومترًا تقريبًا مع النيجر، على تعزيز الاستقرار والعودة إلى النظام الدستوري في الدولة الإفريقية، مع منع القوى الأجنبية من انتهاك سيادتها.

منع الاضطرابات

في تحليل نشره موقع ريسبونسيبل ستيتكرافت، التابع لمعهد كوينسي الأمريكي، أمس الأربعاء 13 سبتمبر 2023، لفت المحللان، إيميلي ميليكن، وجورجيو كافييرو، إلى أن الجزائر قلقة من انتشار الاضطراب إلى الدول المجاورة للنيجر، وكذلك من استغلال المتطرفين للفوضى داخل النيجر نفسها.

لماذا تريد الجزائر منع الحرب في النيجر؟

انقلاب النيجر

وفي تصريحات إلى الموقع الأمريكي، قال السفير الأمريكي السابق في تونس، جوردون جراي، إن مسؤولي الأمن الجزائريين لديهم الكثير من الأمور التي تشغلهم بسبب التوترات المتزايدة في المنطقة، ولذلك فإن “الغموض على حدودهم الجنوبية، أي مع النيجر، يمثل تطورًا إشكاليًّا سيحتاجون إلى التعامل معه”.

انتشار الإرهاب

في 2012، سيطرت 3 جماعات إرهابية، وهي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وأنصار الدين، على ثلثي دولة مالي، ومن ضمنها أراضٍ على الحدود مع الجزائر. ووفق المحللين، انتاب القلق الجزائريين بشأن قدرة هؤلاء الإرهابيين على تهديد أمن الجزائر.

واليوم، المسؤولون الجزائريون لديهم مخاوف مشابهة من أن يخلق الاضطراب في النيجر فرصًا للجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة، لشن هجمات في أنحاء المنطقة.

تدفق اللاجئين

أشار المحللان إلى أن المسؤولين الجزائريين قلقون أيضًا بشأن التأثير المدمر المحتمل لهذا الوضع في شعب النيجر، البالغ تعداده 25 مليون شخص.

اقرأ أيضًا| حياة البشر على المحك.. تداعيات خطيرة حال تدخل «إيكواس» عسكريًّا في النيجر

ولأن العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) عقب الانقلاب لا تشمل استثناءات إنسانية، ينتاب القلق حكومة الجزائر من أن الاضطراب السياسي، والوضع الاقتصادي المتدهور في النيجر، قد يؤدي إلى تدفق اللاجئين إلى الجزائر والدول المجاورة، ما يفاقم تهديد الاستقرار الإقليمي.

معارضة التدخل الأجنبي

من المخاوف الأخرى التي أشار إليها المحللان أن الجزائر تعارض بقوة التدخل العسكري الأجنبي. وفي هذا الشأن، قال مدير مشروع شمال إفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية، ريكاردو فابياني: “تعارض الجزائر كل أنواع التدخل الخارجي في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، سواء أكان عسكريًّا أم سياسيًّا”.

وأضاف فابياني أن “الجزائر تناصر مبدأ السيادة وتعتبر أي وجود أجنبي في دول جوارها انتهاكًا لسيادة الدول المحلية”، لافتًا إلى أن التدخل العسكري في النيجر سيمثل “كارثة” للجزائر، التي ترى أن التدخلات السابقة في ليبيا ومالي فاقمت المشكلات الموجودة، بدلًا من حلها.

موقف مختلف

تنتهج الجزائر موقفًا مميزًا نوعًا ما، تعارض مع موقف فرنسا وإيكواس بشن حملة عسكرية، وموقف بوركينا فاسو ومالي بدعم المجلس العسكري للنيجر في حالة هجوم إيكواس.

وحسب المحللين، تعتبر الجزائر نفسها رائدة في القضايا المناهضة للإمبريالية، والمؤيدة للوحدة الإفريقية، والقومية العربية، ولذلك ستعارض دائمًا التدخل العسكري الغربي، وخاصة الفرنسي، في إفريقيا والشرق الأوسط، وأي مكان آخر في الجنوب العالمي.

لماذا تريد الجزائر منع الحرب في النيجر؟

انقلاب النيجر

الحل الدبلوماسي

تلعب الجزائر دورًا رياديًّا في الدعوة إلى حل دبلوماسي لأزمة النيجر. وفي الشهر الماضي، زار وزير الخارجية، أحمد عطاف، 3 دول في إيكواس، وهي نيجيريا وبنين وغانا، بتوجيهات من الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون.

وبعد الزيارات، اقترح عطاف خطة انتقالية مدتها 6 أشهر لاستعادة الحكم المدني والديمقراطية في النيجر، مشددًا على معارضة الجزائر للتدخل العسكري الأجنبي. وتهدف الخطة إلى “وضع ترتيبات سياسية بقبول جميع الأطراف في النيجر دون إقصاء أي طرف”، وتخضع العملية لإشراف قوة مدنية تقودها شخصية متفق عليها.

وقبل إعلان الخطة، عرضت القيادة العسكرية في النيجر خطة مختلفة تمامًا، وفق المحللين. ودعا المجلس العسكري إلى فترة انتقالية من 3 سنوات لاستعادة النظام الدستوري، وهو ما رفضته مجموعة إيكواس.

تأييد دولي

تأمل الجزائر أن يقدم مقترحها حلًّا وسطًا يحفظ ماء وجه كل الأطراف، ويؤدي إلى استعادة الديمقراطية في النيجر، ويمنع أي تدخل عسكري. ولفت المحللان إلى وجود تأييد دولي متزايد من الحكومات الأجنبية، مثل إيطاليا، لجهود الوساطة الجزائرية.

وقال فابياني: “إذا نجح هذا الجهد الدبلوماسي، سيعزز دور الجزائر في منطقة الساحل، وهو أحد أهدافها بعيدة المدى في المنطقة”.

اقرأ أيضًا| خبير عسكري لـ«رؤية»: انقلاب النيجر إنذار خطر للنفوذ الغربي والفرنسي (1-2)

ولم تتخذ واشنطن حتى الآن موقفًا تجاه الخطة الجزائرية. لكن متحدثًا باسم الخارجية الأمريكية أخبر موقع ريسبونسيبل ستيتكرافت أن الولايات المتحدة “تركز على الجهود الدبلوماسية تجاه الحل السلمي للحفاظ على ديمقراطية النيجر التي تحققت بشق الأنفس”.

تعامل براجماتي

حسب المحللين، تفهم الجزائر أنها يجب أن تعالج أزمة النيجر ببراجماتية وتقبل حدود نفوذها في نيامي. وأوضح فابياني أن الجزائريين يعتقدون أن “أسرع طريق للخروج من هذا المأزق هو تسريع الانتقال الذي أعلن عنه المجلس العسكري، وضمان سلامة الرئيس محمد بازوم”، مضيفًا أنه ليس من الواضح ما النفوذ الذي تمتلكه الجزائر لتحقيق ذلك.

وفي تصريحات إلى الموقع الأمريكي، قالت المحللة بالمعهد الأوروبي للدراسات الأمنية، داليا غانم، إن “الجزائر لا تريد معاداة المجلس العسكري في النيجر، ولا السعي لتدخل عسكري، إلا أنها تعلمت أن عدم التدخل لم يعد فعالًا لأنه يترك الباب مفتوحًا أمام التدخل الأجنبي، مثلما حدث في ليبيا”.

وفي الختام، أشار المحللان إلى أن الجزائر ستواصل استثمار طاقتها الدبلوماسية في خطتها للفترة الانتقالية. لكن، مثلما أخبر جراي موقع ريسبوسيبل ستيتكرافت، ستبحث الجزائر خلف الكواليس عن طرائق للتعاون مع المجلس العسكري لضمان أمن حدودها الجنوبية.

ربما يعجبك أيضا